د. حيدر اللواتي – لوسيل
يصدر صندوق النقد الدولي كل عام تقريره السنوي عن آفاق الاقتصاد العالمي مع التركيز على كل منطقة معينة من العالم، متناولاً النمو والتطورات الاقتصادية التي تشهدها تلك الدول سواء كانت إيجابية أو سلبية، مع توقعات الصندوق بالنسبة للنمو الاقتصادي القادم لتلك الدول، والأسباب التي تدعوها إلى ضرورة المضي قدما في إجراء الإصلاحات الهيكلية لاقتصاداتها بهدف تعزيز فرص العمل وتحسين المرونة المالية لديها.
ومؤخرا أطلق الصندوق تقريره الجديد لعام 2019 لمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وأفغانستان وباكستان بمدينة دبي، حيث يتناول التقرير التطورات الاقتصادية التي شهدتها المنطقة خلال العام الحالي، مشيراً إلى تراجع حدة تأثيرات الظروف الاقتصادية العالمية المعاكسة للنمو في المنطقة بشكل ملحوظ. ويرى أن مستويات النمو في المنطقة قد بقيت منخفضة للغاية وعاجزة عن مواكبة التعداد السكاني المتزايد الذي يشكّل معضلة للعديد من الدول في المنطقة في ضوء معدلات التخصيب السنوي الكبير. وقضية الزيادة السكانية في حد ذاتها تزيد من المخاطر المرتبطة بالآفاق الاقتصادية القادمة، في الوقت الذي تعيش فيه الدول والشعوب في قلق نتيجة انعدام اليقين حول التجارة العالمية، والتوترات التجارية بين الصين والولايات المتحدة، إلى جانب إمكانية انسحاب بريطانيا من الاتحاد الأوروبي بدون اتفاقية. كما أن تقلبات أسعار النفط العالمية من جهة أخرى بجانب التوترات الجيوسياسية التي تشهدها المنطقة في مختلف القضايا السياسية والاقتصادية والاجتماعية لها تأثيرات سلبية أخرى، وخاصة على موازين الدول بالمنطقة، الأمر الذي يدفعها نحو الاقتراض والمديونية الداخلية والخارجية لتمويل العجوزات المالية. وهذه القضية تشكّل اليوم نقطة الضعف في السياسات المالية، وتتسبّب في ارتفاع معدلات الديون والعجز في الموازنات. كما تلقي بظلالها على إمكانات النمو الإقليمي في المرحلة المقبلة. ونتيجة لذلك، يحث التقرير الحكومات على تعزيز توازنها المالي بشكل عادل لحماية الفئات الفقيرة والمستضعفة في مجتمعاتها، والعمل على تسريع الإصلاحات الهيكلية التي قدمها الصندوق لتحسين السياسات الاقتصادية والاجتماعية، بما في ذلك تحسين بيئة الأعمال، وإيجاد المزيد من المرونة في مشاريع الشباب الذين يتزايد عددهم سنويا من مخرجات التعليم، بجانب تحديث الإطار التنظيمي لتحفيز الاستثمار الخاص وزيادة فرص العمل.
هذه الإصلاحات – بلا شك – سوف تساهم في وضع الدول على مسار أكثر استدامة واستعداداً للنمو خلال المرحلة المقبلة وفق اعتقاد الخبراء وواضعي السياسات المالية. كما ستساعد على تعزيز القدرات التنافسية للاقتصادات المحلية، وستعمل على جذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة التي تهدف الدول إلى استغلالها في المشاريع التي تخطط لتنفيذها خاصة في الاقتصادات غير النفطية، الأمر الذي سوف يساعد على خفض معدلات الدين العام وخدمتها.
وعلينا أن نعترف بأن العديد من دول الشرق الأوسط تعاني من قلة الشفافية والإفصاح في الأمور المالية، الأمر الذي يؤدي إلى انتشار الفساد والمحسوبية بين الموظفين في المؤسسات الحكومية. وفي جميع الحالات يجب على الدول البحث عن أي مخرج يؤدي إلى تعزيز وإعادة تنشيط الاستثمارات الأجنبية المباشرة لتتمكن من تعزيز سياساتها الاقتصادية والمالية. ورغم ذلك فإن تقارير الصندوق تلقى أحيانا من الخبراء المحليين تحذيرات بعدم الاهتمام بها، وأن نصائحه أدت إلى فشل بعض الدول في النمو والتقدم، بل خلقت لديها أوضاعا اقتصادية وسياسية واجتماعية سيئة تعاني منها الآن.