د. سلوى بنت عبدالأمير بن سلطان – شرق غرب
يتكوَّن الإنسانُ من جسم وروح، وأمرنا الإسلام بأنْ نهتم بصحتنا الجسمية والنفسية، جنبًا إلى جنب مع اهتمامنا بأرواحنا وقلوبنا. ووفقًا لهذا المبدأ، علينا أنْ نهتم بإشباع أطفالنا عاطفيا، بقدر اهتمامنا بهم صحيا، وإشباع الطفل عاطفيا ونفسيا لا يقل عن حاجته للغذاء.
ومن عوامل توفير الحياة السعيدة للطفل: استقرار الحياة الزوجية والأسرية، وترعرُع الطفل في حضن أبَويْه، مستشعرًا دفء الأسرة، وحُنو الأب، وحنان الأم وحضنها، ويعدُّ حب الأطفال من الأعمال العبادية؛ لما للحب من تأثير نفسي في رعاية الطفل وحمايته، فضلًا عن كونه تعبيرًا صادقًا عن إنسانية الإنسان.
ويقول الشاعر الحطان بن المُعَلى الطائي:
وإنما أولادنا بيننا
أكبادنا تمشي على الأرض
لو هبت الريح على بعضهم
لامْتَنَعتْ عيْني مِن الغَمْضِ
فالأطفال الذين يُحرمون من العطف والحنان، يُعانون عاجلًا أم آجلًا من الأمراض النفسية والاجتماعية. وقد يتعرَّضون إلى إيذاء من المجتمع؛ بسبب جوِّ الأسرة المشحون بالتوتر والجدال والنقد، والتفكُّك الأسري، ويبدأون الشعور بالقلق وعدم الأمان، فيلجأون إلى آخرين بحثًا عن العطف، وقد يقعُون في براثن المنحرفين والمخادعين. ويتعرَّضون للعنف، والعقاب الجسدي، والتحرش الجنسي.
والتحرُّش الجنسي ضد الأطفال جريمة خطيرة منتشرة في المجتمعات المختلفة، ولا تُوجد لها إحصائيات دقيقة؛ بسبب تكتم المتحرَّش به لخوفه من التهديد والترويع الذي يلقاه من المتحرِّش، وشعوره بالخزي لهذه التجربة المريرة التي مر بها، وقد يخاف ويشعر بالذنب، ولا يعرف بأنه ضحية. وما يزيد المشكلة صمت الأهل لخوفهم من الفضيحة، خاصة عندما تربط علاقة نسب بين الطفل والمعتدَى عليه، ومن ثم الرغبة في حماية المعتدي من الفضيحة أو الملاحقة القضائية.
ويعرف التحرش الجنسي بأنه سلوكٌ جنسي غير مرغوب به؛ يشعر فيه الشخص المتحرَّش به بالإهانة والإذلال، وبتعرض لإثارة جنسية من أشخاص آخرين، وتختلف أشكال التحرش الجنسي؛ فمنها ما يكون بالقول، عن طريق إسماع الطفل كلامًا غير مرغوب به، أو التحرش البصري، ويكون عن طريق التحديق، وإطالة النظر للأعضاء الجنسية للطفل، أو بالفعل مثل: التحرش باللمس؛ عن طريق ملامسة جسد الطفل بطريقة غير لائقة، أو تعمُّد الاحتكاك به، أو احتضانه، أو لمس أعضائه التناسلية، وهذه الأفعال تدفعُ الطفل إلى الخوف، وتؤثر في حياته النفسية تأثيرًا سيئًا، قد يُلازمه مدى الحياة.
وقد يحدُث التحرش الجنسي للأطفال في أي مكان؛ مثل: المدرسة، والساحات العامة، وأماكن التجمعات، وفي مواصلات النقل العامة والخاصة، والمجمعات التجارية، وفي البيت أيضًا من بعض الأقارب.
وتتعدَّد الأسباب التي تسهم في زيادة وجود المتحرشين في المجتمع؛ مثل: وجود أشخاص مُعادين للمجتمع، وهؤلاء هم المرضى النفسيين (السيْكوباثيين)، أو الأشخاص الذين ينضمون لمجموعات رفقاء السوء من الذين يشربون الخمور، ويتعاطون المخدرات، أو الذين تعرَّضوا بأنفسهم للعنف أو الاعتداء الجنسي في أثناء الطفولة. كما أنَّ النظرة التقليدية في المجتمع التي تفضل الرجل عن المرأة، وتعطيه الأفضلية، وغياب القوانين الرادعة وسلطة القانون تسهم في انتشاره.
ويعدُّ التفكك الأسري وفقدان الحنان وقسوة الوالدين وتسلطهما، وضعف الوازع الديني والأخلاقي داخل الأسرة، وضعف رقابة الأهل لأطفالهم، وانتشار الجهل والنقص في التعليم، وقلة الوعي الثقافي والتربوي منذ الصغر، كما أنَّ ضَعف الوعي بالمعلومات المتعلقة بالحياة الجنسية يُسهم في تفاقم المشكلة، وخجل بعض الآباء والأمهات من الردِّ عن تساؤلات الأبناء المتعلقة بالحياة الجنسية بحُجة أنَّ ذلك عيب، ولا بد من التستُّر عليها؛ فثقافة العيب لدينا تختلط بثقافة الحياء؛ لذلك فإنَّ غالبية أطفالنا يخافون من الشكوى؛ خشية عقاب الأهل لهم، فلو ربَّى الوالدان الطفلَ في بيئة تعطيه الحرية مع التوعية والتربية الدينية والجنسية بأسلوب علمي وهادف وبعيد عن العشوائية، وامتنعا عن تربيته على الحرمان والكبت، لحميا ابنهما من البحث عن غير المرغوب فيه.
ويعدُّ أسلوب التنشئة الأسرية القائم على الإهمال أو القسوة من الأسباب التي تجعل الطفل أكثر عُرضة للاعتداء بمختلف أشكاله، ناهيك عن التدليل والحماية الزائدة التي قد تعرضه للخطر، فقد جاء في المثل الصيني: “للدلال ضحايا أكثر من ضحايا السيوف”؛ لذا تحكَّموا بمشاعركم أثناء تربية الطفل.
كما أنَّ قلة وجود الوالدين مع أطفالهما، وانشغالهما بالعمل وأمورهما الخاصة، واعتمادهما على العاملة في البيت، وتسليمها مسؤولية تربية الأولاد، أو ضعف رقابة الأسرة أو المدرسة، يزيد من تفاقم المشكلة.
.. إنَّ البيئة الخارجية تؤثر تأثيرًا كبيرًا في سلوك الأطفال؛ لذلك لا بد للوالدين أن يقُوما بتوجيه أطفالهما، وإرشادهم إلى اختيار الصحبة الحسنة؛ حيث إن تأثير الأصحاب في المدرسة، يفوق تأثير الوالدين، فرفقة السوء تجر إلى الانحراف والرذيلة.
كما أنَّ الإعلام وما يعرضه منسموم تقتحم البيوت دون استئذان عبر شاشة التلفاز، أو الشبكة العنكبوتية، أو الهواتف النقالة التي نوفرها لصغار السن، من غير أن نخشى على تعرضهم لما لا يُحْمَدُ عُقْبَاهُ، فهم يشاهدون المقاطع الفاضحة في كل مكان، فالمجتمع مليء بهذه المواد، وأصبحت في متناول الصغير قبل الكبير، وعقولهم الصغيرة لا تستوعب حرمة ما يشاهدون.
ولكي نحمي أطفالنا من التحرش الجنسي، علينا أن نعمل حسب الحكمة التي رددها آباؤنا وأجدادنا: “الوقاية خير من العلاج”؛ حيث أصبح من المستحيل أنْ يستطيع الوالدان حماية أطفالهما طوال الوقت، ومصاحبتهما في مختلف الأماكن؛ لذا يصبح لزامًا عليهما أنْ يعملا على تعريفهم وتوعيتهم بشأن ظاهرة التحرش الجنسي؛ وذلك بطريقة منهجية غير عشوائية، حتى يتفاديا إصابة أطفالهما بعقدة تجاه الجنس الآخر حين يكبرون.
وتعدُّ التربية المدخلَ الأساسَ لصناعة الإنسان وتربيته، بل هي أعقد الصناعات وأخطرها وأدقها، ولحماية الطفل من التحرش الجنسي، على الوالدين أن يَعْلَمَا أن الطفل الأكثر عرضة للتحرش، ويسهل إيذاؤه هو الذي لا يعلم شيئًا عن التربية الجنسية؛ لذلك فإنه من الضروري حمايته من التحرش الجنسي وتعليمه طرق وقايته من الاعتداء.
ولكلِّ مرحلة عمرية من مراحل عمر الإنسان خصوصياتها ومُتطلباتها؛ وبالتالي يجب التعامل معها بأسلوب خاص، والمعروف أنَّ الغريزة الجنسية تكون نائمة في مرحلة الطفولة الأولى؛ لذا فمن غير المنطقي أو المفيد إيقاظ غريزة الطفل في هذه المرحلة، أو إشغال تفكيره بما لا يفهم عنه كثيرًا، ولا يجد إلحاحًا ذاتيا وجسديا يضغط عليه، ويدفعه للخوض فيه، أو الإلمام به.
وتستدعِي تربية الطفل اتباع أسلوب التدرج والتأني بما يتناسب مع عقله ومرحلته العمرية، ويوازن بين ميوله ورغباته ومتطلبات التربية، ولكي يحمي الوالدان ابنهما من التحرش الجنسي، لا بد أنْ يقوما بتربيته وتعليمه عندما يبلغ السنتين من العمر، وفي هذه السن على الأم أنْ تبدأ بتعريف الطفل أجزاء الجسد؛ فتبدأ بتعريفه أجزاء الوجه، وعندما يحفظها وينطقها بلغته، تعرفه باقي أجزاء جسمه.
وعندما يلتحِق الطفل بالروضة، على الأم أنْ تشجِّعه على الحديث معها، عن علاقته مع زملائه، وعن معلميه وطريقة حبهم له، لا تُشعره بأنها تريد أن تفهمه شيئًا محددًا، لأن الطفل ذكي، وربما يخاف عند شعور الأم بالقلق عليه، وعليها أن تبنيِ ثقة طفلها بنفسه، بألا تقوم بإلقاء اللوم عليه، وتخبره بأنها تحبه، وتعبر عن حبها له بالطرق التي تلائمه؛ سواء بتقديم الهدايا، أو حضنه أو تقبيله ومداعبته، وتخصيص وقت يومي للحديث معه، بعيدًا عن مواقع التواصل الاجتماعي، ومن دون أنْ يشغلها عنه شيء، عليها أنْ تعلِّم الطفل كيف يتحدث مع الغرباء؛ لأنه في هذه السن لا يعرف ما الذي يجب عليه عمله، أو الحديث مع الكبار.
وعندما يبلغ الطفل الخامسة من عمره، عليها ألا تنْحرج من شرح أجزاء الجسد وتعريفه عليها، والتحدث معه عن خصوصيتها واختلافها، وتعلمه طرق الاحتضان والتقبيل، وتقوم باحتضانه، وتخبره ألا يقبل من الجميع احتضانه بهذه الطريقة، وإن الاحتضان له طرق مختلفة، وألا يقبل من الجميع تقبيله، كما تقبله هي وأبوه.. علِّميه أن المناطق الحساسة ممنوع أن يلمسها أو يقترب منها أي شخص؛ سواء كان غريبًا أو قريبًا، ولا داعي أنْ تتحدثي معه في هذه الفترة عن التحرش.
على الأم أنْ تشجع ابنها على تغيير ملابسه في غرفته الخاصة والباب مغلق، وتنبهه بأنها وأباه يفعلان ذلك دائمًا، وهذا ما يسمى بأسلوب التربية بالسلوك، الذي يكون أبلغ أثرًا من أسلوب التربية بالوعظ المجرد، وشجعيه على غلق باب الحمام عند قضاء الحاجة، وشجعيه على الاستحمام بمفرده، وألا يقبل أن يرى أحد جسده، أو يلمسه، أو يساعده في الاستحمام إلا أبواه.
وإذا بلغ الأطفال مرحلة التمييز (بين سن السادسة والسابعة)، وهي المرحلة التي يميز فيها الطفل الحسن من القبيح ويفهم ما يفهم الكبار، أنْ يتم إرشادهم في هذه المرحلة وما بعدها، إلى الابتعاد عن الملامسة الجسدية؛ مثل: العناق والتقبيل؛ لأن هذا السلوك يُسهم في إيقاظ الغرائز وتعويدهم على هذا السلوك، وقد يصعُب بعد ذلك إقناعهم بتركها. وعليها أنْ تتابع أخباره، وتخلق حوارا معه.
وعندما يكبُر الطفل ويصل سن السادسة، يبدأ بسؤال الوالدين كيف جاء إلى الدنيا وما الطريقة، ولن يقنتع بإجابات غير منطقية بالنسبة له؛ لذا من المهم على الوالدين معرفة كيف الإجابة عن أسئلة الطفل المحرجة، وعدم تجاهل أسئلته في مرحلة الطفولة الأولى مهما كانت محرجة، كما هو من الأولى أنه لا يجوز تجاهله وتضليله وإمداده بأجوبة كاذبة، بل الإجابة عن أسئلته بطريقة تتناسب مع عمره العقلي، وتراعي إدراكه ووعْيه وفهمه، بحيث لا تولِّد لديه إيقاظ الحس الغرائزي قبل أوانه.
ولم يسلم الأطفال من الاعتداء الجنسي عليهم، ولم يعد التحرش متوقفا على عمر أو نوع معين، فكلا الجنسيْن معرضان للاعتداء في أية لحظة؛ لهذا لم تعد التربية مهمة سهلة في هذا العصر، وأصبحت توعية الطفل لحماية نفسه مهمة يواجهها الآباء، وأصبح من الضروري على الآباء تعليم الطفل احترام خصوصيته، وتعريفه بطرق حماية نفسه من التحرش الجنسي، حتى يستطيع أن يحمي نفسه ذاتيا من التحرش. وعلى الوالدين تعليم الطفل أنه لا يصح أنْ يركب السيارة مع أشخاص غرباء، وإذا ركب في السيارة الخاصة بالأسرة أو حافلة المدرسة، فعليه أن يجلس بعيدًا عن السائق، وأنْ يقوم إذا جلس بالقرب منه شخص غريب في الأماكن العامة، وحاول أنْ يمد يده عليه، وألا يقبل الهدايا من أشخاص غرباء، وألا يصعد في المصعد بمفرده، إلا ويكون أحدًا من أهله معه.
وفي سن العشر سنوات، يكون الطفل قد كوَّن معارف مختلفة، ولديه خبرة في اللعب والجري، ويكون قد اختلط بعدد من الناس؛ لهذا يكون التعامل معه بشكل أكثر نُضجًا من المرحلة السابقة، فعلى الأم أنْ تشارك الأب ليتولى المسؤولية معها، ويعلمان الطفل أنه إذا طلب منه شخص غريب أنٍ يقوم بتصرف سيئ أنْ يخرج بسرعة، أو يدفعه بكل ما أوتي من قوة، أو يصرخ بصوت عالٍ حتى يسمعه الآخرون، ويعلماه رياضة الدفاع عن النفس؛ حتى يتعلم كيف يحمي نفسه من التحرش الجنسي. بأقل الحركات البسيطة. ويخبرانه أن عليه اختيار التصرف الصحيح عند التعرض لموقف مسيء، حتى لا يحدث له شيء مكروه، ولا يتعرض للخجل أو الإيذاء؛ لأن الشخص المعتدِي جبان لن يقدر على فعل شيء.
.. إنَّ التربية الجنسية تُساعد الصغار والمراهقين على معرفة أجسادهم، والتغيرات التي يختبرونها؛ وبالتالي يدركون أن أي خطوة غير آمنة تجاههم، أو أي ملامسة غريبة تشعرهم بعدم الراحة، وأن ما يحصل لهم خطأ؛ وبذلك يستطيعون مواجهة المعتدي أو المتحرش، لمعرفتهم بأن الآخر تخطى حدوده.
وقد دعا الإسلام إلى فصل الأخوة والأخوات في المضاجع من سن العاشرة، وهي السِّن التي تبدأ فيها ملامح التفتح الغريزي، لا سيما عند الإناث، وحثنا على تعليمهم بعض الآداب مثل الاستئذان، خاصة في الأوقات التي يختلي فيها الزوجان، ويكونان في حالة غير ملائمة لدخول الآخرين عليهما، وقد أشار القرآن الكريم إلى ثلاثة أوقات من هذا القبيل، وقد عبر عنها بالعورات؛ حيث جاء في سورة النور (الآية:58) قوله تعالى: “يأيها الذين ءامنوا ليَستئْذنكم الذين ملكت أيْمانكم والذين لم يبلغوا الحلم منكم ثلاث مراتٍ من قبل صلاة الفجر وحين تضعون ثيابَكم من الظهيرة ومنْ بعدِ صلاة العشاء ثلاث عوراتٍ لكم ليس عليكم ولا عليهم جناحٌ بعدهن طوافون عليكم بعضكم على بعض كذلك يبين الله لكم الآيات والله عليمٌ حكيمٌ”.
وإذا شارف الطفل، ودخل في سن المراهقة، وأخذت الغريزة والحواس الجنسية بالتفتح، وظهرت عليه التغيرات الجسدية المعروفة، يُفرض على الآباء والأمهات توجيهه بدقة بالغة، وتفسير بعض التغيرات الطارئة على جسمه، فعدم توعية الطفل بنموه الجسدي وتطوره، يجعله فريسة للمعلومات الخاطئة المشوَّشة التي قد يسمعها من الآخرين، وقد يعرضه للاستغلال والتعرض له بالأذى، ولا بد من توجيه الأطفال وتربيتهم جنسيا، سواء من قِبَل الأهل أم المربين، بعيدًا عن أجواء الإثارة، فإن العناية بالجانب الأخلاقي لدى الأطفال من وظائف الوالدين. وقد يتساءل الوالدان: كيف يُمكننا أن نعرف ما إذا كان ابننا قد تعرض للتحرش الجنسي؟
هناك بعض العلامات التي تظهر على الطفل الذي يتعرض للتحرش، وعلى الوالدين الانتباه لها؛ فلن يخفى شيء على الآباء معرفته بالنسبة للأبناء، ما داما مهتميْن بأولادهما.
قد يُلاحظ الوالدان أنَّ شخصَا بعيْنه يختلط بطفلهم في أوقات كثيرة، ويصرُّ على التواجد معه بمفرده بعيدًا عن أصدقائه لساعات طويلة، دون أنْ يقوم بفعل شيء هادف ومشترك بينهما، ويتحدث معه بأسلوب غير لائق، ويتلفظ بعبارات جنسية، أو يمزح معه مزحًا سخيفًا عن أعضائه التناسلية، أو يتكلم معه كلامًا يبدو أكبر من عمره، أو يطيل النظر إلى أعضائه أو يلمسها، أو قد يلاحظان خوف طفلهما منه بشكل مَرَضِي، وهذا بحد ذاته يبين أن الشخص يحاول إيذاء طفلهما.
وقد يُلاحظ الوالدان أنَّ تصرفات ابنهما غير مفهومة، وأنه ينطق بعبارات غريبة. وسيجدانه أعنف وأكثر عدائية في هذه الفترة، وإذا قاما باحتضانه أو لمسه سيبتعِد عنهما وربما يضربهما. إذا سألاه عن تصرفاته الغريبة المتعلقة بالتحرش أو إذا كان أحد قد لمسه، وسيجدانه خائفًا ووجهه محمر، وسيلاحظان عدم إقباله على الأنشطة التي كان يقوم بها من قبل، وتظهر عليه صعوبات في النوم، والاستيقاظ من النوم، ويكون منزعجًا وخائفًا في كل ليلة، ويتقلب مزاجه، وتتغير حالته النفسية من الضحك إلى البكاء والعزلة والرغبة في الجلوس بمفرده.
ويُمكن للوالدين معرفة ما إذا كان ابنهم قد تعرض للتحرش، عندما يلاحظان ظُهور علامات التوتر والقلق؛ مثل: قضم الأظافر المستمر؛ حيث إنها وسيلة سهلة للهروب من القلق، والقيام برسم رسومات ذات طابع جنسي، أو التبول والتبرز اللاإرادي، وصعوبة المشي والجلوس والحركة والقيام بالنشاطات المختلفة، أو الإصابة بأحد الأمراض التناسلية أو الجنسية. أو رؤية خدوش وجروح ورضوض على جسمه.
وإذا تعرض الطفل لتحرش جنسي، فعلى الوالدين التعامل معه بهدوء؛ لأنَّ التحرش يحدث غالبًا تحت التهديد، وأول ما يقوم به الوالدان العمل على طَمأنة الطفل، ومعرفة سبب ظهور العلامات على جسده، والاستماع إليه يُعَد الحل المثالي، وإذا كان الطفل يُعاني من العزلة، ويرفض الذهاب إلى المدرسة أو النادي، كما لا يريد التحدث مع الوالدين، فعليهما أنْ يتكلما معه ويتفهما مشكلته، ويمكنهما الاستعانة بطبيب نفسي، إذ إن التحرش الجنسي يترك آثارًا نفسية على الطفل؛ فقد يفقد الثقة في نفسه وفي أسرته والمجتمع؛ لأنه لم يُنصفه وهو المظلوم المعتدى عليه، وقد يشعر بالذنب لاعتقاده بأنه شريك مع الجاني في جريمته بشكل أو آخر، وقد يسلط الطفل سلوك الجاني بالاعتداء على الآخرين انتقامًا من المجتمع، وفي كل الأحوال يجب عدم معاقبته؛ لأنه كان في حالة التهديد أو التعرض للرشوة؛ فهو غير مدرك مائة بالمائة نتيجة هذه التصرفات. عليهما أنْ يحتضناه ويخبرانه بأنهما لن يؤذياه.
وعلى الوالدين ألا يتساهلا مع المتحرش، ولا يدعانه من غير أن ينال عقابه، حتى يكون عِبرة لكل من تُسِّول له نفسه استغلال براءة الأطفال، فالتكتم يعطي الجاني فرصة لمعاودة فعلته مع أطفال آخرين، ومن المهم أن يعرضا الطفل للطبيب، ومحاولة التخفيف عنه هذه المأساة بتجنب الضغط عليه في الحديث، وألا يشعرا طفلهما بأنهما خائفان. وسيرتاح طفلهما إذا علم أن المتحرش سيأخذ عقابًا شديدًا ومماثلًا لفعلته.
وعلى الأهل العمل على تحصين الطفل والمراهق داخليا وروحيا، وحمايته من الانحراف مع كل أجواء الانحراف، فإذا امتلك الطفل والمراهق الحصانة الذاتية، فلن يُخْشَى عليه بعد ذلك من تلوث المجتمع ومفاسده، وعلى المجتمع المدني والمؤسسي العمل على تضافر الجهود والوقوف بجانب الأهل والمدرسة، في توفير الرعاية للأطفال والمراهقين، خاصة الفتيات، فضلًا عن دور الجمعيات المعنية بالتوعية والحماية. ورفع شعار: لا للنظر، ولا للكلام، ولا للأفعال.
ومن المبادرات المتميزة: ما قامت به وزارة تنمية المجتمع في دولة الإمارات العربية المتحدة؛ حيث أصدرتْ سلسلة من القصص الاجتماعية، تتكون من خمس عشرة قصة، لتوعية الأطفال بكيفية التصرف ووقاية أنفسهم من التحرش الجنسي، بطريقة مناسبة لسنهم وإدراكهم.
المراجع
الإسلامي، 2005 م.
- وزارة تنمية المجتمع، سلسلة القصص الاجتماعيّة، روحي مروح عبدات، دولة الإمارات العربيّة المتّحدة : 2008 م.
- حقوق الطّفل في الإسلام، الشّيخ حسين الخشن، بيروت : دار الملاك، 2009 م.