حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
تتطلع الشركات العمانية أن يكون لها تعاون أكبر مع الشركات الصينية مستقبلا في إطار الحرص الذي يبديه البلدان للعلاقات القائمة، والتي شهدت خلال العقد الماضي الكثير من التطورات الإيجابية على مختلف المستويات. وهذا ما يؤكد عليه المسؤولون في البلدين في الكثير من المناسبات الرسمية وغير الرسمية. كما أن الزيارات بين الوفود العمانية والصينية مستمرة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية والسياحية والمجتمع المدني وهي الأخرى تشهد حراكا ونشاطا لتعزيز هذه العلاقات، وآخرها كانت للمسؤولين في هيئة منطقة الاقتصادية بالدقم وجمعية الصحفيين العمانية.
وخلال العام الماضي احتفل البلدان بمرور 40 عاما على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين، والتي تمثّل في جوهرها علاقات الشراكة الاستراتيجية، حيث تم توقيع وثيقة للتعاون بين البلدين للمشاركة في البناء «الحزام والطريق» الأمر الذي يمثّل صفحة جديدة في هذه العلاقات التي يعود تاريخها إلى القرون السابقة. وقد أشارت سعادة (لي لينج بينج) السفيرة فوق العادة والمفوضة لجمهورية الصين الشعبية إلى هذه التطورات الإيجابية، مؤكدة على أن البلدين تجمع بينهما صداقة راسخة وشراكة وثيقة، فيما أصبحت الصين اليوم أكبر شريك تجاري للسلطنة، وهناك مقومات جديدة تضاف باستمرار إلى العلاقات الاستراتيجية بين الصين والسلطنة، حيث يتوقع لها أن تشهد مستقبلا أكثر إشراقا ودفعة جديدة بعد الانتهاء من إنشاء المدينة الصناعية العمانية الصينية بالدقم، والتي تعد مشروعا نموذجيا للشراكة بين البلدين من خلال مبادرة «الحزام والطريق» التي تلقى اهتماما عالميا واسعاً من جميع دول العالم، خاصة تلك التي تمثّل حضارات عريقة كالسلطنة التي كان لها باع طويل في العمل التجاري مع مختلف الحضارات الصينية والفرعونية والبابلية وغيرها. فهذه المدينة الصناعية الصينية سوف تقام على مساحة 1172 هكتارا تحت مظلة شركة وان فانج العمانية. وخلال الفترة السابقة وفي إطار اهتمام الشركات الصينية بالاستثمار في الدقم، أكملت 5 شركات صينية أخرى إجراءات التسجيل في هذه المدينة التي تتحول اليوم لتصبح مركزا للتصنيع والخدمات ليس على مستوى المنطقة الخليجية فحسب، بل على المستوى العالمي، فيما تتوقع السفيرة الصينية بمسقط أن تنضم شركات أكثر للعمل في المدينة الصناعية بالدقم في العام القادم، وتبشر بتدفق رؤوس الأموال الصينية على المنطقة في السنوات القليلة المقبلة.
كما أن هناك اليوم اهتماماً كبيراً بتطوير العلاقات السياحية بين البلدين نتيجة للمساعي التي تبذلها المؤسسات الرسمية بين البلدين، حيث نظمت السفارة الصينية بمسقط وبالتعاون مع وزارة السياحة العمانية وجمعية الصداقة العمانية الصينية مؤخرا «المنتدى الثاني للتعاون السياحي بين البلدين» والذي استهدف جذب المزيد من السياح الصينيين إلى السلطنة، فيما تشير البيانات الإحصائية إلى أن عدد السياح الصينيين الذين زاروا السلطنة خلال الأشهر الخمسة الأولى من العام الجاري 2019 يفوق عدد السياح الذين زاروا السلطنة في العام الماضي 2018 بأكمله، الأمر الذي يؤكد بأن الفترة المقبلة سوف تشهد مضاعفة هذه الأعداد مع تطور وسائل النقل الجوي بين البلدين.
الاستثمارات الصينية في الدقم تمثل المليارات لإقامة المدينة الصناعية كما يُعلن عنها بين فترة وأخرى، وهذه المبالغ الضخمة من المفترض أن تستفيد منها الشركات العمانية أيضا، خاصة تلك التي تعمل في مدنية الدقم بمحافظة الوسطى والتي تبتعد حوالي 550 كيلو مترا عن العاصمة مسقط من خلال حصولها على العقود المحلية. فهذه المدينة الصناعية سوف تساهم في تنمية المنطقة بجانب العمل على التنويع الاقتصادي، وتقليص الاعتماد على صادرات النفط والغاز. فيما يمثّل مشروع مدينة الصين بالدقم إحدى المشاريع المهمة لهذه الدولة في إطار مبادرتها «الحزام والطريق»، والتي تلقى دعماً من الحكومة الصينية، وتهدف لجذب المزيد من الصفقات التجارية والاستثمارية مع بقية دول العالم. فهذه المدينة التي تقع على المحيط الهندي وبحر العرب تمثّل في المرحلة المقبلة مركزا للشركات الصينية وتوظيف عمالها بجانب العمال العمانيين، وبحيث تكون قريبة من أسواق التصدير إلى الخليج وإيران وشبه القارة الهندية وشرق إفريقيا. ومن المتوقع أن تضم المدينة الصناعية الصينية العمانية بالدقم نحو 35 مشروعا.
فمدينة الدقم تتميز باحتوائها على الكثير من الموارد الطبيعية التي تحتاج إليها الصناعات في المنطقة، بجانب احتياجات الشركات الصينية لها أيضا، الأمر الذي سوف يساعد على تنمية تلك المنطقة بسرعة أكبر. فالشركات الصينية سبق لها أن أعلنت أن استثماراتها في الدقم سوف تصل إلى 10.7 مليار دولار في نهاية المطاف بما يعادل اليوم نصف قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة في السلطنة. وبالتالي سوف تصبح الدقم حينها أفضل مدينة صناعية في المنطقة الخليجية، خاصة وأن موقعها الهام جذاب لقربها من مسارات التجارة البحرية العالمية ووقوعها خارج مضيق هرمز الذي يمر من خلاله أكثر من 40% من احتياجات النفط في العالم، والذي يشهد بين فترة وأخرى تجاذبات سياسية وتوترات إقليمية. بجانب ذلك، تضم مدينة الدقم اليوم عدداً من المؤسسات اللوجستية التي تساعد على تعزيز الحركة التجارية ووصول السفن العالمية إليها، كميناء الحوض الجاف وميناء الصيد التجاري بجانب مشاريع نفطية مهمة كمشروع مصفاة النفط العمانية الكويتية، ومشروع البتروكيماويات ومصنع للميثانول بتكلفة 2.8 مليار دولار، ومصانع للأنابيب ومشاريع خليجية وعالمية أخرى، بجانب مشاريع لتخزين مواد البناء وتوزيعها في أنحاء المنطقة. وتسعى عمان لاجتذاب رؤوس أموال للدقم من دول كثيرة، حيث أعلن المسؤولون عن الحملة الترويجية للدقم السماح للمستثمر الأجنبي بتملك المشروعات في هذه المدينة بنسبة 100% والإعفاء الضريبي لمدة تصل إلى 30 عاما قابلة للتجديد لمدة مماثلة، بجانب تقديم التسهيلات في مجالات الجمارك وتأشيرات الإقامة والحصول على القوى العاملة الأجنبية التي تحتاج إليها المشروعات وغيرها من التسهيلات والحوافز الأخرى.
وتأتي هذه الحملات في ظل سعي هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم لاستقطاب شركات عالمية جديدة للاستثمار في الدقم. وهذا ما أعلن عنه معالي يحيى بن سعيد الجابري رئيس مجلس إدارة هيئة المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم مؤخرا بمدينة جينان الصينية لرجال الأعمال والمستثمرين الصينيين مشيرا إلى تلك الحوافز التي تقدمها الهيئة للمستثمرين. فمنطقة الدقم تعتبر اليوم أكبر منطقة اقتصادية خاصة في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقد تم تقسيمها لعدد من المناطق الاستثمارية المتنوعة تشمل قطاعات الصناعة والسياحة والخدمات اللوجستية والتطوير العقاري وغيرها من المجالات الأخرى.
لقد انتقلت الدقم في ظرف عقد واحد من شاطئ صغير للصيد التقليدي إلى مدينة صناعية وتجارية وعمالية تتوفر فيها أحدث وسائل النقل والاتصالات والخدمات التي يحتاج إليها أي مستثمر في العالم، حيث نجحت الإدارات التي تعاقبت على إدارة شؤون هذه المدينة في تعزيز بنيتها الأساسية من خلال المشروعات التي تم تشييدها في قطاعات عدة، كميناء الدقم التجاري، والحوض الجاف، والمطار وغيرها من المؤسسات الأخرى التي تقدم خدماتها للمستثمرين، والتي يحتاج إليها أي مستثمر محلي أو اجنبي لتسهيل أعماله مع المؤسسات الحكومية، خاصة وأن الجهة المسؤولة للاستثمار في منطقة الدقم حددت محطة واحدة لتسهيل العمل في الحصول على الخدمات المطلوبة. ومن الطبيعي أن تفتح هذه التسهيلات شهية المستثمرين الأجانب بالوصول إلى السلطنة واستكشاف فرص الاستثمار والوقوف على بيئة الاستثمار في المنطقة الاقتصادية الخاصة بالدقم، ومعرفة نوعية التسهيلات التي يمكن الحصول عليها في كل قطاع اقتصادي.