د. طاهرة اللواتية – عُمان
[email protected] –
عندما يخط الشيب خطوطه على وجه الإنسان ، قد يشعر بالكثير من المشاعر المختلطة والمبهمة؛ ومنها الشعور باللاجدوى.
تربيت في طفولتي على مبدأ احترام من خط الشيب خطوطه عليه، كجزء من قيمنا الدينية والاجتماعية والعرفية. وعندما دخلت عالم الشباب والكبار، علمتني الحياة أن أهم قيمة في الحياة هي قيمة العلم، فلا مال ولا جاه ولا مركز يوازي أصحاب العلم والعلماء، يقول الله تعالى (هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) . وفي الأدبيات المتداولة؛ إن الإنسان كلما ارتقى في تلقي العلوم ، كان مكانه في الجنة أكثر عظمة وجمالا ورقيا وارتفاعا ، وكان من سكان أعلى الجنان، وكنا نتندر على بعضنا البعض، فقد يكون مكاننا عند عتبة باب الجنة حيث الأحذية إذا لم نبذل الجهد في نيل العلوم.
خط الشيب على رأسه بقانونه الأبيض بلون الثلج، صادق مع نفسه ، فلا صبغ لمحاولة إخفائه. جلست معه جلسة مطولة ، كان يتجول في حديقة العلم بكل بساطة ، لم يترك مجالا لم يطرقه ، لم يكن حديثا في النظريات الجافة ، إنما في حلول علمية عملية تصنع فرقا في الاقتصاد والإنتاج والسوق وتنويع مصادر الدخل في البلاد، وحل المشاكل الاقتصادية والاجتماعية، رجل ذو أفق معرفي واسع وعريض، ومنهجية علمية دقيقة، وقدرة على التنبؤ العلمي عالية جدا، عقل مرتب منظم قادر على ربط الوجع بأسباب الحلول بعلمية شديدة.
وأنا أمامه تذكرت قول الإمام علي كرم الله وجهه: «سلوني قبل أن تفقدوني». وقد كان يضع يده على صدره ويقول : «ههنا علم جم»
كان متقاعدا؛ لكنه ثروة وطنية متحركة، لا هدف لديه في المال أو الشهرة ؛ إلا أن يفيد الناس بعلمه، فزكاة العلم بذله أتمنى الاستفادة من هذه الثروة التي تتحرك على قدمين، وأتمنى من الشباب أن يجلسوا معه ومع أمثاله ، حيث تؤلمني جدا الفجوة بين الشباب وهذا النوع من الرجال النادرين ذوي الثروات الوطنية، فلنلغي فجوة الأجيال المصطنعة، ولنصنع من حماس الشباب طرقا للاستفادة من علم هذا الرجل وأمثاله وخبراتهم، لنوجد حلولا علمية وعملية وواقعية لحل مشاكل الشباب وما يقلقهم.