علي بن محمد بن عبد العظيم اللواتي – شرق غرب
جائحة كورونا كوفيد ١٩ وضعت صناعة التأمين تحت المجهر والسؤال الكبير هو: هل وثائق التأمين تعوض الاضرار التي تسببها كورونا من اغلاق لأغلب الأنشطة الاقتصادية في العالم؟ وهل تعالج المشكلة؟
أحاول هنا تقديم صورة عن النقاشات التي تجري بشأن التأمين وكورونا في الأسواق العالمية وعلى سبيل التحديد سوق لندن وبعدها أتحدث عن وضع السوق المحلي.
نشرت صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية مؤخرا عن الرئيس التنفيذي للويدز جون نيل (تعتبر لويدز أكبر تجمع تأميني يقدم خدماته في مجال إعادة التأمين لجميع بلدان العالم) قوله أن جائحة كورونا ستكون على الاغلب الحدث الأكبر تأثيرا والأغلى ماليا في تاريخ صناعة التأمين التي تمتد على مدى ما يقارب ٣٠٠ عام وستكون المطالبات المالية الناتجة عن كورونا أكبر من مطالبات ١١ سبتمبر٢٠٠١ والتي بلغت تقريبا ٣٢ مليار دولار وأكبر من مطالبات إعصار كاترينا التي بلغت 50 مليار دولار. وقال الرئيس التنفيذي للويدز أن الجائحة تعتبر التحدي الأكبر لصناعة التأمين إلى الان وسيتم الحديث في قادم الأيام عن عشرات المليارات من خسائر التأمين ان لم تكن مئات المليارات.
ومن تصريحات هذا الرجل الخطيرة أنه قال: (إن فرص خروج صناعة التأمين من دون خسائر جسيمة خلال ٢٠٢٠ هي صفر) مؤكدا بهذا حتمية الخسائر الكبيرة المتوقعة من جراء الجائحة.
أنواع وثائق التأمين التي ستدفع بموجبها مطالبات مالية من جراء كورونا
شركات التأمين ستدفع مبالغ ضخمة من المطالبات تحت مختلف أنواع وثائق التأمين ولكن هناك وثيقة معينة يكثر السؤال حول مسؤوليتها في حالات مثل كورونا.
الوثيقة هي وثيقة الخسائر التبعية وهي وثيقة تغطي الخسائر التبعية لحدث مُغطى فمثلا لو وقع حريق في مصنع ما فبالإضافة الى الاضرار المادية ستكون هناك أضرار تبعية للحريق وهي خسارة الربح المتوقع من عملية التصنيع وهذا ما تغطيه وثيقة الأخطار التبعية ولكن لو تم إغلاق المصنع من قبل السلطات لأي سبب أو لو تم إغلاق المصنع بسبب الفايروسات فإن هذا الإغلاق من الأمور التي تم استثناؤها من تغطية الخسائر التبعية، بمعني أن الوثيقة غير مسؤولة عن خسائرك إذا تم إغلاق مصنعك بسبب فايروس.
وتواجه شركات التأمين انتقادات واسعة على هذه النقطة حيث أن أغلب مشتري وثائق الخسائر التبعية لم يعلموا بوجود استثناء لحالات الفايروس. ويُتوقع أن تقع حروب في المحاكم بين شركات التأمين ومحامو العملاء حول هذه النقطة بالذات.
وتدعم بعض الجهات التشريعية في الولايات المتحدة توجه الفرض على شركات التأمين دفع مطالبات الخسائر التبعية بالرغم من الاستثناء الوارد في الوثيقة وهناك جدل طويل حول المسالة وإن كنت شخصيا مع الفريق الذي يقول باحترام العقود وفي نفس الوقت إيجاد حلول وسطية للخلاف.
ويقول رئيس مجلس إدارة لويدز أن صناعة التأمين برمتها قد تكون معرضة للخطر إذا تم إجبارها على دفع مطالبات استثنتها الوثائق، فتعليق النشاط الاقتصادي جراء كوفيد ١٩ لا يغطيه التأمين وإجبار الشركات على التغطية ودفع المطالبات شيء غير قانوني وهذا بالضبط ما يتم الحديث عنه حول وثائق الاخطار التبعية.
وحصلت مناشدة من أعضاء مجلس النواب الأمريكي لقطاع شركات التأمين بدفع مطالبات وخاصة تلك المطالبات المقدمة من الشركات الصغيرة وحصلت مناشدات مماثلة في بريطانيا.
أن المتوقع ان تدفع شركات التأمين لعملائها مبالغ مالية أكبر مما دفعتها لخسائر إعصار كاترينا الذي ضرب أمريكا وبلغت خسائر التأمين من جرائه ما يقارب ٥٠ مليار دولار حسب تقديرات لويدز.
وثائق التأمين الأخرى التي ستدفع من جراء إجراءات الحد من انتشار فايروس كوفيد ١٩ هي وثائق تأمين السفر وإلغاء الرحلات ووثائق الحوادث ووثائق الصحة ووثائق إلغاء الفعاليات والمناسبات.
السوق العماني
وثائق الخسائر التبعية في السوق العماني ليست بالكثيرة وعلى شركات التأمين التفريق بين الشركات الصغيرة والمتوسطة وغيرها من الشركات ولتعلم أن توجه العالم هو دعم الشركات الصغيرة والمتوسطة أو على الأقل محاولة حصر مطالبات تلك الفئة ووضع مقترحات لمساعدة تلك الشركات، وهنا يأتي دور الجمعية العمانية للتأمين لأخذ المبادرة الصحيحة لدعم قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة قدر الإمكان.
استرجاع أقساط التأمين
كما ألمح رئيس لويدز إلى جانب اخر وهو مطالبات العملاء باسترجاع جزء من قسط التأمين (نسبة وتناسبا) جراء إقفال المحلات والمصالح التجارية بقرارات حكومية وتعد هذه بمثابة ضربة أخرى لشركات التأمين من كوفيد ١٩.
كما قامت مجموعة من واضعي القوانين في بريطانيا مناشدة شركات التأمين بإعادة جزء من مبلغ قسط تأمين السيارات نتيجة قلة استعمال المركبات وهبوط عدد الحوادث نتيجة تقييد حرية الخروج والتجوال في هذه الفترة للحد من انتشار كورونا.
في السوق العماني لا اعتقد أن شركات التأمين على استعداد لإرجاع أقساط التأمين كما هو التوجه العالمي ومن حق الشركات ذلك، فهي في تنافس دائم حول أسعار السيارات والأسعار في هبوط مستمر ومخيف فنيا والاسترجاعات الوحيدة ستكون ما تنص عليه الوثائق في طياتها.
خصوصية ازمة كورونا من ناحية التأمين
لم تواجه صناعة التأمين حدث بحجم كورونا، وخصوصية كورونا تأتي من كون الفايروس أصاب تقريبا جميع دول العالم وبالتالي تتوقع شركات التأمين وإعادة التأمين ان تكون المطالبات أممية وغير محصورة في مناطق جغرافية محدودة كما تكون عادة مطالبات التامين الكبيرة.
يقول رئيس لويدز أن هناك مجموعة من وثائق التأمين التي يتم تعديل أقساط تأمينها حسب استخدام الوثيقة أو حسب الرواتب السنوية المعدلة أو حسب دوران رأس المال وبسبب إغلاق الاعمال التجارية جراء جائحة كورونا فسيكون هناك هبوط في مستوى الرواتب السنوية حيث تم التخلص من العديد من الموظفين وسيكون هناك انخفاض حاد في دوران رأس المال كما سيكون هناك انخفاض في استخدام الوثائق كل هذا سيؤدي الى استرجاع العملاء لمئات الملايين من الجنيهات والدولارات من أقساط التأمين.
ولا تأتي خسائر سوق التأمين من المطالبات فقط، فشركات التأمين وإعادة التأمين تراهن على استثماراتها في أسواق الاسهم والعقارات ومختلف الأدوات المالية لتحقيق الأرباح وجميع تلك الاستثمارات مهددة بالهبوط وذلك سيؤثر على قوة رساميل الشركات أضف الى ذلك أنه على شركات التأمين الاستعداد لتلبية مطالبات العملاء بتوفير مبالغ نقدية كبيرة في حساباتها وهذا يعني ان عليها بيع بعض أصولها ولو بأسعار غير مرضية فقط لتتمكن من الايفاء بمسؤولياتها القانونية.
إن قطاع التامين الان هو بمثابة جدار وسند لكثير من الشركات سواء الكبيرة أو الصغيرة والمتوسطة وتتوقع القطاعات الأخرى أن يكون هذا الجدار متينا وقويا.
ومن التحديات التي لن نعرف جوابها (حيث أن كرم سلطاننا المفدى أجرى فيها حكمه) هو هل كانت شركات التأمين ستغطي علاج كورونا للوافدين تحت وثائق التأمين الصحي (المواطن تشمله الدولة برعايتها) وهل الإدارات الوافدة لشركات التأمين كانت ستدعم إخوانها الوافدين. العلم عند الله.
يقول ايفان جرينبرج من شركة تشب (نحن في أوقات محنة غير مسبوقة …. لا أحد من الأحياء اختبر ما نختبره الان من جراء كورونا ولا يعلم احد الى أي مدى ستصل الاضرار ولكننا سنتجاوز الازمة الاجتماعية والاقتصادية بالتلاحم البشري).
أهمية صياغة عقود التأمين وأهمية الترجمة الجيدة
من الأمور المهمة في أي وثيقة تأمين هي صياغة الكلام ووضوح ما تود الوثيقة تغطيته واستثناؤه وأغلب الوثائق في السوق العماني والخليجي تستخدم اللغة الإنجليزية للصياغة وتقوم بترجمتها الى العربية والمحاكم العمانية تعتمد الترجمة العربية كأساس ولا تعتد باللغة الأجنبية. وهنا تقع الكثير من الأخطاء فكثير من الوثائق يتم ترجمتها على طاولات متخصصين ترجمة عامة وتندر الترجمات التخصصية وهذا يفتح الباب امام مطالبات من عملاء ومحامين لم تقصد وثائق التأمين تغطيتها.
وبصرف النظر عما قد تواجهه شركات التأمين العمانية من مشاكل جراء الترجمة غير الدقيقة فإنني أدعو للاهتمام بهذا الجانب لأننا في النهاية بلد عربي وتجري المحاكمات بالعربية فلابد من حماية شركات التأمين من الترجمات السيئة والتي تخلف ثغرات ينفذ من خلالها القانونيون لخدمة عملائهم.
نظرة عامة
لا أحد يعلم ما تخبئه الأيام المقبلة من مطالبات تأمينية من الزبائن في السوق العماني ولكن لابد من استغلال الازمة الكارثية التي نمر بها ومحاولة استخلاص بعض الأمور الإيجابية وهنا أشير الى ثلاث نقاط:
١. الحرص على -وجود وثائق تأمين ذات صياغة عربية محكمة وواضحة سواء في وثائق التأمين أو الملاحق.
٢. متابعة ما يحصل في الأسواق العالمية حول كيفية تقديم تغطيات تأمينية للمخاطر التي تتعلق بالفيروسات وقد قامت لويدز بتوفير مبلغ ١٥ مليون جنيه لدعم أبحاث التأمين حول كيفية تغطية مخاطر أي جائحة في المستقبل وعلى سوق التأمين في السلطنة الاتفاق مع المشرع على كيفية تغطية مخاطر كورونا واشباه كورونا المستقبلية والتأكد من اهتمام إدارات شركات التأمين (حتى الوافدة منها) في الجوانب المستقبلية لأمثال جائحة كورونا.
٣. في مثل هذه الحالات يجب على سوق التأمين متمثلا في الجمعية التحدث الى جمهور المؤمنين وتطمينهم على مقدرة شركات التأمين على الاستجابة لجميع المطالبات المغطاة بموجب وثائق التأمين وفي جائحة كورونا قامت الهيئة العامة لسوق المال بدور محدود في مخاطبة حاملي الوثائق ولا بد للجمعية من ممارسة دور أكبر. إن ابراز قوة سوق التأمين في حماية حاملي وثائقه في الأزمات لهي أفضل وسيلة لكسب ثقة حاملي الوثائق وتوسيع قاعدة الزبائن.