الوطن:خميس الصلتي
لم يعرف أدب الطفل في عمان ازدهارًا مشهودًا له، واشتغالًا حقيقيًا كما حدث في الفترة الأخيرة، ويدلُّ على ذلك ظهور أسماء متحققة تُضاف إلى قائمة المشتغلين في هذا المجال، سواء أكان ذلك على مستوى الكتّاب، أو الرسّامين، أو الباحثين، أو أصحاب المبادرات المختلفة التي تخدم هذا الجانب. إذ بدأت الحركة الثقافية في هذا المجال بالانتعاش، وازداد عدد الإصدارات السنوية التي شهدها معرض مسقط الدولي للكتاب خلال دوراته الثلاث الأخيرة بشكل ملفتٍ للنظر.
ثمة أسماء عديدة قدمت أعمالا ونماذج متعددة في شأن أدب الطفل مما أوجد لها مساحة من التفاعل والإبتكار على مستويات متعددة، خاصة تلك التي تتماشى مع الواقع المعاش والطفرة الإلكترونية التي باتت تفرض سيطرتها الساحة الثقافية على وجه الخصوص. من بين تلك الأعمال ظهور ما يسمى “التواصل الأدبي عن بعد”، وهذا ما تركز منذ فترة ليست بالقصيرة بعض الشي، ومن بين الأسماء التي بات اشتغالها واضحا في هذا الشأن الدكتورة وفاء الشامسية، وهنا تبدأ الحكاية مع الشامسية في حديثها في الإطار ذاته وتشير: في عام 2016 م عندما حظيتُ بالفوز بجائزة المكتب العربي لدول الخليج في سلسلة الكتب الثقافية الموجهة للطفل، وجدتُ أن رسالتي لم تعد الكتابة للطفل فقط، وإنما تمتد لأكون دعامة أساسية في إثراء مكتبة الطفل العربي من خلال نقل الخبرة التي أتيحت لي على مدار السنوات التي اشتغلت فيها على نفسي، وحرصت من خلال تجارب شتّى على التمكّن في هذا المجال كيلا أكون كمن يسير بغير هدى، فكنتُ أضع في كل سنة هدفًا رئيسًا أسعى لتحقيقه، ففي العام 2017م كانت لي مشاركات إقليمية وزاد إنتاجي القصصي، وفي عام 2018م كان لي حضوري في معارض الكتاب الدولية كمتخصصة في مجال أدب الطفل، ومشاركتي كمحكّمة في محوري الشعر والقصّة في أدب الطفل في عدّة مسابقات وجوائز إقليمية، وختمتُ السنة بانضمامي لمؤسسة بيرسون العالمية لأكون كاتبة ضمن طاقهم من الكتّاب، واشتغلتُ في مجال التدريب المؤسسي مع مجموعة من المؤسسات الصحفية المعنية بالطفل في السلطنة، وقمت بإنتاج أول مجموعة قصصية للأطفال من تأليف المشاركات في حلقة عمل متخصصة.
تبع ذلك في العام 2019م ارتباطي بأعمال مؤسسية لإنتاج قصص الأطفال، فقد حرصت هذه المؤسسات على أن تكون مساهمة في إثراء مكتبة الطفل العربي، وهذا ما زاد حماستي إذ وجدت تحرّكًا على المستوى المؤسسي لتبنّي قصة الطفل باعتبارها أداة مهمة للتوعية والإعداد السليم.
وفي ذات السياق تقول الدكتورة وفاء: إن هذا التدرّج والاشتغال مع مختلف المؤسسات كالجمعية العمانية للكتّاب والأدباء، والنادي الثقافي، ومكتبة الأطفال العامة، ومكتبة هيّا نقرأ، ومركز الطفل الاستكشافي، وغيرها لم يكن إلا نتيجة استشعار المسؤولية المجتمعية تجاه الطفل، وتجاه الأقلام الصاعدة التي تحتاج للصقل وللدعم في هذا المجال. كما أن الوعي من قبل المربّين والقائمين على إعداد هذا الطفل جعلهم دافعًا وداعمًا أساسيًا في تعزيز الحراك، وتكثيف حركة الطبع والنشر داخليًا وخارجيًا، وهذا يجعلنا نشهد تطورًا في مجال الكتابة في أدب الطفل، خصوصًا على مستوى الإنتاج القصصي، ويأتي الإنتاج الشعري في المرتبة الثانية.
وحرصت الدكتورة وفاء الشامسية على أن يكون للأوضاع الحالية فيما يتعلق بانتشار فيروس كورونا حضور في مسائل الاشتغال على أدب الطفل وهنا توضح: حين نتحدث عن الأوضاع الراهنة بما فيها من سن تشريعات وقوانين للحد من انتشار فيروس (كورونا) وتعطيل الدراسة في مختلف المؤسسات التعليمية والأكاديمية، واعتماد أساليب جديدة في متابعة الأعمال، واستمرار العطاء وخصوصا في المجال الثقافي تظهر لنا مبادرات مختلفة أساسها الاعتماد على التكنولوجيا كإحدى المرتكزات الرئيسة للتغلّب على تداعيات الوضع الصحي والأمن المجتمعي في مختلف الدول. فإن لي تجربتي الشخصية في هذا المضمار التي بدأت منذ وقت طويل، إذ أني استفدت من المدوّنات وقمت في عام 2005 بتصميم أول مدوّنة تعليمية في مقرر اللغة العربية الذي كنتُ أدرّسه لتلميذاتي في الصف الحادي عشر، تلا ذلك بسنة تصميم موقع تعليمي في مقرري اللغة العربية – المؤنس والمفيد – واحتوى الموقع على مجموعة كبيرة من الشروحات والتدريبات والفوائد اللغوية. وهذا يعدّ نوعا من أنواع التعليم الإلكتروني الذي يتمثّل في التعليم عن بعد، ومن خلال انخراطي في العمل الأكاديمي توالت المدوّنات التحضيرية لمساقاتي الأكاديمية تسهيلا على طلابي للوصول إلى المحتوى التعليمي، ومختلف الأنشطة والمشروعات المطلوبة منهم، وخلال العامين الماضيين بدأت اكتسب الخبرة الأكاديمية لاستخدام (البلاك بورد) في طرح المحاضرات من خلال التعليم المتزامن الذي يعني حضور الطلبة، وتفاعلهم معي في أثناء الشرح، بالإضافة إلى وضع الشروحات، والمهام المطلوبة، وإجراء الاختبارات وغيرها من المهام التي قللت الوقت والجهد وأصبحت متاحة للطلبة بشكل جيد ومباشر. أضف إلى ذلك مجموعة أخرى من البرامج كبرنامج (Twiducate) وبرنامج (Explain Every Thing) ومنصة (Edmodo) التدريبية، وحين تتساءل عن سبب طرحي ذلك فسيتبين لك أني اعتزمت في بداية هذه السنة أن أقوم باستثمار خبرتي، واستحداث طريقة جديدة ضمن مهامي التدريبية للتدريب ولنشر المعرفة من خلال الاستعانة بالتقنية، وهذا فعلا ما حدث. إذ أنني أعلنت في وقت سابق عن إطلاق منصتي التدريبية للتعليم عن بعد لتقديم الورش والجلسات والحلقات النقاشية عن بعد والمتخصصة في مجال أدب الطفل واليافعين.
وفي الشأن نفسه تقول الشامسية: مع أنني ما زلت في بداية العمل على المنصة، إلا أنني استقبلت في حلقات العمل التي قمتُ ببثّها كحلقات تجريبية أكثر من (70) متدربًا خلال الشهر الأول سواء من داخل السلطنة، أو من خارجها كون المنصة والتعليم عن بعد يلغي الحواجز الجغرافية والزمانية ويتيح الحصول على المعرفة بسهولة ويسر، وتقوم المنصة باستقبال المشاركين والسماح لهم بتفعيل عضويتهم المجانية، والحصول على روابط الحلقات التي أعلن عنها، ومن خلال تتبع الرابط الذي يحمل (كود) القاعة الافتراضية التي أقوم بتوظيفها في التعلّم المتزامن، يستطيع المشارك أن يتفاعل مع المدرّب، ويعلّق، ويحصل على المادة التدريبية، ويستفيد من الميزات الأخرى الموجودة في المنصة.
كورونا والعزلة
وتقترب الدكتورة الشامسية من واقع فيروس “كورونا” وكيف قامت باستغلال المنصة التدريبية للتواصل عن بُعد مع مجموعة من الكتّاب والأدباء في السلطنة في شأن التواصل الثقافي ، فهنا تقول أن الأمر يحتاج إلى وعي واستشعار بمسؤولية الفرد كونه جزءا لا يتجزأ من منظمة أكبر ينتمي إليها، وواجبه يحتم عليه أن يشارك في سلامة هذه المنظومة وأمنها، وأعتقد أن هذه العزلة بالنظر لها من زاوية أخرى هي فرصة لتوطيد العلاقات الداخلية في المنزل، وتجديد هذه الروابط؛ إذ أصبح من الضرورة بمكان أن يعمل الوالدان بمبدأ الابتكار والإبداع لإعادة جدولة هذه العلاقات، ووضع أهداف جديدة تسهم في معالجة الفقد التعليمي والثقافي والاجتماعي مع المجتمع المحيط، وتعلّم جميع أفراد الأسرة مهارات التعامل مع الأزمات.
قالوا عن المنصة
يعرب المعمري، متخصص في مجال تكنولوجيا التعليم يشير إلى حيثيات المنصة وهنا يقول : Explai Everything ، منصة بخصائص مذهلة، تتيح لك العمل بسهولة من خلال مجموعة من الميزات ككتابة الملاحظات والشروحات واستعراض الصور ومقاطع الفيديو والملفات وتحريرها، كما يمكنك أيضًا مشاركة الأشخاص في شروحاتك هذه والقيام بدردشة صوتية معهم، تدعم المنصة الحضور المتزامن للمشاركين وتفاعلهم معك، كما يمكنك تسجيل حلقات العمل سواء كانت مخصصة في أدب الطفل أو غير ذلك مع مشاركة الفيديو مع الاخرين وبالتالي هي تدعم الحضور الغير متزامن ايضًا، ليس بالضروري أن يتواجد معك جهاز الحاسوب فالمنصة تدعم أغلب الأجهزة اللوحية والأجهزة الذكية، واحدة من أروع المنصات التي يمكن استخدامها وتوظيفها في التعليم عن بعد.
وفي الشأن ذاته تضيف شاكرة المغيرية، وهي كاتبة قصص أطفال: فكرة المنصة التدريبية فكرة رائدة، لأنها تجمع مختلف المشاركين في مكان واحد بسهولة دون وضع أي اعتبار للمسافة. بالنسبة لي أنا شخصيًا وجدت الأريحية في الانضمام والمشاركة والاستفادة خصوصًا مع تزامن التعلّم، والاستماع للمداخلات والطرح العملي للمادة التدريبية.
كما تقول رملة اللواتية، وهي حكواتية وكاتبة ولها حضور في أدب الطفل: التقينا في القاعة الافتراضية للمشاركة في الجلسة الحوارية بعنوان: “كيف أختار عنوان القصة”، كان النقاش مثريًا وتعلمنا من آراء وتجارب الزملاء الكتّاب والمهتمين في مجال أدب الطفل. كما عرضت الدكتورة وفاء قصصًا بمختلف العنوانات، والمحتوى للوقوف على كيفية اختيار العنوان الأنسب للقصة. وجهود الدكتورة سهلت لنا التواصل من خلال المنصة العلمية، مما جعلنا في استمرار مع التطور في مجال نحبه خصوصًا في ظل الظروف الراهنة.
أما الكاتبة منى الكليبية، فتتحدث عن واقع المنصة التي تقدم أعمالا متعلقة بالأطفال عن بعد في واقع العزلة التي يفرضها فيروس كورونا :تعدُّ هذه التجربة التجربة الأولى لي وأعدها تجربة رائعة جداً ومثمرة لا تقل فائدة عن الحضور الواقعي لحلقات العمل التدريبية في أدب الطفل على سبيل القول، خاصة في الوضع العالمي الذي نعيشه والذي يتطلب وقائياً التقليل من التجمعات، أضف الى ذلك مواكبة التطور التقني. تجربة حضور حلقة تدريبية عن بُعد أشعرتني أن لا حدود للعلم ولا جدران تقف عائقا أمام سعيك للمعرفة والتطوير في المجال الذي تحبّه.