Image Not Found

بالأخص.. العاملين الصحيين

محمد بن رضا اللواتي – الرؤية

[email protected]

من ضِمن التغييرات التي أوجدها “كوفيد 19” في التفكير، أنْ أَوْرَث إعادة النظر فيما هو الأهم وما هو المهم، والتي كانت مقلوبة -لدى فئة على أقل التقديرات- لسنين طويلة؛ فعلى سبيل المثال: إنَّ المبالغ التي أنفقتها مجموعة من الدول لتوفير البُنى الأساسية للُعبة، أكثر بكثير مما أنفقته سواء لإدخال الإنترنت في العملية التعليمية، أو في تحسينها للخدمات الصحية لمواطنيها!

وكان الكادر التعليمي في بعض الدول، والكادر الطبي، تُعتبر مُخصصاته المالية فيها فُتاتا للعصافير، هذا إن قورنت -تلك المُخصصات- بما يناله لاعب! نعم لاعب، والذي مهما سجل من الأهداف، لن يُعلم طفلًا كلمة، أو يُسعف مريضًا بنفخ هواء مباح في رئته!

لقد أدرك العالم أن الذين خرجوا حاملين أرواحهم على كفوف أيديهم لوقف زحف هذا المرض، عبر تقديم الرعاية الطبية اللازمة للمصابين، هم أجدر من غيرهم أن تتم رعاية حقوقهم، وتقدير جهودهم؛ فلقد عملوا تحت ضغوط هائلة: نفسية وجسدية، والغالبية العُظمى منهم لهم أسر، رغم أنها تنتظرهم بقلق بالغ، إلا أنها -وفي الوقت ذاته- تتوجَّس خيفة من قدُومهم المنزل، فلعلهم يحملون شيئا من المرض قد يلقونه على كراسيهم المنزلية التي يتهالكون عليها بعد يوم مضنٍ للغاية، ينتظره يوم آخر، وبعده غيره!

وفي السلطنة، برزتْ في العام 2016م، أزمة عانى منها الأطباء العُمانيون تحديدا، إلا أنها لا تزال معلقة، تتمثل في أنَّ الأطباء العمانيين خريجي الدفعات الأخيرة، لم يتم تعيينهم برقم وظيفي يضمن حقوقهم الوظيفية، ويترتب عليه تحسُّن بقية ظروفهم الاجتماعية والاقتصادية!

فعندما تخرَّجت دفعة 2016 من الأطباء العُمانيين، انخطرت في العمل أثناء سنة الامتياز، ولكن بدون رقم وظيفي، وبعلاوة مالية في حدود 250 ريالا عمانيا، وهذا الإجراء اعتبره الأطباء العمانييون مُخالفا لنظام التوظيف؛ إذ كان الأطباء يحصلون على الرقم الوظيفي وهم على مقاعد الدراسة؛ الأمر الذي أدى إلى أن ترفض هذه الدفعة العمل بتلك العلاوة وبلا رقم وظيفي، إلى أنْ توصل الأطراف إلى حلٍّ تمثَّل في زيادة العلاوة، ودون منح الرقم الوظيفي، تقبلته الدفعة على مَضَض، على أمل أن تتحسَّن الأمور سريعا، وإذا بهم يتفاجؤون بأن المبدأ ذاته قد تم تطبيقه حتى على خريجي عام 2017 كذلك، أي علاوة بمقدار نصف الراتب، وبلا رقم وظيفي يحفظ الحقوق والواجبات.

‎‎في هذه الأثناء، كان مجلس عُمان للاختصاصات الطبية يُواجه تحديا هو الآخر؛ فبرامج الزمالة (برامج للتخصصات الطبية) كانت غير مشغولة بأطباء جدد؛ لأن دفعة 2017 غير موظفين رسميًّا بأرقام وظيفية (المجلس قبل هذه الأزمة كان لا يقبل بأي منتسبين له بدون رقم وظيفي! لذلك لم يتم تنشيط برامج الزمالة لذلك العام لمدة 5 أشهر؛ لأن أغلب دفعة 2017 غير موظفين). وكحل وسط لضمان استمرار برامج التدريب في مجلس عمان للاختصاصات الطبية، تم ضم الأطباء المقبولين في برامج الزمالة وهم غير موظفين بعد، وتحت عقود تدريب مؤقته، مقابل علاوة شهرية تعادل ما يتقاضاه الطبيب الموظف، ولكن بدون رقم وظيفي يحمي به حقوقه في حالة تعرُّضه لخطر صحي أثناء مزاولته المهنة، ويضمن له حصوله على حق الدفاع عنه من قبل المؤسسة الموظفة له في حال تعرُّضه لمحاكمة طبية، ويسهل له حيازة تسهيلات مصرفية قد يكون في حاجة لها، فضلا عن احتساب سنوات الخبرة، في حال الوفاة -لا قدر الله- كلُّ ذلك لا يكون متاحا إلا برقم وظيفي.

‎‎لقد ابتكر مجلس عمان للاختصاصات الطبية برنامجا بمُسمى GFP لينخرط فيه أولئك الأطباء الذين لم يتم قبولهم في برنامج الزمالة، ولكن بعقُود تدريب مؤقته لمدة عامين، يتقاضون راتبَ الطبيب الموظف، وبدون رقم وظيفي أو حقوق وظيفية. ولم تجد دفعة 2018 من الخريجين خيارا غير الانخراط في ذات البرنامج لأجل الاستمرار في العمل، على أمل أن تتحسَّن الأمور عن قريب. ‎وها هي دفعة 2019 كذلك، حُجبت عنها الأرقام الوظيفية، لينخرطوا مضطرين في العمل على غرار زملائهم الذين سبقوهم، ولكن مع كثير من الأسئلة التي تراودهم:

– لماذا نعمل ونتحمل المجهود الذي يتحمله أي طبيب موظف، لكننا لا نستحق رقما وظيفيا مثله؟

– لماذا لا يتم توظيفنا ونسبة التعمين للأطباء تتراوح في حدود 35%؟

– لماذا لا يزال توظيف الوافد مستمرا، في حين أن الطبيب العُماني الذي يساويهم في الخبرة والكفاءة يُهمل ليلاقي المصير المجهول؟

– إلى متى ستستمر معاناة الأطباء العمانيين المنخرطين في العمل في شتى مستشفيات السلطنة بدون حقوق وتوظيف رسمي؟

– ألا يجب أن يتم تكريمنا بتوظيفنا، رغم استمرارنا في أداء رسالتنا في ظل جائحة “كوفيد 19” كل يوم، وبدون أية ضمانات أو حقوق تضمن لنا حقوقنا؟

تلك هي الأسئلة التي تُداهم فكر وقلب هؤلاء الجنود الأوفياء، الذين يمثلون العمود الفقري لمنظومة الصحة الوطنية.

لقد أثنى جلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم -حفظه الله ورعاه- غَدَاة ترأسه لاجتماع اللجنة العليا أمس، أوَّل من أثنى عليهم، العاملين في القطاع الصحي؛ إيمانا من جلالته بالدور الكبير الذي يلعبه هذا الكادر المُضحِّي، والذي نتمنَّى أن تجد وزارة الصحة الموقرة -وفي القريب العاجل- حلا عادلا وفوريا لأزمتهم، لقاء الجهد الاستثنائي الذي يبذلونه في هذا الظرف المريع.

لا ينبغِي أن تظل هذه الأزمة مُعلقة في الهواء أكثر، حتى لا يظل مصير أولئك الجنود الأوفياء، تبعا لها، في الهواء!