د علي محمد سلطان
فعندما تصاعدت ألسنة النار في حريق جبروه في إبريل من عام 1964
فإن الفضاء على مَدِّه غدا لهيبا ودخانا يَصٌعد في السماء التي تحولت إلى سواد قاتم.
مست النار كل سعف وحجر ومدر وزحفت على أطراف جبروه ولفت حواريها والتهمت البيوت ولسان حالها هل من مزيد ، وتصايحت الناس وهرعن النساء من شدة الهول والمصاب فواحدة تحمل رضيعا وأخرى تجر طفلا وثالثة تلوذ بمنقذ ، مشاهد من تراجيديا لن تعهدها مطرح من ذي قبل وزاد الأمر تعقيدا رقعة النار التي توسعت فخلقت حواجز وسواتر من الحمم التي أصبحت مانعة من إيقاف لهوات الجحيم المستعر فأصبحت فرق الإنقاذ خارجة عن مسرح الحدث عاجزة من أن تتقدم ولو بخطوة إلى الأمام وهي قد أتت من معسكر بيت الفلج من مسار خلفي ، فيما أهالي مطرح الذين بذلوا قصارى ما عندهم لم يتمكنوا من فعل شئ لقلة الوسائل المتاحة وماهي إلا هنيئات من ساعات النهار حتى غدت جبروه قاعا صفصفا تكدس عليه مخلفات الحريق الذي لم يفرق بين السكان فساوى ببن الجميع بالقسطاس المستقيم.
وأما بيوت الطين فإن النار لم تترك فسحة لأهليها فتسللت من الفُرج وتخندقت في الساحات وأحاطت بالحواري إحاطة السوار بالمعصم ففرٌ الناس على وجوههم يبحوث عن ملاذ من ملجئ أو مغارات أو ساحات مفتوحة أو أفنية مساجد.
وبعد أن أكلت النار السعوف وحرقت ما في البيوت وحولتها خرابا سكنت عند بيت السيد العالم حسين أسد الله الموسوي المجاور للمدرسة السعيدية وأناخت برحلها هنالك وقد أبى العالم أن يترك منزله والحاج قمر بن سلطان رحمه الله وتشونسي المستشار بحكومة السلطان سعيد بن تيمور رحمه الله حاولا إثناءه لكنه بقي على تصميمه.
وما أن عاد السكان أدراجهم إلى حيث دور آبائهم وأجدادهم فإن ماحيرهم هو ( المنبر) الذي إعتلاه قراء الإمام الحسين عليه السلام عبر تاريخهم في مآتم العجم فقد بقي على حالته ولم يمسه الحريق وهو الأكبر ضمن سلسلة الحرائق في مسقط ومطرح وقد أكل كل محتويات المأتم المعروف بمأتم مشهدي داود ( المأتم الباغ كما على لسان بعض المطرحيين ).
ذكر لي الشيخ محسن بن غلوم حاجي العجمي شيخ قبيلة العجم بمحافظة مسقط ورئيس لجنة الأوقاف عندهم وبما قد سمعه من عمه الشيخ داود مشهدي أن هذا الكرسي( المنبر ) عمره مائة وخمسة وثلاثون عاما.
ومتى ما زرت مأتم الإمام الحسين عليه السلام في الخوض فأول ما يشد إنتباهي هو ذلك الكرسي الجاثم بمحاذاة ركنه الشرقي وبالمراقي التي تعلو هيكله الخشبي الأخاذ وبجماليات التراث ومهارة يد الصانع الذي أبدع في هندسة أطواله ومساحاته فهو من التحف الآسرة للقلب.
أترك التعليق لذوي الدراية وأهل الإختصاص ولكل قارئ وما لديه من الفهم.