د. رضا بن مهدي بن جواد اللواتي – شرق غرب
تَسْعَى المؤسَّسات الحديثة لاستشراف المستقبل، وقراءة ما هو قادم من تطوُّر؛ سواء تدريجيًّا أو من خلال ما يُعرف بالإبداع المُدمِّر (Disruptive Innovation)؛ حيث تُحاول الدول وضع الخطط المناسبة لمواكبة التطورات المتسارعة في ميادين: العمل، والتربية والتعليم، والصحة، والاقتصاد، والصناعة والتجارة.
والسؤال المُلِح ونحن على أعتاب عشريَّة جديدة من عُمر النهضة المباركة، وعلى مشارف الإعلان عن برامج الرؤية المستقبلبية “عُمان 2040”: ما هو نظام التعليم الذي نسعى إليه حتى يستطيع الجيل القادم، والذي سيدير دفة إدارة مؤسسات الدولة، والذي يقع على عاتقه تطبيق تلك اللحظة والتأقلم مع نتائجها؟ وهل التعليم الحالي مُتوافق مع تلك الأهداف والرؤى المستقبلية؟ هل مناهجنا التعليمية تهيِّئ الطالبَ للثورة الصناعية الرابعة، وأن يكون قادرا على إدارة الاقتصاد الرقمي والثورة الصناعية القادمة وعصر الذكاء الصناعي، أم نحتاج مناهج أعمق، ومعارف أكثر مواءمةً لمتطلبات التطوُّر التقني والعلمي؟
هل رؤية عُمان 2040 ستُعالج الثغرات الكبيرة في المنظومة التعليمية الحالية حتى لا نقع في الجحر مرة أخرى، أو سنقع فريسة قائلهم في بداية القرن الفائت “إننا نحتاج إلى تدريب أحصنتنا لتكون الأسرع، وأن نطور عرباتنا التي تجرُّها الخيول، وعلينا المحافظة على النظام الحالي، ولكن بطريقة أفضل، وبإدارة أجود”، ولكن في الضفة الأخرى كان العمل جارياً على طرح أول سيارة رباعية في مصانع شركة فورد، والتي كان بوسعها أن تجتاز ثلاثين ميلاً في الساعة الواحدة، وتستطيع حمل 4 أشخاص.
طبعاً لا تُوجد حلول جاهزة ومُعلَّبة لتلك المعضلة، ولكن عِظَم المشكلة لا يعفينا من التحرُّك والتفكير في كيفية الوصول لبرامج لتطوير المنظومة التعليمية، وإيجاد حلول لمواكبة التقدم العلمي، وهذا لن يتم إلا بتطبيق القاعدة: “أعقل الناس من جمع عقول الناس إلى نفسه”؛ وذلك بإشراك المتخصِّصين وأصحاب الفكر -سواء من داخل المؤسسات الحكومية، أو من خارجها- وكذلك الاطلاع والاستفادة من تجارب الدول التي واكبت التطوُّرات العلمية في العقود الماضية؛ أمثال: سنغافورة، وماليزيا، والنرويج.
لا وقتَ لدينا كثيراً للتطوُّر؛ حيث نعيش في زمن الإرباكات العلمية المتسارعة؛ فقد نجد اقتصادنا في أحضان الشركات العملاقة من أمثال إمازون، والتي كانت السبب في انهيار أكبر المحلات وأعرقها في الولايات المتحدة وأوروبا، أو شركة آبل المتربعة على عرش التكنولوجيا والتي كانت سبباً في انهيار شركات كانت في القمَّة في التكنولوجيا؛ من أهمها: شركة نوكيا، وبلاك بيري، وسوني…وغيرها، وهذه الأمثلة ماثلة أمامنا.
إذا كانت مُؤسَّساتنا لم تعالج مخلفات العقود الماضية -الى الآن- في ضبط الإدارات غير الفعالة، ولم تستطع مواكبة التطورات المتلاحقة في العقود الماضية؛ فهل إلى سبيل من مواكبة القادم من أنظمة الذكاء الصناعي، أو استخدام الأدوية والمعالجات المبنية على البيولوجيا التقنية، أو تبني مخرجات الثورة الصناعية الرابعة؟ وهل يمكننا بالعقول التي درست على السبور وبالطباشير ولم تقرأ كتاباً واحدًا منذ عقود أن تُدير الاقتصاد الرقمي؟ إنَّ وضع عجلة الاقتصاد على نظام الوضع التلقائي الأوتوماتيكي (Auto Mode)، ورمي المشكلات تحت السجاد، حتما لا يحل المشكلة، بل نحتاج إلى إدارات فعالة لمواجهة التحديات المختلفة، ولا يظن أحدٌ أنَّ التحديات القادمة أو الأزمات المستقبلية ستكون أقل تأثيراً أو أقل شراسة من أزمات الماضي.
يُعلِّق إلون مسك -مؤسِّس شركة تسلا الكهربائية- على تكنولوجيا الذكاء الصناعي بقوله: إنَّ البشرية لم تعرف في تاريخها هذا التقدم الهائل، ولن نستطيع مواكبة هذه التطورات المتسارعة بالخطوات البطيئة؛ بهذا نحن نخلق نهاياتنا بأنفسنا. هذا التصريح هو جرس إنذار من رجل يعيش التكنولوجيا ويتنفسها، وهو يعي ما يقوله؛ حيث إن إبداعاته في مجال التكنولوجيا أعادت الكثير من المؤسسات للتفكير في إستراتجياتها وطريقة عملها. إذن؛ المخاطر كبيرة، والمستقبل يحمل الكثير من التحديات، وفي موازاة ذلك يحمل الكثير من الفرض للتقدم ومواكبة العصر، ولكن الحظ يقع على من يستطيع أن يتحمله.
نُبارك للشعب العُماني العيد الوطني التاسع والأربعين المجيد، ولجلالته الصحة والسلامة والعمر المديد.