حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
تعمل دولة قطر على مواكبة القوانين العالمية في المجالين المصرفي والمالي لجذب المزيد من الاستثمارات الخارجية وتعزيز منظومة البيئة الاقتصادية في قطر لتعزيز دورها الريادي في المنطقة. فقبل عدة أيام أصدرت قانونا جديدا بشأن مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب ليحلّ محل القانون السابق الصادر في عام 2010. البيان الصادر عن مصرف قطر المركزي أشار إلى أن القانون الجديد يعكس التزام دولة قطر الراسخ والمستمر بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب بكافة أشكاله، ووفقاً لأحدث المعايير الدولية المعتمدة من قبل المنظمات الدولية الرئيسية، بما فيها مجموعة العمل المالي (فاتف)، الأمر الذي سوف يبرز إطارها القانوني والتنظيمي الخاص بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. ويرى الخبراء في هذا الشأن أن القانون الجديد سوف يؤدي بقطر إلى تعزيز مسؤوليتها في حماية النظام المالي لها من مخاطر غسل الأموال وتمويل الإرهاب، كما يعزز من موقفها في هذا المجال.
المصادر الإعلامية القطرية أشارت إلى أن القانون الجديد يحدّد المتطلبات القانونية الملزمة لقطاع الأعمال والقطاعات المالية ذات الصلة بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بما في ذلك المنظمات غير الهادفة للربح، وخدمات تحويل الأموال، فيما حدّد القانون أيضا عقوبات مشددة على كل من يخالف أحكام القانون سواء بفرض جزاءات مالية على المؤسسات المالية أو الأعمال والمهن غير المالية المحددة أو المنظمات غير الهادفة للربح المُخالفة، بالإضافة إلى ذلك يعزّز القانون الجديد التدابير ذات الصلة بالتعاون الدولي وتبادل المعلومات المالية مع الجهات النظيرة الأجنبية.
يأتي صدور القانون الجديد ليكمل قوانين أخرى أصدرتها قطر في هذا الإطار سواء من حيث تنظيم العمل الخيري الذي تمارسه الجمعيات والمؤسسات الخيرية، أو لمكافحة الجرائم الإلكترونية – خاصة من قبل بعض الدول العربية والأجنبية- التي تعمل على استغلال منصات التواصل الاجتماعي في الترويج للإرهاب أو تنظيمه أو تمويله وتوجيه الاتهامات بذلك إلى بعض الدول ومنها دولة قطر. كما تم وضع إطار قانوني خاص بالتصنيفات المحلية لتحديد الأشخاص والكيانات المتورطة في تمويل الإرهاب، الأمر الذي سوف يساهم في تعزيز الدور الريادي الإقليمي لدولة قطر والتزامها الدولي في مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
محافظ مصرف قطر المركزي الشيخ عبدالله بن سعود آل ثاني أشار إلى إن القانون الجديد هو نتاج التنسيق مع اللجنة الوطنية لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويمثّل إطار عمل قانوني وتنظيمي صارم يساهم في تحديد صلاحيات ومسؤوليات الوزارات والجهات الحكومية المختصة، بجانب ذلك يؤكد التزام قطر بالتعاون الدولي وتبادل المعلومات المالية مع شركائها الدوليين لضمان حماية نظامها المالي والنظام المالي العالمي من أي استغلال في عمليات غسل الأموال وتمويل الإرهاب.
المعروف أن دولة قطر عضو في عدد من المؤسسات التي تعمل في هذا الإطار، حيث إنها عضو مؤسس في المنتدى العالمي لمكافحة الإرهاب (GCTF)، والذي يُعدّ منصة عالمية متعددة الأطراف لتعزيز التعاون المشترك وتنفيذ ودعم استراتيجية الأمم المتحدة لمكافحة الإرهاب بجانب عضويتها في مجموعة العمل المالي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال افريقيا- مينافاتف. كما تساهم في دعم الصندوق الائتماني متعدد المانحين التابع لصندوق النقد الدولي، والذي يهدف إلى بناء القدرات وتوفير المساعدة الفنية للدول الأخرى في مجال مكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، بجانب مساهمتها في الصندوق العالمي للانخراط المجتمعي والمرونة (GCERF)، وهو أول مجهود عالمي لإشراك المجتمعات المحلية ومساعدتها على الصمود في وجه التطرف والعنف.
ويرى الخبراء أن القانون الجديد لغسل الأموال بدولة قطر يراعي ظروف البيئة الاقتصادية المحلية والعالمية لتحقيق متطلبات القطاع المالي، ويعزّز من جاذبيته وموثوقيته لمختلف الشركاء، وهو ما سيزيد من استقطاب الممولين والشركات الباحثة عن ملاذ آمن. كما يعزّز من التزام قطر بمبادئ القانون الدولي والحرص على إنفاذه في كافة المجالات من خلال التشريعات الاستثمارية المعمول بها في وجود قوانين للمناطق الاقتصادية الحرة وسوق الأوراق المالية «البورصة»، كما تدعّم من أعمال مراكز الأبحاث والجامعات والمؤسسات العالمية، الأمر الذي سيعمل على تحقيق مسعى قطر بأن تصبح مركزاً مالياً في المنطقة خلال الفترة المقبلة.
لقد تمكنت قطر خلال العقدين الماضيين من تأسيس شركات عملاقة تعمل في مختلف المجالات النفطية والغاز والاتصالات واللوجستيات سواء داخل الدولة أو خارجها، الأمر الذي تطلب إصدار مزيد من التشريعات والقوانين للالتزام بحاكمية هذه المؤسسات ومحاسبتها، ومواكبة القوانين الدولية التي تتعلق بمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وهذا سوف يؤدي إلى تحقيق مزيد من الانفتاح الاقتصادي وتأمين القطاع المصرفي والمالي للمؤسسات والشركات العالمية، واستقطاب مزيد من الاستثمارات الأجنبية، ويعطيها القدرة في طرح السندات الوطنية، بجانب دعم الثقة العالمية في الاقتصاد القطري.
فالعالم يتوقع بأن تشهد بعض دول العالم في غياب القوانين الصارمة لديها عمليات غسل أموال في السنوات المقبلة في وجود الابتكارات والاختراعات لبرامج التقنيات الحديثة، خاصة تلك التي تتعلق بتحويل الأموال عبر وسائل التقنيات المصرفية الإلكترونية التي سهّلت الكثير من الأمور، الأمر الذي يتطلب صدور القوانين اللازمة لمكافحة هذه العمليات وضرورة المتابعة والتدقيق، ومواجهة الجرائم من قبل الجهات الأمنية والقانونية تجاه أصحاب الثروات الفاسدة. كما يتوقعون بأن تزيد عمليات الفساد في المؤسسات لتسيير أمور المهربين وغاسلي الأموال نتيجة لطبيعة البشر وحبه للمال الحرام، حيث ان هناك اليوم استغلالا لاحتياجات بعض الناس وخاصة الفقراء منهم لقضايا الأكل والشرب والمسكن والصحة، الأمر الذي يساعد المفسدين على تحقيق أموال طائلة من وراء غسل الأموال وتجارة المخدرات وبيع الأسلحة وتهريب الأموال وغيرها من العمليات الفاسدة الأخرى. فتصنيفات غسل الأموال تتضمن العديد من الجرائم المتعلقة بالأنشطة التجارية، كالغش بالأصناف والأوزان والأسعار وتقليد السلع والتستر التجاري، علاوة على التهرب الضريبي، والرشوة، والتزييف، والتزوير، والقرصنة والابتزاز، والاختطاف وحجز الرهائن، وإعداد مساكن الممارسات غير الأخلاقية والقوادة أو الاعتياد على ممارسة الفجور والاستغلال، والسطو المسلح والسلب، والنصب والاحتيال. فالجرائم المتعلقة بغسل الأموال تتزايد عاما بعد عام، حيث يتكبد الاقتصاد العالمي سنويا خسائر بما لا يقل عن 2 تريليون دولار أمريكي، بما يشكل بين 2% الى 5% من إجمالي الناتج العالمي سنويا، مع العلم ان نحو 1.2 تريليون دولار أمريكي هي أموال متأتية من الجرائم المنظمة يتم غسلها سنويا بما يقارب 60% من إجمالي الأموال التي يتم غسلها سنويا.
ومن هذا المنطلق حدد القانون القطري في هذا الشأن عقوبات مشددة على كل من يخالف نصوصه وأحكامه بفرض غرامات مالية على المؤسسات سواء المالية أو غير المالية التي تهدف إلى تحقيق الأرباح المخالفة للقانون، وفرض عقوبة السجن للذين يتم إدانتهم بجرائم غسل الأموال وتمويل الإرهاب، ويهدف إلى إيجاد التعاون مع دول العالم في تبادل المعلومات المالية التي تهم الجميع، خاصة الأجهزة المصرفية التي أصبحت اليوم في حالة يقظة وحذر من هذه العمليات ليعم الأمن والأمان في جميع الدول.
لقد تضمن القانون القطري الجديد لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب العديد من المتطلبات القانونية لحماية بيئة الأعمال في قطر، ووفقا لأحدث المعايير الدولية المعتمدة من قبل المنظمات الدولية الرئيسية، بما فيها مجموعة العمل المالي. وبذلك أصبحت قطر تخطو خطوة أخرى نحو مواكبة أعلى المعايير والتشريعات الدولية في هذا المجال، الأمر الذي يساعدها في مكافحة الجرائم العابرة للحدود وكذلك الجرائم المنظمة التي تحصل من خلال غسل الأموال وتمويل الإرهاب للعمليات التي تمت الإشارة إليها مسبقا في هذا الصدد، والتي تشكّل خطرا على الأمن والسلم الاجتماعي في العالم، وتهديدا صارخا للاقتصاد العالمي.