Image Not Found

ثقافة الادخار وعدم الإفراط في الاستهلاك

د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected]

يعتبر عدم الوعي بثقافة الادخار والإفراط في الاستهلاك إحدى أهم القضايا التي يجب الحرص عليها من قبل كل أسرة عربية. فهذه القضية مهمة وتتطلب الالتفات إليها بين الحين والآخر في حياتنا اليومية. فهناك العديد من الأشخاص الذين ما زالوا يلجأون للاقتراض لأمور وقضايا يمكن من خلال الادخار السنوي حلها، الأمر الذي يتطلب نوعا من الصبر وعدم الاستعجال في الحياة. وهذه العجلة تدفع أحيانا الناس نحو الاقتراض أو الاستدانة أو رهن الشيكات، وبالتالي لا يتمكنون لسنوات عدة من القيام بأي ادخار عائلي. كما أنه من الجيد والمناسب أن تستغل الديون في أمور إيجابية لتعود بمنافع على الدائنين، إلا أنه يحدث بأن تصرف تلك القروض أحيانا في قضايا وبنود وأمور غير أساسية أو ضرورية أو عاجلة، بل هي في كثير من الأحيان تأتي من أجل أمور التفاخر أو الترفيه أحيانا وفق رأي بعض الخبراء.

الأرقام الصادرة عن المركز العماني للإحصاء والمعلومات وفق بيانات العام الماضي 2018 تشير إلى أن متوسط إجمالي الادخار الشهري للعمانيين يبلغ 148 ريالا لمتوسط الذين يصل متوسط دخلهم الشهري للفرد 689 ريالا عمانياً. ووفقا لهذه الدراسة التي أعدها المركز فإن 64 % من المشاركين فيها يدخرون جزءا من دخلهم تحسبًا للظروف الطارئة وتأمين مستقبلهم، وأن 17% من العمانيين يدخرون المبلغ للبناء، أو شراء منزل وتأثيثه، أوشراء أرض، فيما يدخر 11% منهم للاستثمار في مشروع خاص. كما أشارت الدراسة إلى أن 46% من المواطنين يفضلون الاحتفاظ بالأموال المدخرة في حسابات بنكية، و23% منهم يفضلون الاحتفاظ بها على شكل عقارات. وتوضح الدراسة أن 53% من العمانيين يلجأون للجمعيات الإقراضية التي تنشأ بين الزملاء في العمل أو الأسرة الواحدة أو بين الزملاء للاحتفاظ بأموالهم في الحسابات البنكية، فيما يرى 83% منهم أن عدم كفاية الدخل أو تحمل الديون هو السبب الرئيسي لعدم الادخار. وقال 33% من العمانيين إنهم لا يدخرون بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار ، كما أفادت الدراسة أن 4 من كل 10 من العمانيين يقومون بتدوين وتسجيل ما يتعلق بدخلهم وإنفاقهم للوقوف على وضعهم المالي الشهري.

وفي الدراسة التي أعددتها للعمل الأكاديمي العليا حول «سياسات وتوجهات العمانيين نحو الادخار» فقد اتضح من الاستفتاء أن 49% من أفراد العينة التي تم اختيارها تنفي أن تكون قلة الراتب الشهري أو عدم كفايته سببًا في عدم الادخار لدى العمانيين. في حين قال 93% منهم بأنهم يدخرون ما لديهم من أموال لكي يؤمنوا مستقبلهم، ولكي لا يحتاجوا إلى أحد لمقابلة أوضاعهم الطارئة أو عند احتياجاتهم في فترة التقاعد.

ومما لاشك فيه فان التخطيط المالي يلعب دوراً كبيرًا في مساعدة الأفراد في الادخار وفي الحصول على أقصى استفادة من أموالهم وتحديد الأولويات والعمل بشكل مطرد نحو أهداف طويلة المدى، كما يسهم التخطيط الجيد للمال في توفير الحماية لأفراد الأسرة ومساعدتهم في حالات المرض وفقدان الدخل. وهناك مجموعة من الآيات القرآنية التي تدعو إلى الادخار وعدم الإسراف والتبذير في أي أمر، كما يدعو الإسلام إلى الوسطية في الإنفاق، كقوله سبحانه وتعالى: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملوما محسورا»، سورة الإسراء الآية 29، وقوله تعالى في سورة الأعراف الآية 31: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا». وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله نهى عن ثلاث، قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال». وهناك أيضا العديد من الأمثال العربية والشعبية التي تدعو للقيم ذاتها كالمثل القائل: «إن كنت على البير اصرف بتدبير»، و«القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود» وغيرها.

ويعد الادخار ظاهرة قديمة قدم إدراك الإنسان لضرورة جمع بعض الأموال في أوقات الرخاء للاستفادة منها في وقت العوز. وتبدأ عملية الادخار من خلال قيام الفرد بوضع مبلغ معين في صندوق خاص بصورة يومية، أو من خلال إيداعه لمبلغ في المصرف بحيث يستطيع بعد فترة من الزمن استغلال المبلغ المدخر في أمر أو موضع هو أو أحد أفراد أسرته بحاجة إليه؛ ليكون له صمام أمان ويحميه من الأزمات الطارئة، إلى جانب تكوين رصيد له يستفيد منه للبدء في ممارسة عمل تجاري على سبيل المثال.

وهناك الكثير من الدول والشعوب التي نجحت في تثقيف مواطنيها بأهمية الادخار منذ الصغر، ومن ضمنها الحكومة اليابانية، حيث إن تجربة اليابانيين كبيرة في عملية الادخار باعتبارهم من الشعوب التي تبنت هذا الأسلوب بغرض الاستفادة من المبالغ المدخرة سواء في عمليات التنمية الاقتصادية أو في الأمور الترفيهية أو السياحية. وهذا ما جعل اليابان واحدة من أكثر الدول الدائنة بمدخراتها الهائلة التي استطاعت جمعها من عمليات تصدير منتجاتها، ومن ادخار ربات بيوتها. ومع أن هناك ديونا على الحكومة اليابانية أيضا، إلا أنه لا توجد في اليابان ظاهرة القروض الشخصية، واستخدام البطاقات الائتمانية بكثرة، كما هو الحال لدينا في السلطنة وبقية دول مجلس التعاون الخليجي وبعض الدول العربية الأخرى- أو رهن المنازل أو العقار كما يحصل أحيانا في المنطقة وفي الدول الغربية والولايات المتحدة الأمريكية.

إن أهمية التوفير والادخار تكمن في تجنب الناس أخذ قروض بنكية، فأرقام البنك المركزي العماني للعام الماضي 2018 تشير إلى أن قيمة الائتمان الممنوح من قبل المؤسسات المصرفية بلغ 25.1 مليار ريال عماني منها قروض شخصية بقيمة 11.4 مليار ريال عماني وبنسبة 45.5% ، بينما حصلت جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى على نسبة 55% تقريبًا، وهي نسبة لا تشجع على تطوير الاقتصاد الوطني في وقت ننادي بالتنويع الاقتصادي.

ومن هذا المنطلق أصبح من الضرورة رفع مستوى ثقافة الادخار في المجتمع العماني والعمل على تعزيز برامج ادخارية للشباب والفئات العمرية الصغيرة، وإقامة معارض وفعاليات لتوعية الأطفال والشباب بأهمية الادخار، وتشجيع المؤسسات العلمية والبحثية للتركيز على إعداد دراسات في هذا المجال. كما من المهم جدا ضرورة الاهتمام بتوجيه برامج إعلامية لتوعية الطلاب في السلطنة بأهمية الترشيد في الاستهلاك، وتشجيعهم على فتح حسابات بنكية وتعوديهم على استخدام آلة الصرف الآلي للإيداع، وتوعية الناس بتقليل استخدام بطاقات الائتمان وإنفاق الأموال بطريقة عشوائية وغير محسوبة، ووضع خطة مستقبلية بعيدة المدى للادخار. ومن الجيد لمجتمعاتنا ضرورة تعزيز برامج لرفع نسبة ادخار الأسر ما بين 6 إلى 10% من إجمالي الدخل، وتحويل النسبة ذاتها من الراتب الشهري للموظفين والعاملين تلقائيًا من الحساب الجاري إلى حساب التوفير. لذا فان الخبراء والمتخصصين في مجال التخطيط والشؤون المالية يدعون الأفراد للادخار، ووضع خطط مالية محكمة للأسر والتحكم بالاستهلاك اليومي ليتمكن الفرد من بلوغ أهدافه في هذا الشأن.

من المهم جدا على الأفراد تحديد وكتابة أهدافهم للقيام بمتابعة مصاريفهم الشهرية للتعرف على طبيعة صرفهم، وأنواع تلك المصروفات، وقيمتها الاعتيادية ليساعدهم لاحقا بوضع خطة معقولة ومتناسبة مع احتياجاتهم اليومية. وهذا الأمر سوف يدفع الشخص لوضع وإعداد الموازنة التي يمكن من خلالها تحديد المصروفات ذات الأولية كالإيجار والالتزامات الأخرى، ومعرفة المصروفات الاختيارية الأخرى كالسفر وغيرها. كما يمكن له لاحقا العمل على المناقلة بين البنود لتغطية النقص في أي بند والاهتمام بالتوفير والادخار، مع ضرورة متابعة وتقييم الصرف نهاية كل شهر لمعرفة مواطن القوة والضعف في الخطة المالية المنزلية لتبدأ عملية الادخار لديه.