Image Not Found

مستقبل الابتكار والانتاج في المجتمع العماني

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان

ترتبط عملية الابتكار والانتاج في أي مجتمع بعدة عناصر أهمها جودة التعليم العالي، والوضع الاقتصادي والصناعي للدول، بالاضافة إلى اهتمام الدول بجوانب البحث العلمي، ووجود القوانين التي تحمي الابتكارات والملكية الفكرية للأفراد والمؤسسات، بجانب الانشطة الجامعية السنوية والتجارب التي يقوم بها الصناعيون والمبتكرون وطلاب الجامعات في مختلف العلوم التطبيقية والعلمية.

هذه القضايا وغيرها من المحاورالأخرى كانت موضع الطرح من قبل الدكتور عبدالله بن عباس البحراني أستاذ الاقتصاد المساعد ومدير مركز التعليم الاقتصادي بجامعة شمال كنتاكي بالولايات المتحدة الأمريكية الذي تناول في جلسة الخنجي مؤخرا موضوع الابتكار في الاقتصاد العماني. وقد تركزت المحاضرة على طرح عدة محاور منها زيادة القاعدة الاقتصادية في عمان، وإعادة تعريف نموذج التعليم العالي بالبلاد، والاعتماد على الشركات الصغيرة في السلطنة، والعمل على استقطاب الشركات متعددة الجنسيات بجانب تحفيز البحث وحماية الملكية الفكرية في السلطنة.

النظرة الشاملة التي تحدث عنها المحاضر تناولت أيضا دعم المبادرات الحالية للعمانيين والجهود التي تبذلها الحكومة في زيادة الإيرادات وخفض الإنفاق. فزيادة القاعدة الاقتصادية ستعمل على جذب اختلاف الأعمال الجديدة للبلاد، الأمر الذي يتطلب النظر في موضوع الضرائب والإنفاق في بعض البنود. كما أن التوجه للبدائل ضروريا وهي كثيرة في البلاد لجذب المزيد من الأعمال، فيما على الحكومة التوجه نحو بناء المشاريع المستقبلية في الانتاج والتصنيع. فإيرادات السلطنة وفق موازنة عام 2020 تبلغ 10.7 مليار ريال عماني فيما تقدّرالمصروفات نحو 13.2 مليار ريال وفق سعر 58 دولارا للبرميل، بينما يقدّر بند رواتب الموظفين والعاملين في المؤسسات المدنية والعسكرية بنحو 3.5 مليار ريال عماني. ونظرا للظروف التي تمر بها الدول النفطية من تراجع في أسعار النفط وأزمة جائحة كورونا، فعلينا أن نقلل من بعض المصروفات تجاه مشاريع معينة للمضي قدما في هذا الاتجاه. أما ما يتعلق بالتعليم العالي في السلطنة فهناك ضرورة بالاهتمام وتصليح المنظومة التعليمية والتوجه نحو عدة قنوات تعليمية جديدة، الأمر الذي سيؤدي إلى تغيير في بناء هذه المنظومة، خاصة في الظروف الحالية لوباء فيروس كورونا. فالسلطنة تصرف حوالي 17% من موازنة بند التعليم على التعليم العالي، وهناك حوالي 15 ألف طالب يدرسون في الخارج، فيما تصل مصروفات هؤلاء الطلبة ما بين 173 إلى 290 مليون ريال عماني سنويا. والتعليم الخارجي لهؤلاء الطلبة يكسبهم العديد من المنافع التي يكتسبها بقية الطلاب في الدول الأخرى. وهذا الأمر سوف يعمل على توفير مزيد من فرص العمل سواء للذين يتعلمون في المؤسسات التعليمية في الداخل أو الخارج، فيما تبقى هناك قضية التدريب والخبرة التي يمكن أن يحصل عليها العمانيون من الأعمال التي يقومون بها.

وهناك ارتباط كبير بين ما تنتجه الدول من منتجات صناعية والقطاع الصناعي والتعليم العالي من خلال العمل بعدة محاور منها الاستمرار في التعليم التجريبي، وضرورة إيجاد الشراكة بين الصناعة والتعليم، الأمر الذي يتطلب تحفيز الطالب غير التقليدي للمستقبل، بالاضافة إلى اهمية تشغيل المتقاعدين وخبراء الصناعة في المجالات المتاحة. فالعالم يبدي أهمية كبيرة للبحث العلمي في مختلف المجالات، فيما نرى اليوم انه يركز في البحث على إيجاد اللقاح المطلوب للفيروس الحالي، وكيف سيؤثر هذا المرض على العمل المستقبلي. وهذه الأمور تعتمد على قدرات الاساتذة والفنيين والطلاب، مع قيام الحكومات بدعم وتمويل البحوث والتطوير، خاصة وأن الجميع يتفق على الدور الاستراتيجي الحكومي لتمويل الجوانب الجديدة في عمليات الابتكار وبناء الشراكة والحوكمة الاكاديمية.

من جانب آخر نرى أن العالم مستمر في الاهتمام بمشاريع المؤسسات الصغيرة، وهناك إمكانية بناء اقتصاد محلي يكون العمانيين هم أصحاب تلك المؤسسات التي تدار معظمها من قبل الأجانب حاليا. فعلى سبيل المثال نجد أن 99% من الأعمال في أمريكا تابعة لمؤسسات صغيرة، وأن 78% من هذه المؤسسات لا توجد لديها عمالة، فيما نرى أن 64% من الاعمال الجديدة تخلق من قبل المؤسسات الصغيرة في هذه الدولة الصناعية، وأن 52% من هذه الأعمال تدار من المنازل من قبل أصحابها. ويرى المحاضر أن العمانيين يُمكن لهم أن يبدوأ عملهم الصغير بشخص واحد، ومع مرور الأيام تكبر هذه الأعمال لتصبح مؤسسات كبيرة، وأن وجود العمالة الإضافية يمكن أن تأتي بعد زيادة أعمال تلك المؤسسات، فيما يبدأ لاحقا في تسجيل مؤسسته لدى الجهات الحكومية المعنية. فليس كل الاعمال تحتاج إلى التسجيل، بل يمكن للمرء أن يبدأ بها من خلال شخص واحد، على أن يمتلك بعض رأس المال والامكانات البسيطة. فهناك بعض الأعمال في الخدمات لا تحتاج إلى معدات، مثل خدمة الاستشارة، حيث أن مثل هذه الأعمال تحتاج إلى جهاز لاب توب، وخط شبكة الانترنت، ومكان صغير للقيام بذلك، الأمر الذي يتطلب منا أخذ هذه الأمور في الحسبان وخاصة للذين يريدون بدء أعمالهم الصغيرة. وهذه الاعمال لها مستقبلها ويمكن أن تعزز من قوة الاقتصاد العماني، وتزيد من الاعمال التجارية في المجتمع.

وفي الوقت الذي نبدي فيهالاهتمام بالمشاريع الصغيرة، علينا أيضا العمل على استقطاب الشركات متعددة الجنسيات إلى السلطنة سواء من خلال الاتصال المرئي (البعد) – الذي أصبح اليوم مهماً في المجتمعات في مثل هذه الظروف التي نمر بها، أو من خلال الاتصالات التسويقية الأخرى، فهي مهمة كبيرة لجذب الاستثمار الأجنبي والشركات العملاقة. فنحن جزءاً من المنظومة العالمية، وعلينا التنويع في هذه الاعمال وتسويقها للآخرين. فالمجتمع يحتاج إلى مزيد من الأفكار والاختراعات والآراء لتقديم الاعمال في المستقبل، مع ضرورة أن يكون الجميع شفافاً في نشر القوانين والتشريعات والقرارات للاقتصادات الجديدة والتنافس في هذه الأمور. فجذب الشركات متعددة الجنسيات تعتبر وسيلة سريعة للتنويع الاقتصادي، وهي تستطيع في النهاية تشغيل وتأجير أصحاب القدرات المحلية، وتستطيع خلق ونشر الخبرات والفكر أيضا من خلال تجميع وتوظيف شركات أخرى. وهذه الشركات تحتاج إلى عمالة لديها قدرات ثنائية وثلاثية اللغة، وعمالة متعلمة، كما تحتاج إلى مقر ومكان يتميز بالجغرافيا واللوجستيك (بحرا وجوا) كالسلطنة، وإلى ارض ومكان يتميز بقلة التكلفة.
وأمام ذلك هناك ضرورة لتحفيز البحث العلمي وحماية الملكية الفكرية في السلطنة، لأن النمو الاقتصادي والابتكار العملي يتطلبان أسواقا تنافسية لمنتجات وأفكار مبتكرة. فحماية الملكية الفكرية والعلامات التجارية تحتاج إلى إيجاد توازن بين حماية الافكار والسماح للمنافسين الجدد بالدخول في الاسواق.

وفي الخلاصة يكمن دورنا في رفع مستوى قاعدة الاقتصاد، والعمل على إعادة تنظيم عمل مؤسسات التعليم العالي، بالاضافة إلى الاعتماد على المؤسسات الصغيرة، مع ضرورة العمل على جذب استثمارات المؤسسات الكبيرة، والتوجه حول البحث العلمي وحماية الملكية الفكرية. اليوم هناك أهمية كبيرة للصناعة في جذب الخبرات والمعرفة، والسلطنة تتمتع اليوم بوجود مشاريع كبيرة من الموانيء والمطارات والطرق السريعة، ولكن هناك غياب للمؤسسات الصناعية الأجنبية الكبيرة في البلاد، بينما نجد أن العالم سريع في تقديم الخدمات في الاعمال التجارية، ويتم تخليصها وتقديمها من خلال الاجهزة الذكية، فيما يتطلب من الحكومة التركيز على القوانين والتشريعات والتفكير في نوعية المشاريع التي تريد تأسيسها مستقبلا، وضرورة الاستمرار في عملية التسويق لجذب الاستثمار الاجنبي، وأن تكون عملية فرض الضرائب قليلة على جميع المؤسسات، وليس ضرائب كبيرة على بعض المؤسسات، بالاضافة إلى استقراء القادم والاعمال التي نريد تأسيسها في البلاد.