صادق ٱل عيسى
طفولته :
شاء القدر أن يولد (داود) صاحب المعول (رحمه الله) مصابا بخلل نفسي وهو يقضي شطرا من طفولته المبكرة بدولة الكويت في كنف والديه والتي عاد منها عام 1963 مع عائلته ..
داود والمدرسة :
لم تتحمل المدرسة إختلافه عن أقرانه فتم نقله لمدرسة للرعاية الخاصة بالكويت (حيث كان يعمل والده) فكان الصف الثالث الإبتدائي آخر صف إنتظم فيه.
علاقة داود بالسلطان قابوس :
باني عمان الحديثة (رحمه الله تعالى) كان يوقف موكبه كلما صادف (داود) بمعوله في جنبات مطرح التي لم يفارقها رغم إنتقال عائلته إلى منزل شعبي (إجتماعي) بالخوض و آخر بسيح الظبي .
ومن الطرائف التي تروى عن لقاءات داود بجلالة السلطان قابوس رحمه الله تعالى أن جلالته ذات مرة توقف ونادى داود بإسمه فأقبل داود نحو السلطان فناوله السلطان رزمة من النقود فئة (ريال عماني) فما كان من داود إلا أن سحب (3) ثلاثة ريالات عمانية فقط من الرزمة وأعاد الباقي لجلالة السلطان الذي لم يتمالك نفسه من الضحك طالبا من داود أن يحتفظ بالرزمة إلا أن داود رفض ..
عمله (محبوبته):
داود عمل بالحجر الصحي بميناء السلطان قابوس بعد أن كانت دائرة الحجر الصحي بالميناء بمطرح محطته اليومية..
ألحقه مدير الححر الصحي العائد من الكويت أيضا بوظيفة (فراش) رأفة بحاله إنطلاقا من معرفته الشخصية بطيبة وبساطة وسذاجة ذلك الفتى الودود (داود) والذي أصبح شابا دائم الضحك والإبتسام قليل الحديث ..
لكن المعروف لا يدوم ..
فقد فوجىء المدير بصدور قرار تعسفي بنقل داود الفراش المسكين إلى (الحجر الصحي بالوجاجة) على الحدود العمانية الإماراتية بذات الوظيفة ..
داود الذي كان يحظى بمحبة وعطف زملائه بالميناء لم يتحمل البعد عن مدينته التي عشقها ولم يكن يغادر محيط مبنى الحجر الصحي فيه حتى بعد إنتهاء ساعات الدوام الرسمي فأقفل عائدا خلال يومين فقط إلى مقر عمله السابق بالميناء دون أي قرار ينص على عودته إلا أنه إنقطع عنه رغم إصرار مديره (إبراهيم داود) على إبقائه بجواره لكن داود فضل الحرية على البقاء ..
فما كان منهم إلا أن ركلوه إلى الشارع بالفصل عن العمل فحمل معوله على كتفه باحثا عن فرصة عمل في محيط الميناء كما هو واضح في الصورة المنقولة المرفقة بالمنشور والصور الأخرى الشبيهة المتناقلة ..
مطرح لم تفارق قلب داود :
ينحدر داود من إحدى الأسر البسيطة بولاية مطرح ..
و قد جادت الحكومة عليهم بمسكنين شعبيين (المساكن الإجتماعية) أحدهما بولاية السيب (الخوض) والآخر بالعامرات (وادي حطاط) فكان يتردد عليهما ما يلبث أن يعود إلى مطرح مشيا على الأقدام دون وعي وهدف سوى البقاء في منطقته ومكان عمله الأول والأخير ..
تفاقم حالته المرضية بعد التشخيص :
(داود) تم عرضه في بداية الثمانينات على مستشفى الأمراض العقلية (مستشفى إبن سينا – سابقا) مستشفى المسرة حاليا ..
الطبيب المعالج عند تشخيص حالته وبعد أن إطمأن (داود) إليه سأله عن الصورة التي كانت تزين جدار غرفة الطبيب ..
فأجابه (داود) هذا الحباب السلطان قابوس بن سعيد بن تيمور .
ثم سأله الطبيب بعد أن أخرج ورقة نقدية من جيبه عن قيمتها فأجابه (داود) :
هذه (خمسمية) خمسمائة بيسة .
فأعقبه الطبيب قائلا :
روح الدكان وجيب ثلاث غرش بيبسي وهات الباقي ..
فأجابه :
البيبسي بمية (مائة بيسة) بجيب ثلاثة وبرجع لك ميتين (مئتين بيسة) ..
الطبيب من فرحته أضاف طيب إذا عطيتك ست ريالات وقلت لك اشتري لي بريالين أشياء كم بترجع لي ..
فأجاب داود بجيب الأشياء اللي تريدهم وأربع ريالات الباقية .
لم تدم طويلا فرحة شقيقه خميس بن محمود البلوشي الذي روى لي تفاصيل هذا المنشور !!.
الطبيب أصدر وصفة طبية تتضمن أقراصا طبية مهدئة للأعصاب ما أن تناولها داود في المنزل حتى هاج هيجان غير طبيعي و أصبح يأتي بأفعال جنونية لا تطاق ..
وكانت المرة الأولى والأقسى في تاريخ مرض داود ..
الإرادة الإلهية تدخلت وبدأ داود في التقيأ وإخراج ما في جوفه وهدأ قليلا فتمت إعادته للمشفى للإستفسار عن تأثير تلك الأقراص فأفادوهم بإنها الوحيدة التي يمكن أن تتلاءم مع حالته بمرور الوقت إلا أن داود توقف عنها ..
(مريم) المحبوبة المختلقة من المحبين :
نعم فقيدته التي سموها (مريم) ونسجوا قصص خيالية عنها لم تكن سوى وظيفته التي فقدها ..
والمعول الذي يحمله لم يكن سوى أداة بناء ..
رحيل داود :
رحل داود عن دنيانا في زمن الحجر الصحي بعد أن إستمر عشقه له لعقود من الزمن ..
إن رحل داود فهناك عشرات المعذبين الأرض في الأرض من أمثال داود أكثر سعادة وأقل شقاء من ملايين البشر .
داود تم ركله من عمله المجاور لمنزله في بداية السبعينات فأنتصر على الحجر الصحي بحريته ، وعندما أصبح العالم بأكمله محجور عليه صحيا دهسته مركبة ..
فأنتصر علينا جميعا بمغادرة الدنيا ناقلا ملف شكواه إلى رب العباد الذي إبتلاه فأختاره تاركا (المعول) الذي لم يفارقه ..
و أقارب أسلموا أمرهم لقضاء الله وقدره وعزاؤهم بتواصل و تواد المحبين ل(داود) معهم .