Image Not Found

ماذا نتوقع من العملة الرقمية «ليبرا»؟

د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان

شهدت السنوات الأخيرة تحديات عديدة للبنوك المركزية والحكومات فيما يتعلق بقضايا غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وقضايا تحويل الأموال، والشيكات المرتجعة بجانب قيام بعض المؤسسات العالمية بطرح العملات المشفرة. واليوم يعيش العالم صراعا يوميا في السياسة والاقتصاد والعمل الاجتماعي نتيجة لتعدد المشاريع الأيدولوجية من جهة، وتطوّر وسائل الاتصالات الحديثة والتواصل الاجتماعي وسرعتها في التنفيذ من جهة أخرى، الأمر الذي يؤثر على العمل المصرفي والمالي إيجابا وسلبا في بعض الأحيان.

ففيما يتعلق بالعملات المشفرة التي طرحت خلال السنوات الماضية، كان هناك إقبال من بعض الناس عليها والذين تمكنوا من كسب ملايين من الدولارات، فيما خسر الآخرون في صفقاتهم عند التداول في تلك العملات. وحيث إن العالم أصبح قرية إلكترونية، فإن موقع الفيسبوك- الشركة العالمية في مجال التواصل الاجتماعي-، والذي من خلاله يشارك ملايين الناس في نقل المعلومات من وإلى العالم، فإن هذا الموقع أعلن يوم 18 يونيو الماضي عن معلومات مفصلة حول رغبته في طرح العملة المشفرة تحت مسمى «ليبرا» ليتم تداولها من خلال موقعها العالمي، حيث تستعد الشركة لإطلاق نظام الدفع من خلال الموقع أسوة بما يتم التعامل مع العملة المشفرة الأخرى وهي «البتكوين».

خطة الفيسبوك لطرح هذه العملة الرقمية هو من أجل إنشاء نظام مالي جديد لتحويل الطريقة التي يتحرك بها المال في جميع أنحاء العالم، وليس فقط في تطبيقاته الخاصة، أي أن رغبتها تكمن في جعل إرسال واستقبال النقود حول العالم بطريقة أسهل، مثل إرسال وتبادل الصور ومقاطع الفيديو والنصوص والعناصر الأخرى على منصتها وتطبيقاتها. فقد سبق لها أن تابعت الفيسبوك ولفترة طيلة بعض العلات الرقمية أو المشفرة التي تم تداولها مثل «البتكوين»، وأن فكرة العملة التي تريد طرحها ليست ببعيدة عن ذلك نظرا لرغبة الملايين من الناس وتعاملهم مع التقنيات الحديثة.

هذه الشركة لها القدرة على تشغيل البرامج التي تحتاج إلى تداول مثل هذه العملات والعمليات الرقمية نتيجة لوجود سلسلة الكتل (البلوكتشين) لديها، وعلاقاتها التسويقية مع المؤسسات المصرفية والعالمية والشركات المعروفة في العالم، إلا أن الحكومات وخاصة في أوروبا ترى أن هذه الخطوة يمكن أن تلاقي صعوبات وتحديات في عملية التحويل تتمثّل في ضرورة وجود شروط وتشريعات تنظيمية صارمة للتداول، ناهيك عن السلبيات التي يمكن أن تنجم عن هذا التداول في عملية غسل الأموال. ومن هذا المنطلق تعمل الفيسبوك على تهيئة الأوضاع مع مجموعة من مزودي الخدمات المالية التي يمكن من خلالها القيام بعمليات تحويل الأموال باستخدام عملة «ليبرا»، فيما تتطلع الشركة لاستخدام هذه العملة مستقبلا في تقديم خدمات دفع الفواتير بكبسة زر، أو في الحصول على خدمات شرائية ولوجستية يجريها الناس في حياتهم اليومية.

فوفق بعض البيانات المتاحة، فإن هناك اليوم حوالي 1.7 مليار شخص لا يتعاملون مع المصارف التقليدية في العالم، فيما يرى البعض أن البنوك لم تكن قادرة على نقل الأموال بسرعة كافية دون تقنية البلوكتشين. وحيث إن الفيسبوك من المؤسسات التي تحتوي على هذه التقنيات، فإنه يمكن لها أن تقوم بتدويل عملة «ليبرا» لتكون وسيلة تبادل عالية الجودة من خلال استخدام تقنية البلوكتشين.

إن نجاح هذه العملة في التداول سوف يقلل من سيطرة الحكومات والبنوك المركزية على الأموال في العالم، ولكن هذا يعتمد على مدى فهم الناس للخصوصية التي ستوفرها الشركة في عدم التلاعب بالمعلومات الخاصة بهم واستغلالها من قبل الآخرين، خاصة وأن سمعتها أصيبت بنكسة نتيجة لمراقبة معلومات الناس والمؤسسات في الآونة الأخيرة. والمعلومات التي تم نشرها عن هذه العملة «ليبرا» تشير إلى أنها عملة رقمية لامركزية كما تقول عنها الشركة، وسوف تديرها مؤسسة غير ربحية من مقرها بجنيف، سويسرا، وهدفها هو أن تكون متاحة على نطاق واسع ومستقرة وآمنة، على عكس عملة «البيتكوين» والعملات المشفرة الأخرى، والتي يمكن أن تكون متقلبة ومضاربة بشكل كبير، حيث سيتم دعم عملة «ليبرا» بأموال مستقرة نسبيًا مدعومة من الحكومة التي ستتولى إصدارها. وكلما كان عدد المستخدمين لموقع الفيسبوك عالياً فإن هذه العمليات سوف تلقى نجاحا وفق ما يراه بعض الخبراء في هذا الشأن. وهذا يعني أن عملة «ليبرا» سوف لا يتم إدارتها من قبل شركة الفيسبوك بأمريكا، بل يتم إدارتها من قبل منظمة تتواجد في سويسرا التي تمثّل قلب النظام المالي العالمي.

المسألة الخطيرة في هذا الأمر مرتبطة بغسل الأموال التي يمكن أن تتم من خلال استخدام هذه العملة المشفرة، إلا أن القائمين على مشروع «ليبرا» يؤكدون أن هذه الخاصية قد تم أخذها في الاعتبار وذلك من خلال تطبيق سياسة (اعرف عميلك) التي تتبع مصادر الأموال من أجل وقف أي عملية مرتبطة بغسل الأموال والتعامل مع المجرمين والإرهابيين. وهذا ما يؤدي إلى طمأنة الحكومات والمؤسسات المالية والمصرفية في العالم.

ويرى بعض الخبراء إلى أن عملة «ليبرا» يمكن أن تقضي على الاقتصاد المحلي من واقع أنه مثلما تتسبب هيمنة الدولار الأمريكي في انخفاض قيمة العملات المحلية، فإنه يمكن لعملة «ليبرا» أن تسبب في انخفاض قيمة العملات لكن بشكل أسرع. وسيؤثر هذا على السكان المحليين الذين لا يستطيعون اجتياز اختبارات «اعرف عميلك» للوصول إلى نظام «ليبرا» الذي يبدو جليا أنه مخصص فقط للطبقات المتوسطة والأثرياء. وزير المالية الفرنسي برونو لو أشار في حديثه لبعض وسائل الإعلام المحلية أنه من غير الوارد أن تصبح «ليبرا» عملة سيادية، كما عبر عن قلقه بشأن إمكانية استخدام فيسبوك لهذه العملة من أجل جمع المزيد من البيانات، فيما يرى نواب ألمان من أن يصبح فيسبوك «بنك الظل».

ورغم هذه الاختلافات في الآراء فإن 27 شركة ومؤسسة من الأعضاء المؤسسين تقف وراء تحقيق هذا الأمر، فيما تهدف الشركة جمع 100 شركة ومؤسسة لدعمها لإطلاق هذه العملة في بداية العام المقبل، من بينها شركاء المدفوعات مثل: Visa وStripe وPayPal، وغيرها من المؤسسات المعروفة والتي ستكون قادرة على مساعدة التجار على قبول «ليبرا».

واليوم أصبح هناك قلق متنام بين دول الاتحاد الأوروبي بشأن التهديد الذي قد تمثله هذه العملة الرقمية للاستقرار المالي، وأن العديد من المؤسسات المصرفية والمالية اجتمعت بهذا الشأن ضمت مسؤولين في 26 بنكاً مركزياً من بينها مجلس الاحتياطي الاتحادي (البنك المركزي الأمريكي) وبنك إنجلترا للوقوف على ذلك، حيث ترى بعضها أن مشروع «ليبرا» يشكّل تهديداً لسيادة دول الاتحاد الأوروبي. في الجانب الآخر، هناك اليوم خطة بدفع شركات استثمار رأس المال في مجال الدفعات الرقمية بدعم هذه العملة، فيما ستعمل المنظمات غير الربحية والأكاديمية بمساعدة الزبائن في الوصول إلى هذه العملة، بينما تقوم الشركة المعنية بتمويل تلك العمليات، وعمل تطبيق مستقل لتمكين الناس من تخزين أموالهم على هواتفهم والسماح لهم بإرسال واستقبال العمليات المصرفية لهم وبرسوم قليلة، وتقديم القروض للمستهلكين، وإجراء عمليات الشراء بسهولة من 90 مليون شركة وزيادة مبيعاتها عبر الفيسبوك. الكل ينتظر اليوم ليسمع عن ذلك، فكل مشروع كهذا يلاقي الصعوبات والتحديات في بداية الأمر، إلا أنه مع مرور الأيام يبدأ الناس في الإقبال عليه والتعامل معه.

[email protected]