حيدر بن عبدالرضا اللواتي –
[email protected] –
فتحت جائحة كورونا الكثير من الملفات التي تهم دول المنطقة ومنها قضايا القوى العاملة الوافدة في دول مجلس التعاون الخليجي، والظروف التي أدت إلى تدفق وتكدس وإغراق الأسواق الخليجية بهذه القوى العاملة، بالإضافة إلى التحدي والمنافسة غير المتكافئة تجاه القوى العاملة الوطنية، والأخطار والأعباء الصحية والاقتصادية والأمنية التي تقع على دول المجلس من جراء ارتفاع أعداد هذه القوى العاملة سنويا، وموقف الدول المصدرة لها، والحلول المقترحة من قبل الخبراء بهذا الشأن.
جميع تلك القضايا التي وردت في مقدمة الموضوع تعرض لها معالي الأستاذ عبدالنبي الشعلة وزير الشؤون الاجتماعية والعمل البحريني الأسبق في جلسة مجلس الخنجي المرئي عن بعد مؤخرا، فهذه القوى العاملة لم تأت إلى المنطقة عبثاً، وإنما جاءت للمساهمة في التنمية الاقتصادية التي شهدتها المنطقة في فترة السبعينات وما قبلها من القرن الماضي، وكان لها دور كبير في مجالات التنمية خاصة في الفترات السابقة عند تأسيس المشروعات الضخمة، وتزايدت أعدادها لتصل اليوم إلى 35 مليون عامل من مختلف الجنسيات أغلبها آسيوية من الهند وباكستان وبنجلاديش والفلبين بجانب القوى العاملة العربية والإفريقية، ومنذ عدة سنوات فإن أعداد القوى العاملة الوافدة الكبيرة تؤثر على التركيبة الديموغرافية لدول المنطقة، وتفرز آثارا سلبية على الحياة الاجتماعية والثقافية والاقتصادية وكذلك السياسية.
وهذا ما يؤدي إلى التفكير جديا في تقليص أعداد الوافدين، في الوقت الذي تدفع جائحة كورونا إلى إيجاد حل يمكن من خلاله التخلص من القوى العاملة غير القانونية في المنطقة تدريجيا، وتوفير مزيد من فرص العمل لأبناء المنطقة الباحثين عن العمل، وهذا لا يعني بأن دول الخليج عازمة على التخلي عن هذه القوى العاملة في ضوء وجود أعمال ووظائف لن يقبل عليها الخليجيون، فدول المنطقة تشهد اليوم ارتفاع أصوات تطالب بموجبها العمل على إحلال القوى العاملة الوطنية محل الوافدة في المؤسسات الكبيرة نتيجة لانتشار البحث عن عمل بين صفوف أبناء الدول من جهة، وبسبب التأثيرات الديموغرافية التي يمثلها هؤلاء الوافدون، خاصة للدول قليلة السكان من جهة أخرى.
كما أن المخاوف تتزايد اليوم بمستقبل أسعار النفط مع هذه الجائحة، الأمر الذي يتطلب من الجميع العمل على تقليص عدد الوافدين لتوفير فرص العمل لأبناء المنطقة، في الوقت الذي تتحمل فيه حكومات دول المجلس العبء في توفير الرعاية الصحية والأمنية لهذه القوى العاملة من مرض كوفيد- 19، ومن هذا المنطلق أصبحت قضية إرجاع القوى العاملة الوافدة إلى دولها معقدة نتيجة لاحتياج دولها إلى العملة الصعبة التي يقوم هؤلاء الوافدون بتحويلها شهريا والتي تزيد عن 122 مليار دولار سنويا، منها أكثر من 30 مليار دولار إلى الهند مثلاً.
اعتراض الدول الخليجية يأتي نتيجة لوجود قوى عاملة غير قانونية (سائبة) في المنطقة، فالكويت على سبيل المثال أعلنت مؤخرا عن وجود أكثر من 250 ألف شخص من القوى العاملة غير القانونية، الأمر الذي يعطي للجميع صورة عن حجم المشكلة في بقية دول المجلس، كما نجد أن 80% من القوى العاملة الوافدة في المنطقة هي من الشرائح الدنيا، وأكثرها يدوية، وتتكدس في مكان إقامتها، واليوم فإن تجمعات هؤلاء الأشخاص تمثل بؤراً لانتشار مرض كورونا، فهذه القوى العاملة ووسط الظروف المالية والاقتصادية السائدة في المنطقة تكلّف الحكومات الخليجية الكثير من المبالغ لدعم مشاريع الكهرباء والمياه والوقود، بينما المواطن الخليجي ينظر من جانبه فقط إلى الراتب والأجر المتواضع الذي يحصل عليه هذا العامل البسيط، ووفق رأي الوزير فإن الشريحة الدنيا من هذه القوى العاملة الوافدة لا تساهم كثيرا في الاقتصادات المحلية، لأن العشرات منهم يعيشون في شقة واحدة، وعلى حياة بسيطة، وينفقون القليل على معيشتهم، عكس ما نراه في الدول الأوروبية حيث يساهمون في برامج التأمين والتعليم والصحة والتسوق اليومي، بينما تتحمل الدولة عنهم الكثير من المصاريف ، أي أنهم لا يحركون الاقتصاد نتيجة عدم وجود قوة مالية كبيرة بسبب تواضع رواتبهم.
كما أن بعض هؤلاء العمال منخرطون في ممارسة التجارة المستترة من خلال حصولهم على السجلات التجارية بتعاون بعضهم البعض واستخدام أساليب عديدة تضر بالمواطنين في أعمالهم التجارية، وخلال العقدين الماضيين أصبح لهم ثقل اقتصادي في السوق في القطاعات التجارية، وقطاع مقاولات البناء والتشييد وغيرها من القطاعات الأخرى، وهذا الأمر يدعو الجهات المعنية إلى التوقف عن إصدار تلك السجلات لهم ، وإنما تُعطى للذين يمتلكون رأس المال الحقيقي أوالمستثمر الحقيقي وليس صاحب الشنطة، واليوم ومع قلة الأعمال بسبب جائحة كورونا، فإن القوى العاملة السائبة ربما تتجه إلى الجريمة والإرهاب، في الوقت الذي لا تريد هذه القوى العاملة الرجوع إلى دولها، لذا فإن التخلص منها يجب أن يكون تدريجيا وعلى مراحل.
ومن هذا المنطلق يطرح معالي الوزير حلاً لهذه المعضلة من خلال تشكيل فريق عمل خليجي على مستوى الدول يتكون من المسؤولين والقطاع الخاص لتقديم الحلول للتصدي لأزمة القوى العاملة الوافدة ، بحيث يمكن للفريق تقديم جدول زمني محكم وخارطة طريق للسياسات والإجراءات والخطوات اللازم اتخاذها لمعالجة هذه المعضلة والتصدي لها من مختلف الجوانب والمحاور، منها العمل على تسهيل عملية الإحلال وإدماج القوى العاملة الوطنية في سوق العمل، والعمل على رفع تكلفة القوى العاملة الوافدة حتى يتم توفير جو من المنافسة العادلة والمتكافئة بالنسبة للقوى العاملة الوطنية، كما يرى ضرورة الوقف والمنع التام لجلب المزيد من القوى العاملة الوافدة وخاصة من الشرائح الدنيا، لأن لدينا مخزونا كبيرا من هذه الأيدي العاملة، وضرورة إعادة النظر في بعض الممارسات والمفاهيم التي استقرت في أذهاننا حول إنتاجية القوى العاملة الوطنية.
واليوم فإن الاقتصادات الخليجية في تراجع، والمشاريع الحكومية في تراجع بعدما حققت المنطقة الكثير من المشاريع التنموية الكبرى خلال العقود الماضية من بناء الشوارع والموانئ والمطارات، وأن القادم منها سوف لا يكون بهذه الضخامة، الأمر الذي يتطلب التخلص من القوى العاملة الزائدة، بالإضافة إلى امتصاصها في أعمال أخرى، فبعض هؤلاء الأشخاص استوطنوا في المنطقة منذ عشرات السنين، والتخلص منهم يدخل الدول في إشكالات سياسية مع دولها ومع المنظمات الدولية ، الأمر الذي يتطلب وضع خطة محكمة وذلك بالتخلص من القوى العاملة الوافدة بواقع 10% سنويا بحيث تبلغ نسبتهم 50% خلال السنوات الخمس المقبلة، مع العمل على مراجعة طلب المؤسسات والشركات بحيث يتم استغلال القوى العاملة الفائضة أولاً ومن ثم إعطاء القوى العاملة المطلوبة.
كما يمكننا التفكير في طرح سندات خاصة بالأيدي العاملة الوافدة لجذب جزء من تحويلاتهم التي تبلغ 122 مليار دولار سنويا، بحيث يحصلون على عائد سنوي ويمكن من خلال ذلك استقطاب مبالغهم واستغلالها في المشاريع التنموية، فهذه الأزمات تدفعنا للاعتماد على أنفسنا وعلى إنتاجنا من السلع والمنتجات والخدمات، وعلينا استغلال القوى العاملة الزائدة في السوق الخليجي بالتوجه نحو الصناعات، والاعتراف بأن لدينا مشكلة قائمة في هذا الشأن بحيث تتكاتف الحكومات والقطاع الخاص الخليجي في مواجهة تبعات هذه المشاكل.
فاليوم هناك العديد من رؤساء مجالس الشركات من الأجانب، وبذلك نحرم المواطنين من استلام تلك المناصب، الأمر الذي يتطلب وضع برنامج الإحلال ، على أن يتم تجنيس ممن نحتاج إليهم كالأطباء والمهندسين وأصحاب الخبرات في العلوم والمعارف والتقنيات، بالإضافة إلى بناء القيادات الوطنية للوظائف المقبلة، ومن هذا المنطلق يؤكد الجميع على أهمية تحديث التشريعات العمالية لكي تكون صالحة لكل وقت، فنسبة 80% من القوى العاملة الوافدة الحالية ليست جالبة للمعرفة، ولكن كان لهذه القوى العاملة في السنوات السابقة دور في التنمية التي شهدتها دول المجلس منذ منتصف القرن الماضي وحتى اليوم.