Image Not Found

مستقبل اتفاقية التجارة الحرة بين السلطنة وأمريكا

حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected]

قطعت اتفاقية التجارة الحرة بين السلطنة وأمريكا عقدًا من الزمن منذ أن تم توقعها في شهر يناير عام 2009. وتعتبر السلطنة من بين 20 دولة في العالم، وخامس دولة عربية بعد المغرب والأردن ومصر والبحرين ترتبط بمثل هذه الاتفاقيات التجارية مع أمريكا.

وخلال السنوات العشر الماضية قطع البلدان شوطا كبيرا في تعزيز التجارة الخارجية والاستثمار المشترك، وفتحا الأبواب أمام المنتجات والسلع والخدمات للدخول إلى أسواق البلدين، بجانب التعاون في العديد المجالات التي تهم الجوانب الاقتصادية الأخرى.

وقد نظمت غرفة تجارة وصناعة عمان بالتعاون مع السفارة الأمريكية منتدى بهذه المناسبة، حيث يرى الجانبان ضرورة الاستمرار في هذا الاتجاه والقضاء على أي تحديات قد تعيق رجال الأعمال العمانيين للوصول إلى السوق الأمريكية.
وكما هو معروف فأن هناك العديد من البنود التي وردت في الاتفاقية تتعلق بالإجراءات الجمركية والبيئية خاصة في بعض الولايات الأمريكية التي تفرض دون غيرها شروطا محلية، الأمر الذي يتطلب مراعاة تلك الاشتراطات، والعمل على التوعية بذلك من خلال الاستمرار في تنظيم المزيد من الندوات التعريفية بالاتفاقية للتقريب مع تجارب رجال الأعمال في البلدين.
وأشار سعادة قيس بن محمد اليوسف رئيس مجلس إدارة الغرفة إلى ذلك موضحًا أنه لا توجد هناك أي تحديات تعيق رجال الأعمال المحليين عن الوصول إلى السوق الأمريكية باعتبار أن جميع بنود الاتفاقية تشمل ذلك من إجراءات جمركية وغيرها عدا بعض الاشتراطات البيئية التي تفرضها كل ولاية على حدة.

وللوقوف على ذلك ولتعزيز التجارة بين البلدين، تنوي الغرفة وبالتعاون مع الجهات المعنية تنظيم زيارة إلى بعض الولايات الأمريكية لإقامة ندوات تعريفية بالاتفاقية، وعرض تجارب التجار العمانيين الذين وصلوا إلى السوق الأمريكية، وتمكنوا من تحقيق النجاح في تجارتهم. كما تهدف الزيارة أيضا للتعريف عن قرب على السوق الأمريكية، والاطلاع على تجارب الصناعات المختلفة وبحث إمكانية إقامة مشروعات مشتركة وإيجاد شراكة مع المؤسسات الأمريكية فيما يتعلق بجذب الاستثمار المشترك وجلب المعرفة والتكنولوجيا.

إن العلاقات التاريخية والسياسية والتجارية العمانية – الأمريكية ليست وليدة اليوم، وإنما تعود لأكثر من قرنين منذ وصول أول مبعوث عماني هو أحمد بن النعمان الكعبي إلى ميناء نيويورك عام 1841 على متن السفينة (سلطانة) محملًا معه بالعديد من الهدايا وبعض السلع والمنتجات العمانية المهداة من السيد سعيد بن سلطان إلى الرئيس الأمريكي حينذاك مارتن فان بيورين لتقوية العلاقات بين البلدين في مختلف المجالات ومنها المجالان العسكري والتجاري.

إن اتفاقية التجارة الحرة مع أمريكا تساهم اليوم في تغطية مجموعة واسعة من السلع والخدمات التجارية، وتعزز من حقوق الملكية الفكرية، وتعمل حاليا على فتح الأبواب للتجارة المحلية من خلال تقديم العديد من المزايا للبيع في أسواق الولايات المتحدة المعفاة من الجمارك، وتقديم فرص الشراكة المستقبلية مع الشركات الأمريكية، وتسليط الضوء على عمان كشريك تجاري موثوق به. وهذا ما تؤكد عليه الغرفة في بياناتها بأن تطبيق بنود هذه الاتفاقية قد تساهم بلا شك في تشجيع الاستثمار المشترك والتجارة بين البلدين، وتعطي فرصا أكبر للقطاعين الخاصين العماني والأمريكي بتعزيز مجالات التجارة والصناعة في إطار الحريات التي تتمتع بها البلدان، وفي غياب الحواجز الجمركية التي تسهل من عمليات وإجراءات تدفق السلع والمنتجات، ونقل المعرفة والعمل من خلال مشروعات الامتياز التجاري، الأمر الذي ينعكس إيجابيا على معدلات التجارة الخارجية السنوية.
اليوم، فإن حركة التبادل التجاري بين البدين قائمة على قدم وساق حيث بلغت قيمة التجارة الخارجية (الصادرات والواردات) في العام الماضي 2018 حوالي 4 مليارات دولار أمريكي منها 1.3 مليار دولار عبارة عن قيمة الصادرات العمانية غير النفطية. والأرقام تشير إلى نمو الواردات العمانية من أمريكا بنسبة 52.8% خلال العقد الماضي، فيما ارتفعت نسبة الصادرات العمانية بنحو 89.2% خلال الفترة نفسها. ولا شك أن التباطؤ الاقتصادي الذي حصل قليلا يعزى إلى تراجع أسعار النفط وقد يؤثر على رفع تلك المبادلات التجارية، إلا أن الجهود المبذولة مستمرة بين البلدين لتعزيز جميع الإمكانات التجارية التي تتميز بها السلطنة وأمريكا، فيما يمكن قوله إن المؤشرات السابقة تعكس وضعا إيجابيا نتج عن هذه الاتفاقية على حركة التبادل التجاري بين البلدين.

الجانب الأمريكي يرى أن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين منذ أن تم توقيعها ساهمت في تعزيز التجارة وقربت الشركات الأمريكية من الشركات العمانية، وأوجدت شراكات بين الجانبين. وفي هذا الشأن يقول سعادة مارك جي. سيفيرز، سفير الولايات المتحدة الأمريكية لدى السلطنة أن اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين أدت إلى زيادة حجم التبادل التجاري وتعزيز وتوطيد أطر الصداقة والتفاهم الثقافي والمعرفي المشتركة والقائمة تحديد الفرص المجدية بين الشركات العمانية ورجال الأعمال الأمريكيين بالسلطنة، وتبادل المعلومات والأفكار التجارية، مشيرا إلى أن السفارة الأمريكية بمسقط تعمل على تعزيز التبادل التجاري بين البلدين، وذلك من خلال الاستفادة مما تمثله الاتفاقية من تسهيلات وحوافز، كما تعمل من خلال مثل هذه الندوات على التعريف بمجتمع الأعمال في البلدين وبالأهمية الاقتصادية التي تمثلها الاتفاقية وكيفية الاستفادة منها في زيادات حجم التبادلات التجارية بين البلدين. ويؤكد أن الاتفاقية ساهمت منذ توقيعها خلال السنوات الـ10 الماضية بشكل فعال في رفع معدلات التجارة بين البلدين بشكل ملحوظ، كما أنها ساهمت في تقريب الشركات الأمريكية مع الشركات العمانية وساهمت في وجود شراكات حقيقة بين الجانبين.

رجال الأعمال العمانيون يرون من جانبهم أن هناك من التحديات التي تتطلب إعادة النظر في بعض بنود الاتفاقية من أجل الدخول إلى الأسواق الأمريكية بدون أي عراقيل، حيث تتسم السوق الأمريكية بالمنافسة الشديدة، الأمر الذي لا تتمكن منها الشركات الأجنبية من افتتاح فروع لها في أمريكا، وإنما تكتفي بوجود وكيل يقوم بالتسويق للمنتجات وبيعها. كما أن التحدي الآخر الذي تواجهه الشركات المحلية هو تكلفة الشحن المرتفعة جدا بسبب البعد الجغرافي بين السلطنة والولايات الأمريكية، الأمر الذي يتطلب التغلب على هذه التحديات لكي لا تعيق الاستفادة من اتفاقية التجارة الحرة بين البلدين.

ومن التحديات الأخرى التي تواجه رجال الأعمال العمانيين لتحقيق الفائدة القصوى من هذه الاتفاقية هي المواصفات القياسية التي تطبقها الولايات المتحدة الأمريكية على كل الواردات، فضلا عن أن بعض الولايات الأمريكية التي لا تطبق النظام الفيدرالي، الأمر الذي تنتج عنه صعوبة في التعامل مع قانون كل ولاية على حدة، فيما شهدت الفترة الماضية إصدار قرارات أمريكية تتعلق بفرض رسوم جمركية على بعض وارداتها من الصلب والألمنيوم، بواقع 25%، و10%على التــوالي، الأمر الذي قد يشكل تحديا كبيرًا للشركات العمانية العاملة في هذه القطاعات. وإزاء ذلك يتطلب من التجار ورجال الأعمال والمؤسسات المعنية كوزارة التجارة والصناعة وغرفة تجارة وصناعة عمان، والهيئة العامة لتنمية الصادرات وترويج الاستثمار في عمان وغيرها من المؤسسات ضرورة معرفة المزيد عن مضامين وبنود وشروط هذه الاتفاقية لتحقيق المزيد من المنافع وتعزيز قيم الصادرات العمانية غير النفطية إلى أمريكا مستقبلا.

اليوم فإن الدعوة موجهة أيضا إلى الخبراء بتقييم الاتفاقية بشكل سنوي للوقوف على التحديات وتذليلها، فضلا عن نشر معلومات كافية ودقيقة عما يهم هذه الاتفاقية، لتمكين ومساعدة الشركات المحلية للاستفادة القصوى منها، وتوحيد جهود الشركات العمانية للدخول في مناقصات أمريكية مثلما هو حاصل لدينا من قبل الشركات الأمريكية بجانب ضرورة تدريب الكوادر العمانية في المجالات الإدارية والتجارية للتعامل مع جميع بنود الاتفاقيات الاقتصادية.