الرؤية – نجلاء عبدالعال
أكد مرتضى بن محمد جواد الجمالاني رئيس لجنة المال والتأمين بغرفة تجارة وصناعة عمان، أنّه من غير الممكن لشركات التأمين؛ سواء في السلطنة أو العالم أن توفر تغطية تأمينية لـ”الإغلاق الاقتصادي” الذي تنفذه الحكومات في مختلف دول العالم بأثر رجعي، مشيرا إلى عدم وجود “وثيقة معتمدة” من قبل الجهات التنظيمية المختصة.
وتحدّث الجمالاني في حوار خاص مع “الرؤية” عن تحديات قطاع التأمين؛ في ظل تفشي جائحة كورونا، والتداعيات الاقتصادية المترتبة؛ وتحديدا على قطاع التأمين في السلطنة.
وقال الجمالاني إنّ صناعة التأمين وإعادة التأمين تعملان بكل توازن ممكن بين توفير حماية ضد الكوارث الطبيعية والأوبئة والأمراض والأخطار البشرية، وفي نفس الوقت تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة، فصناعة التأمين وإعادة التأمين متميزة بارتباطها الوثيق بمصالح المجتمع والاقتصاد الوطني.
وفي ظل العبء والوضع الاقتصادي والصحي الراهن، يوضح أنّ ممارسات شركات التأمين في السوق العماني، لا تختلف عن ممارسات أسواق إقليمية في دول الجوار ومنطقة الدول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومعظم هذه الشركات هدفها الأساسي توزيع أرباح على المساهمين، ونتيجة لتراكم المطالبات المرتقبة وتراجع الأقساط، وعوائد الاستثمار، وصعوبة التحصيل النقدي في الفترة المقبلة، لا يمكن القول إنّ شركات إعادة التأمين ستتحمل الخسائر في نهاية المطاف، لأنّه من الطبيعي أنّ شركات إعادة التأمين من الناحية الفنية تدفع في النهاية، لكن سيرفعون الأسعار ويفرضون الشروط عند تجديد اتفاقيات إعادة التأمين لشركات التأمين.
التأمين والبنوك
وحول العلاقة بين قطاع التأمين وقطاع التمويل والبنوك، يرى الجمالاني أنّ العلاقة كبيرة بين القطاعين، مضيفا: “أصف قطاع التأمين بالأطباء، وأصف قطاع البنوك بالمستشفيات، وأصف الزبائن أو العملاء بالمرضى؛ حيث شركات التأمين بإمكانها أن تأتي بحلول للأعمال وتحديد المخاطر وتوفر الحماية من المخاطر، وتتابعها للفترة الزمنية المحددة مقابل قسط التأمين المناسب”.
ويشرح رئيس لجنة المال والتأمين بالغرفة أنّ هناك علما حسابيا خاصا يسمى “علم اكتواري للتأمينات العامة والتأمين على الحياة، أو علم الحسابات”، ومن خلال هذا العلم يتم فحص ودراسة مبالغ رؤوس الأموال والأصول والموجودات وأموال حملة الوثائق لتحديد قسط التأمين والملاءة المالية ومخصصات الفنية ومختلف المبالغ الاحتياطيات وسداد المطالبات ومصاريف الإدارية وتوزيع مبالغ أرباح على المساهمين وحملة الوثائق في التأمينات على الحياة والتأمين التكافلي. ويضيف أنّه في معظم اقتصاديات دول العالم قطاع التأمين والبنوك والمؤسسات المالية الأخرى، هي أعمدة النظام الموحد المالي والاقتصادي، وفي البلد الواحد ليس هناك نظام السوق الحر أو آلية السوق بالنسبة لقطاع معين، بينما قطاع آخر يخضع للتنظيم، كما هو في الوقت الحاضر بين قطاع التأمين والبنوك في السلطنة. ويتابع أنّ إدارة هذه القطاعات تتطلب أن تتمتع بالمهنية والشفافية، طبقا للأنظمة ولا سيما نظام الحوكمة والقوانين والتشريعات، وذلك لتجنّب التضارب في المصالح، والامتناع عن المنافسة الشرسة لتحقيق الاستدامة والأهداف الاقتصادية والاجتماعية، والتي تتضمن جذب الكوادر الوطنية وتوظيفها في الوظائف الوسطى والعليا في شركات التأمين وإعادة التأمين.
الأوضاع العالمية
وبالحديث عن الفارق بين سوق التأمين في السلطنة وبيئة العمل العالمية، يشرح الجمالاني أنّ السلطنة تضم أكثر من 20 شركة تعمل في مجال التأمين منها الوطنية والأجنبية، وتمارس أعمال اكتتاب التأمينات العامة والتأمين على الحياة، مع شركة واحدة فقط متخصصة في إعادة التأمين (وهي شركة مقفلة) وما يزيد على 33 شركة تعمل في السمسرة/ وساطة التأمين محلية وإقليمية وعالمية. ويشير إلى أنّ مؤشرات السوق لعام 2019 لم تصدر إلى الآن؛ حيث لم تعقد أي شركة تأمين مدرجة في سوق مسقط للأوراق المالية اجتماع الجمعية العمومية لسنة المالية المنتهية في 31 ديسمبر2019، لكن من خلال مؤشرات سوق التأمين العماني التي تصدرها الجهات الإشرافية والرقابية ممثلة في الهيئة العامة لسوق المال خلال السنوات المنصرمة، يتبين من الأرقام أنّ نسبة أعمال تأمين المركبات والتأمين الصحي تفوق باقي أصناف التأمينات.
وأوضح أنّ إجمالي احتفاظ صافي أقساط مقارنة مع إجمالي أقساط التأمين تعتبر نسبة ضئيلة جدا، على الرغم من زيادة حجم الأصول والموجودات ورؤوس أموال الشركات، وهذا ما يوحي بأنّ شركات التأمين العاملة في السلطنة عبارة عن وكلاء تأمين لمعيدي التأمين العالميين.
وعن تأثيرات تداعيات فيروس كورونا والضغط الاقتصادي وما يستلزمه من تغطيات التأمين الصحي للأفراد والمجموعات، والخسائر ودور شركات التأمين وإعادة التأمين والجهات الرقابية، يقول: “ليس هناك حتى وقتنا الحاضر وثيقة تأمين موحدة تغطي الأوبئة مثل فيروس كورونا وتبعاته، ولا توجد وثيقة معتمدة من قبل السلطات المختصة في معظم الدول في العالم، وبعض شركات التأمين العامة والتأمين على الحياة في مختلف الدول العالم قد تعمل في الترويج لمنتجاتها أو بعض منتجاتها على أنّها تشمل وباء فيروس كورونا لكن وفق سقف مالي محدود”.
وأكّد أنّ وباء فيروس كورونا وتبعاته انتقلت من مسؤولية شركات التأمين إلى مسؤولية الحكومات، وبإمكان هذه الحكومات أن تتخذ الإجراءات اللازمة في المستقبل لتوفير الحماية من هذا الوباء وغيرها من التبعات الاقتصادية من خلال القوانين والتشريعات من باب “إدارة المخاطر” وذلك بتعاون مع قطاع التأمين وإعادة التأمين.
ويضيف: “لم يخطر على بال خبراء التأمين وإعادة التأمين أن يواجهوا يوما فيروسا مثل فيروس كورونا، ينتشر في كل أرجاء العالم ويتسبب في تبعات وانعكاسات اقتصادية بهذا الحجم الهائل، على الرغم من المزاعم الخاصة بالحروب الجرثومية وغير ذلك”.
لا تغطية لكورونا
ويشير الجمالاني إلى أنّ هناك محاولات من بعض المشرعين في “الدول المتقدمة” لتوفير تغطية “إيقاف العمل” أو الإغلاق، بأثر رجعي، معتبرًا ذلك “جهل تام لأبسط قواعد التأمين”. ويرى أنّه “إذا كانت الاستثناءات واضحة، فلا مجال لمحاولة إعادة إدخالها ضمن التغطيات من جديد، وإذا كانت الوثيقة لا تستثني الأوبئة فسيكون من الصعب على شركات التأمين التخلي عن واجباتها، لكن المشكلة تكمن في المنطقة الرمادية”. واستشهد الجمالاني بما نشرته صحيفة فايننشال تايمز البريطانية حول “صناعة تأمين ذات ملاءة كافية مسألة حيوية للكل” وقالت “إنّه ليس بالإمكان إعادة تفسير استثناءات عقود التأمين وتغيّرها بأثر رجعي لتسمح بتعويض إيقاف العمل نتيجة لتفشي وباء كورونا”.
وتابع الجمالاني بالقول: إنّ مؤسسة لويدز أوف لندن للتأمين أصدرت في مارس الماضي 3 بنود تشمل استبعاد مرض فيروس كورونا من وثائق التأمين الصحي والحوادث الشخصية، واستثناء الأمراض المعدية في بواليص تغطية الممتلكات، كما إنّه بالنسبة لاتفاقيات إعادة التأمين فقد تم استبعاد الأمراض المعدية في اتفاقيات إعادة التأمين.
وقال إنّ جون نيل الرئيس التنفيذي لمؤسسة لويدز أوف لندن قال خلال مناقشة أداء ونتائج المؤسسة للسنة المالية المنتهية 2019، إنّ المؤسسة قد تواجه مطالبات التأمين من وباء فيروس كورونا من 14 صنفا من أصناف التأمين تقريبا، وأنّ المؤسسة سوف تتعامل مع فيروس كرونا باعتباره كارثة، وسيكون التعامل مع التداعيات على التأمين بتصنيفات عديدة تشمل إلغاء التأمين، وتأمين السفر، وتأمين الأخطاء الطبية، وتأمين إصابات العمل ومسؤولية رب العمل، إضافة إلى المطالبات الاقتصادية من قضايا المسؤولية مثل التعويضات من أخطاء المديرين والرهن والمديونية.
الوضع بالسلطنة
وحول الوضع التأميني في السلطنة خاصة ما يغطيه التأمين الصحي، يقول الجمالاني إنّ مشروع التأمين الصحي الإلزامي “ضماني” في السلطنة يعد نوعا من الضمان الاجتماعي ويهدف إلى توفير الحماية لمختلف طبقات المجتمع مقابل القسط التأميني، وهذا القسط التأميني يتم تحديده من خلال العلم الإكتواري تحت إشراف الهيئة العامة لسوق المال ووزارة الصحة وزارة القوى العاملة وشرطة عمان السلطانية والهيئة العامة للتأمينات الاجتماعية وغرفة تجارة وصناعة عمان والجمعية العمانية للتأمين.
وتحدث الجمالاني عن دور غرفة تجارة وصناعة عمان ممثلة في اللجان المتخصصة، وقال إن لجنة المال والتأمين بالغرفة، ومن خلال مجلس إدارة الغرفة قدمت مبادرات واقتراحات تتعلق بتطوير قطاع المال والتأمين وممارسات الأعمال، لتحسين الأداء المالي والنقدي ولتوفير حماية للأفراد والمؤسسات والمجتمع والاقتصاد الوطني حسب خطة عمل الخمسية للجنة 2018-2022، مما سينعكس على نمط حياة المجتمع وزيادة العوائد غير النفطية ومساهمة القطاع في الناتج المحلي.
وأكد الجمالاني تجاوب البنك المركزي العماني واعتماده لبعض التوصيات والاقتراحات، متطلعا لمزيد من التعاون من الجهات الأخرى، مثل مراجعة القوانين والتشريعات من جهات الإشراف والرقابة وقطاع الزراعة والثروة الحيوانية والسمكية والصحة، وغيرها من جهات الاختصاص.
وكشف رئيس لجنة التأمين بالغرفة أن اللجنة تقوم حاليًا بالتنسيق مع لجنة التعليم بالغرفة (والتي تضم التعليم الخاص والمدارس والمعاهد والكليات الجامعية الخاصة”، لإعداد منتج تأميني لتوفير الحماية لأصحاب المدارس من فقدان العوائد المالية والمصاريف الإدارية والأتعاب المالية الناتجة من الكوارث الطبيعية والبشرية والأمراض والأوبئة المؤمنة وتبعتها من خلال “وثيقة تأمين موحدة”.
مبادرات ومقترحات
ويمضي الجمالاني في حديثه قائلا إنّه من خلال هذه المعطيات ولتشجيع القطاع الخاص في الاستثمار في قطاع المال والتأمين ومن أجل تفعيل حقيقي للشراكة بين القطاعين العام والخاص، اقترحت اللجنة عددًا من الإجراءات تشمل أولا: دعم قطاع التأمين وإعادة التأمين من خلال مساهمة الحكومة في شركة إعادة التأمين، وذلك لتمكين شركات التأمين في توفير الحماية وتخفيض التدفق النقدي للخارج، من خلال الاحتفاظ بأقساط التأمين في البلاد وتنويع المخاطر وجلب العملة الأجنبية من خلال ممارسة نشاط إعادة التأمين.
وأضاف أنّ الإجراء الثاني يتمثل في مراجعة قانون التأمين وإعادة تفعيل بعض المواد يتعلق بالاحتفاظ المخاطر والأقساط طبقا لرؤوس الأموال والأصول والموجودات الشركات، مما يساعد في تقليل التدفق النقدي للخارج. وتابع أنّ الاجراء الثالث يتم من خلال مراجعة قانون الاستثمار (فيما يتعلق بالتأمين) لتنشيط حركة الاستثمار المشترك بين قطاع العام والخاص من خلال تطبيق مواد القانون “الشراكة قطاع العام والخاص PPP”، علاوة على مراجعة سياسة النقدية المالية الحكومية فيما يتعلق بالتأمين الأصول والممتلكات ومسؤوليات الدولة. واقترح الجمالاني كذلك مراجعة قانون وممارسات البنوك والشركات التأمين فيما يتعلق بالمنتجات ونظام “التأمين البنكي” ونظام الرهن، وتأمين القروض وتمويل المشاريع وإصدار خطابات الائتمان، وخطابات ضمان حسن التنفيذ، وغيرها، بما يكفل تطوير القطاع على النحو المرجو.