Image Not Found

القرآن منهج حياة ودين قيّم

د. بتول اللواتية – الرؤية

[email protected]

يُعد القرآن الكريم إضافة لكونه كتاب الله المنزل على سيد الخلق محمد صلى الله عليه وآله وسلم فهو المنظم لحياة الإنسان اليومية وهو دستور حياة ومنهج جامع لأمور الدنيا والآخرة.

ولكونه مصدر إشعاع ونور للبشرية جمعاء وجب علينا التدبر في كتاب الله والتدبر هنا لا يعني فقط حفظه عن ظهر قلب بل معناه التمعن والتفكر لمعاني الآيات القرآنية وأحكامها والحكمة التي ارتضاها الخالق عزَّ وجلَّ من إنزالها حيث قال عز من قائل (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ على قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا)؛ الآية 24 من سورة محمد. وقال (أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللَّهِ لَوَجَدُوا فِيهِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا)؛ الآية 82 من سورة النساء. والتدبر هنا أيضًا والذي حثَّ عليه الخالق عزّ وجلّ يقتضي منِّا إعمال العقل فيه لاستنباط منظومة القيم القرآنية والتي تعتبر في الحقيقة قيماً إنسانية فطر الله الناس عليها قبل أن تتلوث تلك الفطرة بالملوثات العقدية والأخلاقية.

تعتز مجتمعاتنا اليوم بالقيم والأخلاق القويمة التي حث عليها الدين الإسلامي الحنيف وهو ما يميزها عن كثير من المجتمعات التي تتهاوى قيمها وأخلاقياتها يوماً بعد يوم بسبب الانفتاح الناتج عن عوامل عدة تداخلت وتشابكت ومهدت لخلق تحديات الغزو الثقافي والفكري المعاصر مع ما صاحبه من تأثر أبنائنا بهذه الأفكار الغريبة على مُجتمعاتنا.

إنَّ جل ما نعانيه اليوم من إفرازات الغزو الثقافي قد تم التمهيد له بوسائط وأساليب أفرزتها الثورة التكنولوجية الحديثة وتقنياتها المتسارعة حيث سهل استخدام الإنترنت ظهور (شبكات اجتماعية إلكترونية) ساهمت في رسم خارطة جديدة وبناء جديد لما يسمى بالهوية الثقافية الأصيلة للمجتمعات والتي تميز بين مجتمع وآخر، وعليه فإنَّ بروز قضايا اجتماعية على السطح لهو انعكاس لما تمَّ ذكره سابقا حيث الاغتراب الثقافي، العزلة الاجتماعية، الفكر المتطرف، العنف، الجريمة، الانحلال الخلقي وغيرها من القضايا الشائكة.

وإضافة لتأثير الشبكات الاجتماعية الإلكترونية، هناك ظاهرة أخرى قوضت وهدمت بناء المجتمعات وأثرت على أمنها واستقرارها وهي ظاهرة تنامي (الألعاب الإلكترونية) في عالمها الافتراضي وغزوها اللامتناهي لكل بيت وأسرة حيث باتت هذه الأسر تواجه جيلاً يتصف بالإدمان التقني مما ساهم في خلق مؤثرات تهدد سلوك وثقافة ووعي الأفراد.

وعليه فإنَّ التصدي لهذه الظواهر يتطلب تكاتف جهود مؤسسات المجتمع المختلفة، الدينية والإعلامية والتربوية والتعليمية والأمنية كما يتطلب حراكًا تنويرياً وتوعوياً لجميع أطياف وشرائح المجتمع وتعريفهم بخطورة استغلال هذه المواقع الإلكترونية والألعاب من أرباب الفكر المنحرف في التأثير على عقول الناشئة وجرهم إلى مستنقع العنف والجريمة والانحلال الأخلاقي والخلقي، كما يتطلب أيضًا تهيئة بيئة مناسبة لأبنائنا لتعليمهم مهارات الألفية الثالثة والتي من أهمها التواصل والتعاون والتفكير الناقد والإبداع والابتكار.

إنَّ التفكير الناقد يشكل أحد أهم المهارات التي يجب أن يتسلح بها أبناؤنا لتعينهم على اتخاذ قرارات سليمة تجاه ما يفد عليهم من مؤثرات وتقييم آثار وأضرار الغزو الفكري الموجه حيث ينتقون منه ما ينفعهم وينبذون كل ما من شأنه أن يجرهم إلى الملوثات الفكرية بمختلف أنواعها وأسبابها، وفي الحديث عن التفكير الناقد لابد لنا أن نشير إلى قضية أخرى ترتبط به ارتباطا وثيقا فحيث يوجد التفكير البناء يتم قبول ما يسمى بـ”التعايش مع الآخر” والتعايش مع الآخر معناه قبول رأي وسلوك الآخر القائم على مبدأ الاختلاف واحترام حرية الآخر وطرق تفكيره وسلوكه وآرائه السياسية والدينية، وهو بهذا يتعارض مع مفاهيم التسلط والقهر والعنف.

وأخيرًا.. نخلص إلى أنه من الأهمية بمكان تسليط الضوء على القضايا التي باتت تلامس واقعنا المعاش وحياتنا المعاصرة هادفين من خلالها إلى تحقيق أقصى درجات الأمن الفكري والاستقرار النفسي لدى أبنائنا وذلك بضرورة تبصيرهم بالمنظومة القيمية لآيات الله المضمنة في كتابه العزيز؛ حيث تعمل هذه المنظومة كمُحددات وموجهات للتعامل الإيجابي السليم مع هذه القضايا.