حيدر بن عبدالرضا اللواتي –
[email protected] –
بالرغم من أهمية منتدى الأعمال الخليجي الأوروبي الرابع الذي عقد بمسقط قبل عدة أيام مضت، إلا أن الحضور لم يكن متوافقا مع أهمية هذا المنتدى سواء من قبل المسؤولين في الدولة أو رجال القطاع الخاص، وخاصة ممن يتعاملون مع دول الاتحاد الأوروبي، بالرغم من أن غرفة تجارة وصناعة عمان قامت من جانبها بتوجيه مئات الدعوات لأعضائها من جميع فئات الدرجات التجارية المسجلة لديها، مع التركيز أيضا على رواد الأعمال الصغار وكذلك أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة.
لقد طرح المنتدى الكثير من القضايا التي يمكن أن تدعم العلاقات القائمة بين دول مجلس التعاون الخليجي ودول الاتحاد الأوروبي منها المتعلقة بدور التقنيات الحديثة في قطاع التعليم ودوره في توفير مهارات المستقبل، والإطار القانوني للتكنولوجيا، ودور التكنولوجيا في القطاعات اللوجستيات والصناعات التحويلية والتجارة الإلكترونية، والثورة الصناعية الرابعة التي يشهدها العالم وكيفية الاستعداد لها بجانب قطاعي الصناعة والتجارة الإلكترونية، ودور المرأة في مجال ريادة الأعمال والتقنية.
فدور التعليم كبير في إجراء تغييرات عديدة في نماذج الأعمال، وله تأثير عميق على المشهد الوظيفي خلال السنوات القادمة، بالإضافة إلى تأثيره في الأعمال والصناعات وزيادة إنتاجية الأفراد في العمل واتساع الفجوات في المهارات، الأمر الذي يحتم معرفة الموضوعات حول كيفية تغيير نظام التعليم ليشمل أحدث الاتجاهات في تطبيق بعض الأدوات التكنولوجية الحديثة، وماهية المهارات المطلوبة في المستقبل القريب للدخول في ذلك، وكيف يمكن للمعاهد التعليمية أن توفر المهارات المناسبة للقوى العاملة في المستقبل.
إن مثل هذه المنتديات تفتح الآفاق للخليجيين بتعزيز سياسة تنويع مصادر الدخل، والاستفادة من التقنيات الحديثة في إجراء المزيد من الأعمال التجارية والصناعية بين الطرفين، بالإضافة إلى تعزيز مجالات الاستثمار والتعاون مع مؤسسات القطاع الخاص الخليجي. وهذا ما أكده سعادة ميكيل تشيرفوني دورسو سفير الاتحاد الأوروبي لدى دول المجلس في كلمته بضرورة تعزيز العلاقات في المحاور السابقة. كما نوه بأهمية السلطنة باعتبارها مركزا بحريا أساسيا يمكن من خلالها ربط القارتين في آسيا وأوروبا بقارة إفريقيا التي يمثل سوقها مركزا مهما لمختلف السلع والمنتجات.
إن العلاقات التجارية بين الدول الخليجية والاتحاد الأوروبي في تنامي مستمر، وأن المستقبل يحمل الكثير من الفرص بين الطرفين إذا تم استغلالها بصورة جيدة. ومع فتح هذه العلاقات بين الطرفين وتسهيل وصول التجار ورواد الأعمال والطلاب والسياح الخليجيين خاصة من أصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة من خلال الحصول على تأشيرة «شنجن» بدون أية عراقيل ومتطلبات عديدة، فان الكثير من أصحاب المؤسسات الخليجية من المحتمل أن يتجهوا إلى أوروبا للحصول على خدمات التعليم والتقنيات الحديثة والميكنة والمعرفة الصناعية بدلاً من الحصول عليها من قارات أخرى. فحجم التبادل التجاري السلعي بين الطرفين الخليجي والأوروبي وفق ما أشار إليه سعادة المهندس أحمد حسن الذيب وكيل وزارة التجارة والصناعة في تنامي وبلغ خلال عام عام 2018م نحو 182 مليار دولار أمريكي مقارنة بـ 164.2 مليار دولار في عام 2017م وبنسبة ارتفاع بلغت 10.8%، الأمر الذي يؤكد أن المجالات التجارية مفتوحة بين الطرفين، وأن حجم هذا التجارة يمكن أن يتضاعف خلال السنوات العشر المقبلة. كما أن الدول الخليجية تسعى إلى التنويع الاقتصادي واستغلال المقومات الاقتصادية لديها، بحيث سجلت الصادرات الخليجية السلعية إلى دول الاتحاد الأوروبي خلال السنوات الماضية ارتفاعا في حجمها وقيمتها لتصل في عام 2018 11.3 مليار دولار أمريكي مقارنة بـ 9.1 مليار دولار أمريكي لعام 2017م وبنسبة زيادة قدرها 25.3%. ومن هذا المنطلق، يؤكد الجميع على ضرورة دفع العلاقات الخليجية الأوروبية إلى آفاق أوسع، وهذا الأمر يتطلب من القائمين بذل المزيد من الجهد لتذليل الصعوبات والتغلب على التحديات التي تواجه التعاون بين الطرفين.
فالمنطقة الخليجية برمتها – كما أشار إليه الوكيل- تعمل على استقطاب صناعات واعدة وذات محتوى تكنولوجي يواكب الثورة الصناعية الرابعة، في الوقت الذي أعلنت فيه دول المجلس عن ضرورة العمل في تحقيق سياسات التنويع الاقتصادي والانتقال إلى عصر يقوم على التكنولوجيا الرقمية الفائقة، واعتماد الوسائل التكنولوجية التي تعمل على تحقيق المزيد من الإنتاج والتسويق في مختلف المجالات، بجانب عملها على تطوير النظم التعليمية، والبنى التحتية التكنولوجية لتكون قادرة على الاستفادة من هذه التقنيات الحديثة.
فجميع تلك القضايا تتطلب القدرة التنافسية الجديدة من الحكومات والقطاع الخاص لإعادة تصور الاستراتيجيات ونماذج الأعمال ومبادئ التشغيل، حيث تعمل الثورة الصناعية الرابعة على ايجاد تغييرات هائلة في عالم يسعى إلى ابتكارات جديدة بسرعات هائلة. فالتكنولوجيا المحسنة أدت زيادة الإنتاجية في القطاعات الصناعية، وقللت التكاليف والأخطاء، وكان لها تأثير إيجابي في صناعات الخدمات اللوجستية كالنقل بالشاحنات والنقل الجوي والبحري، وأوجدت منافسة كبيرة في السوق العالمية. أما التكنولوجيا في قطاع الصناعة فقد نتج عنها عمليات سريعة ومرنة وأكثر كفاءة لإنتاج سلع عالية الجودة وبتكلفة منخفضة، الأمر الذي أدى إلى رفع إنتاجية الصناعات التحويلية، وتعزيز النمو الصناعي وتغيير القدرة التنافسية للشركات والمناطق الصناعية، فيما كانت التجارة الإلكترونية لها دور كبير في النمو والتواصل بين دول الاتحاد الأوروبي ودول المجلس خلال الفترة السابقة، حيث يواصل التجار عبر الإنترنت العمل في هذا المجال، الأمر الذي يوفر الفرص والتحديات الجديدة في آن واحد.
إن جميع دول المجلس عملت خلال السنوات الماضية على تحسين بيئة الأعمال وإصدار التشريعات والقوانين لجذب المزيد من الاستثمارات العالمية، ومنها السلطنة التي أصدرت مؤخرا عدة قوانين حديثة تهم استثمار رأس المالي الأجنبي وفق ما أشار إليه سعادة قيس بن محمد اليوسف رئيس مجلس إدارة غرفة تجارة وصناعة عمان في كلمته في المنتدى، مؤكداً أن هذه القوانين تمنح المستثمرين العديد من التسهيلات والمزايا، وتضمن لهم العمل في مختلف المشاريع المتخصصة ومنها مجالات التكنولوجيا ونقل المعرفة، بجانب الأثر الكبير لها في تنويع مصادر الدخل، وتوسيع وترسيخ دور القطاع الخاص في مختلف المجالات، بالإضافة إلى تسهيل إقامة المشاريع الاستثمارية وتحسين طرق الإفصاح والشفافية وسرعة إنهاء الإجراءات المتعلقة بالاستثمار.
لقد جاء تنظيم منتدى الأعمال الخليجي الأوروبي الرابع نتيجة للحوار القائم بين الاتحاد الأوروبي ودول المجلس حول التنويع الاقتصادي، وهو مشروع يموله الاتحاد الأوروبي بالتعاون مع الشركاء في المنطقة، حيث يتم من خلاله تسليط الضوء على عدة محاور منها التكنولوجيا التي ساعدت الشركات الدولية والمحلية والشركات الصغيرة والمتوسطة للتنافس في السوق العالمية. ولا شك أن المتحدثين والخبراء تناولوا المبادرات القائمة والجارية والاستثمارات المخططة في بلدانهم، وأهمية أن تتجه دول المجلس لتعزيز مجالات التعليم وخاصة التعليم من البعد لإعداد القوى العاملة المستقبلية لتكون مجهزة بشكل أفضل في التعامل مع ديناميات السوق المتغيرة، وضرورة إنشاء إطار قانوني لتنظيم التطورات التكنولوجية المتطورة باستمرار سواء في هذا القطاع أو في قطاعات أخرى، مع ضرورة التركيز على التحديات التي تواجهها أصحاب المشاريع في مجالات التقنيات الحديثة. كما أن الجميع على علم بدور المرأة في القيادة سواء لدينا في دول المجلس أو دول الاتحاد الأوروبي، الأمر الذي يؤكد وجود الحاجة إلى تأهيلها في مجالات التقنيات الحديثة، وزيادة التنوع في المؤسسات والشركات بين الجنسين. وهذا ما تمت مناقشته في ذلك المحور من أن القيادات النسائية تواجهها التحديات الأمر الذي يتطلب دعم رواد الأعمال الشابات في مجال التكنولوجيا والبرامج والموارد المتاحة للنهوض بالمرأة في المجالات التكنولوجية.
إن الأمر الجميل في مثل هذا المنتديات أنها تعطي فرصة للقادمين من خارج السلطنة بالوقوف على بعض المشاريع القائمة في البلاد من خلال تنظيم زيارات خاصة لهم لبعض المؤسسات الاقتصادية والتكنولوجية والمناطق الصناعية والمناطق الحرة، كما يعطي للزائر الأوروبي القادم لأول مرة فرصة باستكشاف المنطقة، خاصة مثل السلطنة التي تتمتع بمقومات سياحية وثقافية عديدة، الأمر الذي يتطلب تنظيم برامج سياحية للقادمين في مثل هذه المنتديات المهمة.