حيدر اللواتي – لوسيل
لا يخفى على العالم الأضرار التي تلحق بالاقتصادات وأسواق المال العالمية نتيجة لتفشي وباء فيروس كورونا، وأثر ذلك على المؤسسات الحكومية والخاصة وموازنات الدول والأفراد من جراء ذلك، فهل هناك علاقة مباشرة بين فيروس كورونا وأسعار النفط الحالية؟ الخبراء ينفون هذه العلاقة ولكن التدهور في أسعار النفط حدث بعد فض اجتماع منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك) من دون اتفاق روسيا على الخفض، الأمر الذي دفع السعودية لاتخاذ قرار بضخ المزيد من الكميات في أسواق النفط العالمية والإعلان عن خفض أسعار النفط السعودي عن سعر النفط العالمي.
وهناك عدة آراء أخرى هو أن الانخفاض الكبير في أسعار النفط جاء بهدف التأثير السلبي على دولتين نفطيتين، واحدة خارج المنظمة وهي روسيا، والأخرى داخل المنظمة وهي إيران. ويتساءل الخبراء: «لماذا تراجعت أسعار النفط بهذا الشكل المخيف الذي لم نعرفه منذ سنوات عدة؟». في الظاهر فإن سعر النفط في تراجعه بهذا الشكل يعود إلى وجود تخمة في العالم نتيجة لإنتاج النفط الصخري الأمريكي بكميات كبيرة، والذي بدأت منصاته تتراجع هذه الأيام نتيجة لتراجع أسعار النفط، بجانب وجود بعض التباطؤ الاقتصادي الذي يعزى إلى انتشار فيروس كورونا، إلا أن هذين السببين – في رأي الخبراء – ليسا هما السببين الرئيسين في تراجع سعر النفط. وبالنظر إلى عام 2009 وعام 2011 فقد كانت الظروف الاقتصادية أكثر سوءاً بكثير مما هي عليه الآن من حيث النمو الاقتصادي وكميات النفط المنتجة والمباعة. فالنمو الاقتصادي للصين ما زال أكثر من 6%، والنمو الاقتصادي لأمريكا يبلغ في حدود 5% كما تعلن عنه، وهذا يعني عدم وجود التباطؤ الاقتصادي ولا يجب أن يسبب هذا الهبوط السريع في سعر النفط.
ووفق الأسس الاقتصادية فليس هناك مبرر كافٍ لهذا التراجع في السعر، الأمر الذي يؤكد أن هناك جوانب سياسية تتعلق بنظرة الدول المنتجة للنفط مع خصومها. ويرى بعض الخبراء أن هناك انسجاما تاما بين السياسة الأمريكية والسعودية في خفض أسعار النفط لإلحاق الضرر ببعض الدول مثل إيران وروسيا لإضعاف نفوذ الأولى بسبب برنامجها النووي، وسياساتها في منطقة الشرق الأوسط، بجانب العمل على ضرر الاقتصاد الروسي وتشديد العقوبات عليها بسبب بعض القضايا السياسية ومنها قضية استيلائها على جزيرة القرم. وهذا التفاهم الاقتصادي بين أمريكا والسعودية هو الذي يؤدي إلى حدوث تراجع في أسعار النفط العالمية، بالرغم من أن أمريكا متضررة أيضا من ناحية النفط الصخري، فيما يتراجع عدد المنصات العاملة لها في استخراج النفط والغاز هذه الفترة.
لقد اعتادت منظمة أوبك في السابق أن تقوم بتخفيض الإنتاج النفطي في حالة وجود تخمة نفطية ولو قصيرة، لكن العالم يمر اليوم بسياسة جديدة، حيث نسمع لأول مرة من قبل وزير النفط السعودي بأن بلاده سوف تمتنع بخفض إنتاج النفط، حتى ولو بلغ سعر البرميل 20 دولاراً. وهذا بالطبع ليس منطقا اقتصاديا من قريب أو بعيد، الأمر الذي يؤكد بأن تصفية الحسابات السياسية في أوجها اليوم، وأن هناك معركة لكسر عظام بين كتلتين تضم بعض دول الخليج بقيادة أمريكا من جهة، وبين دول نفطية أخرى في المنطقة وخارجها من جهة أخرى.