ناصر بن سلطان العموري – الرؤية
مُناشدة وصلتنا من ولاية مطرح العريقة، التي لا يختلف اثنان على أهميتها على الخارطة العمانية، وما تمثله من ثِقل اقتصادي واجتماعي على مستوي محافظة مسقط، إنْ لم يكن على مستوي السلطنة ككل.. مطرح تدخل شهرها الثالث منذ دخولها العزل التام الذي أصابها بالشلل الاقتصادي والتجاري والاجتماعي، ولمَ لا؟ وهي تعتبر القلب النابض بالحياة للعاصمة، ناهيك عمَّا تسبب به لقاطني الولاية من ملل وضجر وتعب نفسي وجسدي من طول أمد العزل، ومن باب الأمانة الصحفية طرحنا لكم هذه المناشدة كما وصلت:
“إلى من يهمه الأمر… والأمر لله من قبل ومن بعد… منذ أن حلَّت ببلادنا جائحة “كورونا” كانت مطرح هي الخط الأول في مُواجهة هذا الفيروس المتخفِّي، الذي لا يُعرف له لون أو شكل، وصدرت الأوامر بعزل الولاية منذ تسعين يوماً، وأسدل الستار على كل شيء، من أسواق ومؤسسات ومنازل، عشنا أيامًا عصيبة وأوقاتًا حزينة، فغدتْ الدنيا مُظلمة سوداء، وانقطعتْ الحركةُ الدؤوب التي كنا نراها ليل نهار.. وأصبحت الولاية خاويةً على عُروشها، وتدثرت بثوب الصمت المطبق، وبدأتْ حالات الإصابة بالارتفاع، وبدأ الهلع يخلع القلوب، وتتجمَّد الدماءُ في العروق. اختفت معالم الابتسامة من سُكان الولاية، وسكتتْ ضَحِكات الأطفال، ورحلت طيور الصباح، دون أن تعود.. فالوجوهُ خائفة تترقب، والنفوس كئيبة حزينة، وعاش أبناءُ الولاية في وضع صعب لا يُحسدون عليه، كل شيء أصبح مغلقًا، لا يجدون طريقةً لسد احتياجاتهم وشراء مُستلزماتهم الضرورية إلا من المُجمعات التجارية الواقعة خارج مطرح القديمة، وكان الوصول إليها صعبا عبر نقاط المرور التي لا تسمح عادة إلا بصعوبة بالغة.
ورغم كل ذلك، كانتْ هناك بارقة أمل وعيون تترقَّب من بعيد، لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمرًا، ليظهر مع خيوط الشمس في يوم جديد خبرُ رفع العزل الذي فرضته وزارة الصحة على مُحافظة مسقط، ولكن كانت الصدمة!! أنْ يستمر العزل لولاية مطرح إلى فترة أخرى.. رباااه، ما هذا الذي يحدث؟ اختفتْ كلُّ الملامح الجميلة لشهر رمضان الكريم عن الذين ألِفُوه طوال السنين، واختفت معها فرحة العيد السعيد، نزل الخبرُ كالصاعقة على أهل مطرح، وكأنَّ الآمال قد تلاشت، والأوجاع تجددت، أطفالنا لم يخرجوا من عتبة الباب منذ ما يقارب الثلاثة أشهر، نسوا كلَّ معالم الحياة خارج البيوت، توقفت كلُّ مصالحنا وأعمالنا، وأصبح الأمس واليوم بوجه واحد، كلٌّ شبيه بالآخر، لم نكن نستطيع الخروج من منازلنا أو إلى أي مكان، محاصرين في بقعة جغرافية ضيقة، نفسياتنا صارتْ مُضطربة، متوترة، فقدنا طعمَ كلِّ شيء في حياتنا، نخاف أن يؤدي هذا العزل إلى آثار نفسية أسوأ من الفيروس نفسه، وكل ذلك يهُون من أجل أن تنجو الولاية من هذا العدو البغيض، وتصل لبر الأمان، والأمل بالله كبير، والغمامة مصيرها أن تنقشع يوما ما، ويبقي الترقُّب المشهود والأمل المنشود لذلك اليوم الموعود الذي تتحرَّر فيه الولاية من عُزلتها وتتواصل مع أخواتها من الولايات المختلفة، عندها ستزف مطرح ذلك اليوم وكأنها في ثوب عرس.
وعلى الرَّغم من أن ولاية مطرح أصبحتْ تُسجِّل عددا أقل من الإصابات عما قبل، مقارنة بغيرها، إلا أنه ليست هناك بوادر لرفع العزل ولو بشكل جزئي فيما يتعلَّق بحركة السكان وبعض الأنشطة التجارية الضرورية منها، نعم مصلحة الولاية وصحة قاطنيها فوق كل اعتبار، فنحن لا نريد رفع العزل كليًّا عن ولايتنا متى ما كان ذلك في صالحها، ولكن ما نريد معرفته من قبل وزارة الصحة: إلى متى سيستمر هذا العزل؟ وما هي الخطط والإجراءات الخاصة بها؟ نحن نَثِق بجهاتنا المختصَّة وبقرارات اللجنة العليا التي عكفت منذ اليوم الأول على مُتابعة الأزمة بكل اقتدار وإصدار ما يتلاءم من قرارات مع الأوضاع المستجدة، ولكن مقابل هذا ولاية مطرح تريد معرفة مصيرها الآني والمستقبلي في هذا المعترك الوعر، تريد معرفة أين نحن الآن؟ وإلى أين وصلنا؟ وكم تبقَّى للوصول؟ ليس هو ذنب أهلها! انظروا إلى شيوخها وأطفالها، انظروا إلى من أعيتهم السُّبل، وعجزت بهم الحيل، لا نُريد أن نكون من يدفع ثمن المستهترين بالتزامهم؛ فقد سُنَّت القوانين عليهم، وفُعِّلت الإجراءات ضدهم، فما ذنب المواطنين الملتزمين بارتفاع الإصابات بين العمالة الوافدة، نريد مساحة للتنفس والحركة قليلا؛ وذلك بما يتناسب مع المستجدات والظروف وفق معايير واشتراطات مدروسة تؤتِي ثمارها على الولاية، وسيكون أهل الولاية في قمة الرضا والتعاون والالتزام؛ لأنهم موقنون ومقدرون بجدوى قرارات اللجنة، معاهدين على المضي معها قدما نحو غد صحي آمن”.
والسؤال المطروح هنا لوزارة الصحة: جُل التركيز الآن على ولاية مطرح، والملاحَظ للجميع خلال الفترة الماضية برُوز مناطق ارتفعتْ فيها الإصابات وبأعداد ليست بالهينة، فماذا عنها؟ هل سيُفرض عليها العزل وتُصاب محافظة مسقط أغلبها بالشلل؟ وهذا ما لا يرغب به الجميع، أم ماذا أنتم فاعلون؟
هي مُناشدة خرجتْ من صميم القلب لأحد سُكان مطرح، باح بها بوح المحب لبلده، ومنطقته، وعائلته، وأهله، مناشدة لعلَّها تلقَي رجع صدى من قبل وزارة الصحة في الإعلان عن موعد رفع العزل حتى ولو جزئيًّا خلال ساعات معنية، ومن ثمَّ نهائيًّا بعد ذلك، وعلى حسب ما ترتئيه اللجنة العليا، بناءً على وضع المنطقة، وجلالة السلطان المعظم -حفظه الله ورعاه- بالأمس أشار إلى أهمية التعايش والتأقلم مع الأوضاع المستجدَّة تدريجيًّا.. فهل يا تُرى ستَرى مطرح الفرج قريبًا جدا، أم أنَّ تفاصيل المعاناة ما زالت في طي المجهول؟!