عديلة مال الله اللواتية – شرق غرب
كثيرةٌ هي الحالات التي أضحَى فيها الحبُّ بعد الزواج سهلاً مُمتنعاً، في هذا الزمن الصَّعب.. فلا تمضي فترة وجيزة على الزواج إلا وقد برزت الاختلافات على السطح، واتخذت صورة خلافات ونرفزات ونزاعات وعناد وتكابر.. ثم تطورات سلبية لا تحمد عقباها. وفي حالات كثيرة يكون الطلاق هو الفيصل. وبات هذا الأمر يشكل ظاهرة مجتمعية خطيرة تشمل كافة طبقات المجتمع، وتلقي بتبعاتها على النفوس من اضطراب وحزن وانكسار وخسائر.. إلخ.
وتَكُون مُعَاناة المرأة أكبر بلا شك مقارنةً بالرجل.. أما الطفل الذي ينتجه هذا الزواج، فهو الضحية الأكبر؛ بحكم عمره اليافع، وقلبه اليانع الذي لا يفقه من الحياة إلا الحضن المشترك لأبويه، ودفء الأسرة العاطفي الذي هو الأساس لنموه الجسمي والعقلي والنفسي السليم. فإذا به مشتتٌ منذهلٌ للحدث، ويقصر عقله الصغير عن شرح معاناته، وقد يخرج إلى المجتمع بشخصية معقدة تؤثر سلباً في محيطها.
إنَّ جيل الشباب اليوم يختلف في قناعاته وتوجهاته عمن سبقه قبل العشرين سنة الماضية.. وكثيرةٌ هي الأسباب لهذا التغير؛ منها: العولمة والانفتاح وثورة وسائل الاتصال والتواصل، وتغير نمط الاستهلاك…وغيرها، ومع زحمة الحياة قل الصبر والاحتمال.
هُنَاك ثمَّة “مفاهيم” مهمة في الشؤون الزوجية، غائبة، يجب أن يدركها كلا الطرفين المقبلين على الزواج من أجل أنجاحه.. فالحياة الزوجية مليئة بالمواقف اليومية والعقبات التي تتطلب الدراية والحكمة لإدارتها وتسييرها بعيداً عن التخبط والعشوائية، والواقع المعاش يصور حياة الكثير من المتزوجين وكأنها ساحة للنزاعات، يقوي فيها كل طرف شوكته ليحرز الفوز على خصمه. بينما الزواج في أصله هو شراكةٌ تقوم على عقد وميثاق مقدس يصونه الطرفان تحت راية الحب والتعاون والصبر والتسامح والتكامل.
وهَذَا يعدُّ بحد ذاته اليوم فنا وعلمًا؛ تتم دراسته من أجل التأهل للبطولة فيه، لكي يبحر مركب الزواج في أمن ووئام. وعليه؛ فقد بات من اللازم على كل من الخطيبين أن يشرعا في تأهيل نفسيهما لفهم العالم الجديد الذي يجهلان عنه الكثير.
والوَسَائل لذلك كثيرة؛ منها: حضور الدورات الخاصة عن الحياة الزوجية، أو قراءة الكتب الخاصة بذلك، أو مشاهدة مقاطع فيديو تتحدث عن فنون التعامل الزوجي، أو الاستشارات الخاصة عند الإخصائيين. ولا شك أن هذه الوسائل ستفتح العقول والقلوب على قواعد وأدوات عملية لبناء حياة زوجية مستقرة. ومن المفاتيح التي يتعلمها المتأهل للزواج هي:
1- كيف يفهم كل من الزوجين حقوقه وواجباته ومسؤولياته.
2- فهم سيكولوجية الرجل والمرأة والاختلافات بينهما، وما ينتج عن ذلك من اختلاف منهجية التفكير والكلام؛ ليتم على أساسها التفاهم والحوار واتخاذ القرارات.
3- معرفة أنماط الشخصيات؛ لفهم نمط شخصية الشريك وطريقة التعامل معه.
4- تعلم فن “التقبل” للشريك وفقاً لبيئته وطباعه وقناعاته.
5- فهم معاني “التقدير والاحترام” بين الزوجين وتفاصيلها؛ فلا يتخذ أحدهما نفسه محوراً ويلزم الآخر أن يدور حوله كما يريده هو.
6- معرفة طبيعة الاحتياجات (النفسية والعاطفية) للشريك، واختلاف ذلك بين الرجل والمرأة.
7- تعلم فن “إدارة الخلافات” واحتوائها بدلاً من تصعيدها. وهناك إضاءات أخرى كثيرة تتضمنها تلك البرامج.
كَم أتمنى أن يولي أعزاؤنا الشباب والفتيات جل الاهتمام بهذا الموضوع الجوهري. بل ليته يغدو شرطاً لازماً لإتمام عقد الزواج، شأنه شأن الشهادة الدراسية العلمية التي تؤهل للوظيفة الملائمة والإتقان فيها.
فقد انخفضت نسب الطلاق في إحدى الدول الآسيوية عند تطبيقها ذلك بفرض القانون؛ فلا يتم عقد الزواج إلا بشهادة اجتياز دورة في فن التعامل الزوجي.
هذه الوسائل ترسم خارطة طريق للمعالم والخطوات العلمية والعملية للرشد الزوجي. بل هي -في رأيي- من أعظم استثمارات الحياة، ودونها تأتي بقية المشاريع الأخرى.. وحريٌ بطالب الزواج أن يتعلمها ليمضي في دروب زوجية آمنة.