د. حيدر اللواتي – لوسيل
يبدو أن الفترة المقبلة سوف تشهد مزيدا من التراجعات في الأوضاع الاقتصادية الإقليمية، في إطار السيناريوهات والوضع الضبابي الذي تمر به الكثير من دول منطقة الشرق الأوسط التي تعاني من تراجع الموارد المالية، وتراجع أسعار النفط العالمية، ناهيك عن الخسائر الإنسانية والمادية الناجمة عن استمرار الحصار والحروب في المنطقة، والمساوئ الناجمة عن الخطط التي يضعها الاستكبار العالمي والصهيونية بالاستيلاء على الموارد النفطية والمالية للمنطقة.
هذه التأثيرات السلبية بدأ يعاني منها المستثمرون ورجال الأعمال وحتى الفئات الصغيرة منهم في المنطقة، فيما بدأت الأعمال وفرص العمل تتراجع، وتتزايد معدلات البطالة والباحثين عن العمل، ناهيك عن الخسائر اليومية التي تلحق بالمستثمرين في أسواق المال في المنطقة.
التقارير المالية التي تصدر عن المؤسسات الدولية تعطي صورة كئيبة عن الأوضاع الاقتصادية وأسواق المال في المنطقة. فتقرير شركة إرنست ويونغ الأخير حول الاكتتابات المقبلة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تشير إلى انخفاض كبير في قيمة صفقات الاكتتابات العامة الأولية في المنطقة وبنسبة 45.3٪ خلال الفترة الماضية. هذه الاكتتابات لم تتجاوز قيمتها في الأشهر الثلاثة الأخيرة (الربع الثالث 2019) عن 190 مليون دولار مقارنة مع نفس الفترة من العام الماضي، حيث سجلت القيمة 347.3 مليون دولار أمريكي، في الوقت الذي كان فيه معظم دول المنطقة تطرح ما بين 5 إلى 10 اكتتابات أولية في مختلف المشاريع الاقتصادية سنويا قبل تراجع أسعار النفط. ففي الربع الثالث من العام الحالي كان هناك صفقتان فقط في كل من السعودية ومصر مقابل 4 صفقات خلال نفس الفترة من العام الماضي. وهذا يؤكد عدم قدرة الشركات في المنطقة على توفير السيولة اللازمة لهذه الاكتتابات في ظل التراجع اليومي للأسعار في أسواق المال بالمنطقة.
ورغم ذلك، هناك تفاؤل بأن تشهد المنطقة حراكاً بعد هذا الهدوء في ظل المعطيات الجديدة، وتوجّه أمريكا والصين للوصول إلى صيغة جديدة تجاه الضرائب المفروضة على السلع، الأمر الذي سوف يؤدي إلى تحريك أسواق المال من جهة، والتوجه نحو طرح مزيد من الاكتتابات الأولية من جهة أخرى. ففي العام المقبل 2020 ستكون الأمور أكثر وضوحا تجاه العديد من التطورات الجيوسياسية العالمية التي تعصف بالعالم، منها العلاقات التجارية بين أمريكا والصين كأكبر اقتصادين بالعالم، وتوجهات الاتحاد الأوروبي تجاه بريطانيا ومدى التزامها بالخروج من الاتحاد، ناهيك عن الجهود التي تبذل لوقف الحرب في سوريا واليمن، وحل المشكلة الخليجية القائمة في حصار دولة قطر، وغيرها من القضايا الأخرى.
الاكتتابات الأولية التي تطرح في المنطقة يجب أن يستفيد منها الطبقة الدنيا من الناس، بجانب المستثمرين الكبار، حيث إن الفترة السابقة ألحقت بالكثير من المواطنين خسائر كبيرة نتيجة لتراجع الاستثمارات في أسواق المال. كما يفضّل العمل على تشجيع المزيد من الشركات العائلية لإدراج أسهمها في أسواق المال المحلية لتعزيز العمل بهذه الأسواق خلال الفترة المقبلة، في الوقت الذي تعمل فيه الجهات المعنية بدول مجلس التعاون الخليجي على تحديث قوانينها لجذب المستثمرين الأجانب، وتتخذ التدابير اللازمة بهدف تعزيز ثقة المستثمرين في هذه الأسواق، مع إعطاء مزيد من الفرص للتوجه نحو تأسيس المشاريع بدون تحديد رؤوس الأموال الكبيرة للتأسيس.