د علي محمد سلطان
مذ أن كنت صغيرا وهي تحملني بين ذراعيها تناغيني وتداعبني ومتى ما غشاني النعاس أمنةً كنت أستمع لهدهداتها فأغرق في نومي تحت ضؤ القمر في ليلة تمامه وكماله.
من عادة أمي أنها كانت تستيقظ قبل أن يؤذن للفجر ألماس مسعود في مسجد الصغير ( الإمام الحسن ) وخلفون الندابي في مسجد الحارة وعلي الميمني في مسجد النجارين على خط حلة الهنود في طريق الكمبار والحاج عبدالخالق محمد آل عيسى على سطح بيته في الواجهة الأخرى لسور اللواتية.
كانت التسبيحات والتحميدات والتهليلات والتكبيرات تتخالط بصنوف الأصوات المنبعثة من الحناجر مع كل صباح جديد فتوقظ النائمين على الأسطح ومع دخول أول وقتٍ للصلاة كانت أمي تستقبل القبلة والظلام يلف محرابها إلا من بصيص نور منبعث من السُرُج المضاءة في دهاليز البيت وعند عتباته فتطفيها قبل أن تُخمد ألسنتها مع نفاد زيتها.
هي ذات المسبحة المئة حصرا وعدَاً تتحرك حباتها بين أناملها وهي تسبح الله وتحمده على جزيل عطائه في كل غداةٍ ورواح ومع ساعات السحر فهي ممن تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربهم خوفا وطمعا ، عادة لازمتها ونحن يومئذ أفراخ تسكبنا بحناياها من اللثم والتقبيل فنستيقظ على أنفاسها الملآى طهرا وصدقا وهي لتوها قد تركت مصلاها ووقتذٍ لم تكن الشمس قد بزغت فنقوم مهرولين لمصلاها التي ابتلت من أدمعها الحراء وقد تنفلت لله بركعات.
كانت الصلاة على شفتها ترنيمةً وتلاوة القرآن تلهجاً ومع الأيام فإن القراءة للآيات من الذكر الحكيم قد إختفت لصعوبة القراءة بعد أن أجريت لها العملية في إحدى عينيها فغابت منها الباصرة وبقيت البصيرة فيها حية.
أمي يا من أسرجتي للصلاة في غسق الليل لاتنسينا من الدعاء وأنتِ تقفين بين يدي الله في ساعات السحر فأنتِ والصلاة على تلاقٍ ونحن نيام.