Image Not Found

الحاج داود جمعة سلطان ( ماجو )

د علي محمد سلطان

عرفته يوم أن سكنا في سور اللواتية( رحلة العودة) وكان ذلك بعد أن غزت مطرح سلسلة الحرائق عام 1964.

كان رجوعنا للسور بعد أن تقشعت كراجيننا وسعوفنا وذابت طرابيلها في لهوات الحريق ليل أن شبت الحمم كالبركان المتفجر فالتهمت ساحاتنا في كل نازي مويا.

جاء لوالدي يلحه إلحاح الدائن لاسترداد دائنيته بينما شهامته كانت وراء هذا الإلحاح لنلحقه إلى دار سكنه فالمنكوبين كانوا يومئذ يبحثون عن الملآجئ هربا من سطوة النيران لكن الوالد آثر بأن يتخذ من بيت أخته شيرين سلطان مأوا مؤقتا وكان لزوجها العم عبدالحسين مختار عيسى يدا ممدودة بالخير قد خففت الكثير من المعاناة عن كاهل الوالد ومع الأيام وفي ظل مساعيه الدؤوبة أقام العريش المتقشع إلى بيت من بناء حديث.

وفي مواسم قيوظ غلا وفي الستينيات وحيث المخيمات الممتدة على براحاتها ووهادها وعلى حواف أحواضها الملآى بالمياه المعدنية الدافقة المتحدرة من أعالي راسياتها كان للحاج داود مجموعته من الأصدقاء الذين يتشاركون في المزاج والأريحية فيبقون أياما متواصلة في مخيم الوالد ومعهم فإن كل غلا كانت تَبات متلعلعة على وقع المليح والسكر فداود هو محورها وهو قطبها وربان سفينتها.

ذكر لي عمي المرحوم حسن إبراهيم الجمالاني أنه والحاج داود ماجو وتقي إبراهيم( چلوک ) سافروا إلى البحرين في أواسط الخمسينيات
بحثاً عن الرزق وصادف أن الحاج داود سبقهما إلى الوظيفة فبقي الثلاثة في البحرين لمدة وكان الحاج يتكفل بمعاشهما فالكرم كان سجيته ويداه كانتا تغدقان بالعطاء متى ماتوافر لديه ما يمكن بذله.

كان يجالس أصدقاءه في قهوة ( حاجي پيري) فيلتمون حوله والمقهوجي كان يستبشر به وبأصدقائه خيرا متى ما تجمعوا عنده على ( الميز) وكان يشاركهم متى مافرغ من عمله.

كانت القهوة مأوى الدلاليل فهنالك يتداولون أخبار السوق وبقربهم كان الحائط الأخباري للنشرات والسفن وأخبار مكتب الوالي وأخبار حركات السفن والجلاس كانوا جزءا من المكون الذي تتناهى إليه أخبار الدنيا ساعة بساعة عبر الوسائل السمعية( الرواديو ) وعبر وسائل نقل الأخبار من خلال أناس متابعين بمايحصل في دنيا الناس.

وهنا وفي هذه القهوة تجد توزيع الحصص من مكتسبات الدلاليل عبر تنفيذ الصفقات في الغذاء والبز وبشيء من العقار ، والأجمل أنه كان من النادر أن يتفرد دلال بكل الصفقة فهناك طرف وآخر يتشارك معه الحصة ، وكان من سجايا الحاج داود وهو حليس قهوة ( حاجي پيري) أن يشارك معه أكثر من طرف في محصلات الدلالة تعميما للفائدة وحباً لتوزيع الخير على عدد أكبر.

كان لصوته شجوا ولنبراته وقعا ولتامورة صدره آهة وهو يجلس في حلقة المراثي الحسينية غداة انعقاد المآتم العاشورائية فينبري ممسكا بالسماعة ويتلو المراثي( الكوجكية ) فتتفاعل معه الحلقة بالزفرات والعويل.

لله من صوت أسبل الدمع وأشجى القلب وأسكب العبرات في ( بانو تي چی روهي زار ويو ميجو أكبر وري ) : من المراثي الكوجكية.

كان الحاج داود ماجو ينقل لنا صورا من بانورامات الطف بتراجيديتها
عصر تاسوعاء ، يوم أن حوصر الحسين السبط كما نعته حفيده جعفر الصادق.

بقي الحاج داود ماجو الأب الروحي لمراثي الطف وبقي معاهدا لها وبموته في أغسطس من عام 1981 تهدم أحد أركانها.

نسأل الله له المغفرة والرحمة في هذا الشهر الكريم.