د. حيدر اللواتي – لوسيل
هل أجهزة الاتصالات الحديثة غيرّت من بعض عاداتنا وتقاليدنا وتقاربنا؟ الشركات المعنية مستمرة في القيام بإجراء الدراسات التي تهم مختلف الجوانب التي تهم التواصل والناس وتلك الأجهزة والمواقف الاجتماعية لهم.
فقد أشارت إحدى الدراسات قبل عدة أشهر مضت بإحدى الدول الخليجية حول سلوك الناس والأجهزة أن 90% من الذين تم استطلاع آرائهم يقومون باستخدام أجهزتهم المحمولة من أجل التظاهر بأنهم مشغولون في أمر ما، خاصة عندما تنعدم لديهم الرغبة في التحدث إلى أشخاص ممن يقفون بقربهم والابتعاد عن الخوض في أي حديث معهم. وهذا ما يراه الشخص في بعض الأماكن الخاصة كالمطاعم والمطارات وغيرها بحيث يتصفح في جهازه ليبقى مشغولا لحين يصل الشخص الآخر الذي ينتظره سواء من العائلة أو من الصحبة. كما أن هذه الأجهزة المحمولة تستخدم كأداة «الملهاة» للمتصفحين حتى يتجنب الحديث مع الآخرين، في الوقت الذي لم تكن مثل هذه الحالات معروفة لدى الناس قبل استخدام تلك الأجهزة. فالدراسة تشير إلى أن 41% ممن جرى الاستفتاء معهم يقرون أنهم يستخدمونها من أجل تمضية الوقت وأن 34% يستخدمونها من أجل الملهاة بحيث يبتعدون عن الحديث مع الآخرين.
كما شملت الدراسة جوانب أخرى من الحياة الاجتماعية وتلك الأجهزة المحمولة مشيرة إلى أن الناس أصبحوا اليوم يبتعدون عن التحدث مع الآخرين مباشرة، وإنما يحدث ذلك من خلال الرسائل الإلكترونية لطلب بعض الخدمات لحجز تذكرة السفر أو طاولة الأكل في المطاعم أو لطلب سيارة للأجرة أو طلب أي وجبة وغيرها من الخدمات الأخرى. وبالتالي يحصل هذا التخاطب بين الناس دون أن يعرفوا بعضهم البعض، فالتطبيقات الذكية سهلت مهام الناس في هذه الشؤون، بحيث أبعدت الناس عن التواصل المباشر مع الآخرين المحيطين حولهم. ومن هنا ترى البعض يصاب بالقلق والضجر في حالة توقف أجهزتهم أو حصول أي أمر يقلّل من وصول المعلومات بصورة انسيابية لديهم. وهذا القلق يبدو أيضا على الناس المسافرين من دولة تتمتع بخدمات إلكترونية قوية إلى دولة تشتغل فيها تلك الأجهرة بصورة صعبة، الأمر الذي يؤدي بهم إلى عدم الراحة والانتظار لساعات للحصول على ردودهم. فالمسؤولون عن هذه الدراسات يرون أن بقاء الناس على اتصالاتهم مع الآخرين بصورة سريعة يجعل حياتهم أسهل وأيسر، الأمر الذي يتطلب منهم مسبقا معرفة قدرة هذه الأجهزة وقوتها وعملها في الدول الأخرى، بجانب التأكد من أن تلك الأجهزة والبرامج الإلكترونية متاحة في تلك الدول.
اليوم نرى أن هذا الوضع قائم في المنزل أيضا وسط أفراد الأسرة الواحدة، بحيث أصبح كل منهم مشغولا في أجهزته وبرامجه دون أن يتحدثوا مع بعضهم البعض. وهذا هو التأثير السلبي لتلك الأجهزة التي يتم تطويرها يوما بعد يوم. فالطفل لا يريد التحدث مع والديه بصورة اعتدنا عليها في الماضي في التعامل مع الوالدين والإخوة، بل إن طلباتهم ترسل اليوم عبر هذه الأجهزة، وكأنما أصبح كل شخص جزءا من الديكور في المنزل. وما يخوفنا اليوم أن المستور قادم إلينا وهذا ما سيترك آثاراً سلبية جديدة على أفراد الأسرة الواحدة والمجتمع الواحد، الأمر الذي يتطلب تعزيز التوعية في هذا الأمر بصورة مستمرة.