د. حيدر اللواتي – لوسيل
في بعض الدول العربية وعلى الحدود البرية لها، تجد عبارة مكتوبة خلف طاولات الضباط الذين يقومون بختم جوازات سفر القادمين والمغادرين، هذه العبارة «الرشوة تدخل السجن». وفي جميع دول العالم فإن قضايا الرشوة تتم متابعتها من قبل إدارات متخصصة في التحقيق الداخلي والخارجي والقضاء، وهي المسؤولة عن الرشوة والفساد الحكومي. ورغم ذلك تتم ممارسة هذه العادة السيئة من قبل الموظفين بسبب الفساد المستشري في الوزارات والمؤسسات والهيئات والشركات الحكومية في الدول العربية. وهذا ما يؤدي اليوم إلى التظاهر والثورات على الحكومات مثلما نرى ذلك في عدة دول عربية.
ما نثيره هنا اليوم هو الاتهام الموجه للرئيس الأمريكي دونالد ترامب فيما يتعلق بـ «رشوة» الرئيس الأوكراني من أجل اتهام منافسه جو بايدن المتقدم للرئاسة في الانتخابات المقبلة من قبل الحزب الديمقراطي، الأمر الذي أدى إلى عقد جلسات تحقيق من قبل مجلس النواب للبحث في هذا الأمر. هذه التحقيقات في حالة ثبوت تورط الرئيس ترامب، فإنها سوف تؤدي إلى عزله، أو عدم تمكنه من خوض الانتخابات المقبلة للرئاسة مرة أخرى. فطلب الرئيس الأمريكي من الرئيس الأوكراني – كما تتناوله الصحافة الأمريكية – يكمن في تحريك التحقيق مع بايدن وابنه الذي كان يعمل في شركة نفطية. ويحدث هذا الأمر لأول مرة بأن تكون الجلسة علنية وخاصة بإجراءات محاسبة ترامب. كما أن اتهام المجلس لترامب يكمن في قيامه بوقف المساعدات العسكرية الأمريكية التي تبلغ قيمتها 390 مليون دولار لدولة صديقة – أوكرانيا، من أجل الضغط على رئيسها لفتح تحقيق بتهم الفساد ضد بايدن، الذي يواجه ترامب في الانتخابات الرئاسية المقبلة التي سوف تجرى العام المقبل، في الوقت الذي ينفي فيه ترامب مخالفة القانون، ويصف محاولة فتح هذا التحقيق لعزله بأنه يأتي في إطار استهداف لشخصه.
الأمر المهم في هذا الموضوع هو أن مجلس النواب يعتقد بأن ترامب استغل سلطته ومنصبه لتحقيق مكاسب شخصية على حساب الآخرين، وهذا الموضوع يدخل في إطار «الرشوة» نتيجة لمكالمته للرئيس الأوكراني باتهام المرشح جو بايدن الذي كان ابنه هانتر يعمل في شركة نفط أوكرانية أيام الرئيس أوباما لفتح التحقيق معه، حيث إنه وفقا للنظام الأمريكي فإن القانون يمنع على المترشح طلب أي مساعدة في الانتخابات المحلية من جهة أجنبية.
المرحلة المقبلة، وفي حال إقرار بالإجراءات التي يتخذها مجلس النواب، فإن المحاكمة والمحاسبة البرلمانية سوف يقررها الكونجرس الأمريكي من خلال اتخاذ قرار بتنحية الرئيس من منصبه، وهذا الأمر يتطلب تصويت ثلثي أعضاء مجلس الشيوخ الذي يسيطر عليه حزب ترامب الجمهوري. ومثل هذه المحاكمات البرلمانية حدثت في التاريخ المعاصر لأمريكا لبعض الرؤساء الذين سبقوا ترامب في الحكم أمثال بيل كلينتون وأندرو جونسون، وريتشادر نيكسون الذي استقال. وترى رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، أن الرئيس ترامب من خلال حديثه قام بأفعال تصل إلى حد وصفها «بالرشوة» ضمن التحقيقات التي تجري في هذا الشأن، معتقدة بأن «الرشوة» في هذا الشأن تعني منح أو إيقاف المساعدات العسكرية مقابل قيام شخص بإدلاء بتصريح أو إجراء تحقيق مزيف. فهل يمكن للبرلمانات والمجلس العربية اتباع مناهج مماثلة لإبعاد الفاسدين والمرتشين عن إدارة المؤسسات؟