قناة منتدى السيدة المعصومة الثقافي
💠 *العلمانية الشاملة والجزئية “قراءة في كتاب د.عبدالوهاب المسيري”*
➖ضمن برنامج “الملتقى الأسبوعي” في منتدى السيدة المعصومة (عليها السلام) الثقافي استعرض *سماحة الشيخ هادي اللواتي* بتاريخ 12 ديسمبر 2018 قراءته لكتاب المفكر د.عبدالوهاب المسيري الموسوم بـ “العلمانية الجزئية والعلمانية الشاملة” وهنا عرض مقتضب لأهم ما تناوله سماحة الشيخ اللواتي:
يتطرق الكاتب المسيري لتعريف مصطلع العلمانية ودلالاته، ثم يتحدث عن جوهر النظرية مستعينا بقاموس من المفردات والمصطلحات، ثم يشير لعشرات النماذج والأمثلة التطبيقية والعملية على فكرته.
🔰 فصل الدين عن الدولة وعن سلوك الناس في الحياة العامة هي الدائرة الجزئية الاجرائية الصغيرة، ولابد من الرجوع الى الدائرة الكلية الأشمل التي تحتوي النموذج الإدراكي، فالعلمانية الجزئية هي فصل الدين عن الدولة فحسب، أما العلمانية الشاملة فهي فصل الدين عن كل القيم الإنسانية والأخلاقية والدينية وعن حياة الإنسان بحيث تنزع القداسة عن العالم ويتم تحويله إلى مادة استعمالية توظف لصالح الأقوى.
✅ *التعريف الشائع للعلمانية وهو “فصل الدين عن الدولة”:* separation on of church and state أي فصل المؤسسات الدينية (الكنيسة) عن المؤسسات السياسية (الدولة)، فإنه في الواقع حصر لعمليات العلمنة في المجال السياسي والاقتصادي فقط، ويشير إلى العلمانية الجزئية.
*العلمانية الجزئية* ترتبط بالمراحل الأولى لتطور العلمانية الغربية، وبمرور الزمن ومن خلال تحقق الحلقات المتتالية للنموذج العلماني تصاعدت معدلات العلمنة وتجاوزت مجالات السياسة والاقتصاد، لتصبح ظاهرة اجتماعية كاسحة، وتحولاً بنيوياً عميقاً يتجاوز التنظيم الاجتماعي نفسه (الرأسمالي والاشتراكي) لذلك فقد اتسع نطاق عمليات العلمنة ليصبح شاملا.
وظهور العلمانية في الغرب لا يرجع فقط إلى الصراع مع الكنيسة (بسبب فساد بعض رجال الدين، وارتباط مؤسسة الكنيسة الكاثوليكية مع رجال الإقطاع، وتعنت الكنيسة ورفضها الأعمى للثورة العلمية)، بل المسألة أعمق من ذلك بكثير، فترجع الى تحولات بنيوية عميقة في عالم الاقتصاد والسياسة أثّرت على رؤية الإنسان لنفسه ولله وللطبيعة.
🔹 *وصف لملامح المجتمع العلماني الشامل من خلال أهم المصطلحات والمفردات:*
1️⃣ التطبيع: رد الظواهر إلى المادة والقانون الطبيعي، وأن الإنسان جزء لا يتجزأ من الطبيعة، ومعرفته تتلخص في اكتشاف قوانين الحركة الطبيعية، والطبيعة لا تعرف هدفا أو غاية، ومن هنا يتم تحييد العالم عن أية معيارية كالقيم الدينية أو الأخلاقية أو الإنسانية أي على الإنسان أن يرى ذاته والعالم ضمن مرجعيّة ماديّة كامنة في الأشياء.
2️⃣ التعاقد : أن تتحول العلاقات بين البشر من العلاقات الإنسانية التراحمية الى علاقات تعاقدية مضبوطة خاضعة لحسابات الربح والخسارة، إذ العالم بأسره أصبح أشبه بالسوق والمصنع.
3️⃣ هيمنة النماذج البيروقراطية الكمية : مؤسسات ضخمة تدير المجتمع من خلال نماذج وآليات كميّة لا تكترث بخصوصيات الأفراد، وهذا يعني تنميط الواقع والبشر، وتحويل المجتمع إلى آلة ضخمة تقرر لكل فرد وظيفته ومكانه ورغباته وأحلامه.
أدى هذا إلى ظهور مصطلح المجتمع التكنولوجي أو المجتمع التكنوقراطي في عام 1919 م بمعنى حكم الخبراء الفنيين أي مجتمع يحكمه المهندسون والخبراء ويطبقون فيه آخر اكتشافات وتطورات العلم والتكنولوجيا لحل كل مشاكله، لترشيد الواقع والتحكم فيه، فالقوة الحقيقية هي بيد هؤلاء الخبراء والفنيين دون الرجوع إلى أُطر فكريّة وفلسفيّة كليّة.
🔹 *ثمرة العلمنة*
أدت عمليات الترشيد والتطبيع والحوسلة والتشييء والتنميط إلى ظهور الإنسان ذي بعد الواحد، وهذا الإنسان هو من نتاج المجتمع الحديث، وبذلك يسود ضرب من غياب الحرية في إطار ديمقراطي سلس معقول، وعليه ظهر إنسان تمت تنقيته من كل المبادئ باستثناء مبدأ السعادة وإمتاع الذات، وتم تفريغه من كل المقاصد والقيم إلا مقصد البقاء وحفظ النفس، ولم تعد لديه من حرية سوى حرية اختيار بديل من البدائل المتوفرة، فهو إنسان وظيفي فَقَدَ العقلَ النقدي المتجاوز، يُعرّف في ضوء وظيفته التي توكل إليه، ويتم تدجينه ضمن العقلانية المادية التكنولوجية.
🔹 *مؤشرات العلمنة*
1️⃣ تقوم الدولة بكثير من الوظائف التي كانت الأسرة تضطلع بها في السابق مثل التعليم وتنشئة الأطفال، الأمر الذي يجعل الأسرة لا وظيفة لها، ومن هنا تنشأ حقوق المرأة وحقوق الطفل، وبهذا تبدأ الأسرة كوحدة متكاملة مبنية على التراحم في الاختفاء، ولعل الاحتفالات الهستيرية بعيد الميلاد وتحول ذلك إلى أهم الاحتفالات هو تعبير عن هذا الاتجاه.
2️⃣ التشابه بين الحضانة التي تضم أبناء بلا آباء وبيوت المسنين التي تضم آباء بلا أبناء، فهذا تعبير عن انتزاع الإنسان من بيئته والتجرد من التراحم، فيتم تنشئة الأطفال بكفاءة عالية في مرحلة مبكرة فتتراجع الخصوصية الجوانية التي يتعذر على الطفل أن يكتشفها مع المربية بديلا للأم، ويتم ترحيل المسنين الذين توقـفوا عن الإنتاج إلى أن ينتهي وجودهم الجسدي.
3️⃣ الرياضة بدلا من أن تكون وسيلة لتهذيب الجسد والنفس، يصبح الهدف تحقيق الأرقام القياسية التي تتجاوز قدرة الإنسان ويتم التدريب بقسوة؛ إذ يصبح الرياضي جسدا محضا لا يستطيع التحكم فيه، برامج المصارعة الحرة (الإباحية الرياضية) تركز على القيمة العضلية للجسد خارج أية أطر إنسانية وأخلاقية بحيث ترى العالم كغابة داروينية محايدة معقمة من القيمة، وتصبح قمة اللذة ارتطام كتلة جسدية بشرية بكتلة أخرى وإلحاق الأذى بها، وبينما كانت اللعبة في الماضي بحد ذاتها تستدعي الثناء عليها، أصبح الآن الهدف الوحيد من المباريات هو الفوز والغلبة.
وفي نهاية الأمر يُستخدم اللاعبون في بيع السلع، فهم يمنحون بركتهم المادية لأنواع معينة من الأحذية أو صوابين الحلاقة والشعر أو العطور وغيرها من السلع.