د علي محمد سلطان
تلقينا نبأ وفاته يوم 9/7/2019 وهو مع لمة من أهله في تايلاند وهذه المرة كانت زيارته لتايلاند إستجمامية على خلاف معظم زياراته لها وهو يبحث عن العلاج في دهاليزها.
ومع خبر وفاته إستعدت شريط الذكريات التي وقفت على بعضها ونحن زملاء عمل بوزارة الكهرباء والمياه حيث ومع إلتحاقي بالعمل في الوزارة عام 1990 كان علي ( تاوا) فيها مديرا للعقود وتوطدت العلاقات بيننا بحكم الوظيفة كوني يومئذ مديرا للإحصاء بجانب القرابة والمعرفة فهو إبن مطرح وهو إبن ( چاچا تاوا ) الرجل المكافح الذي قدم الأدامات لأبناء مطرح في الخمسينيات والستينيات وسنوات من السبيعينيات من القرن المنصرم وهو يضع القدور على الأثافن في أحلك ظروف العيش وشظف الحياة وقسوة الأيام وأراد من مهنته أن يكف نفسه وعائلته من مؤونة السؤال ولايستميح الناس إلحافا.
علي تاوا هكذا عرفناه وعاش في وجدان أهالي مطرح بهذا الإسم.
عصامي الشخصية صبور الطباع متوقد الذكاء فني ماهر.
تعلم في المدارس الأهلية كباقي أطفال مطرح ثم إلتحق في الخمسينيات ( الأواسط ) بسعيدية مسقط مالبث أن ترك المقاعد ملتحقا بمستشفى طوماس ضمن كادره الفني وكان يتذكر ليلة إغتيال الطبيب موريس الفرنسي، مساعد طوماس عام 1967 ويومها كان يعمل في المستشفى فوقف مع الكادر الطبي بجانب طوماس وهو يجري العملية لاستخراج الرصاصة الغادرة التي اخترقت ظهره فمزقته تمزيقا ، ومع ساعات الليل إنتشر خبر موته فبكته مطرح لخدماته ولم تنس إحسانه للمرضى فخرج المطرحيون عن بكرة أبيهم يشيعونه إلى مثواه في مقابر المسيحيين.
تعلم الطبابة وتعلم الطباعة وتوظف في أكثر من مؤسسة وتحدث اللغة الإنجليزية التي برع فيها وترجم لكبار موظفي تشارترد بنك الذي عمل به في مسقط وكان Allen Wrien المدير العام ونائبه David Ford يعتمدان ترجماته ويصطحبانه في مهماتهما لدى تجار مسقط ومطرح.
ومع العهد الميمون إلتحق بأكثر من وظيفة ورحل إلى ظفار وعمل بمكتب والي ظفار لزمن ثم جاءت به الأقدار إلى وزارة الكهرباء والمياه ومنها طلب التقاعد بعد مضي قرابة 40 سنة وهو يتقلب من وظيفة لأخرى.
لم نعرفه وأهالينا في مطرح من خلال زوايا وظائفه لكنه غدا أحد أعلام المنبر الحسيني المتحرك في الساحات من صوته وأدائه ولغاته التي أجادها.
لقد إستهواه الحسين عليه السلام حتى إخترق جدار الوجدان واللاشعور في أعماق شغاف قلبه ومحورية علاقته بالمأتم المتحرك في ميادين الولاء والعشق الحسيني الذي أجن محبيه .
رأيناه وهو يدخل في ساحات المنبر المتحرك في الستينيات بجانب الأستاذ تقي محمد حسن ( كمندر) وهو يرفع السماعة اليدوية على ترانيم نوحية( لاشوپیه زینب روکیه پکاریه بائی هماراه کوهی نهیه)
فيتعلم ثم يحاكي الدور فيجيده أيما إجادة والناس مشدوهة للوجه الجديد وهو يقف كالطود الشامخ غير آبه بالنقد الذي يأتي مع بدايات التجربة في فن الإلقاء.
رأيناه وقد تمازج الصوت بالصوت والحنجرة بالحنجرة وهو يقف في صف أحد البارعين في النواحي الهندية الأخرى وهو علي إبراهيم حسن ( قربان) من قبيل
( گهتی تی زینب آی حسینام هو گی برباد کی زینب کربوبلامیه )
(عباس کی راهيه غربت ميه نانا که بروسا یاد آیاه )
وتعلم من ماستر حسن وماستر قاسم و الحاج موسى شعبان وآخرون أطوار النوحيات العربية والفارسية فوقف على أطوار
بات الهدى يذري الدموع الحمرا لما هوى الحسين فوق الغبرا
و
ملقى ثلاث ليالي بأرض كرب بلا
سبط الرسول محمد عطشان ظامي قضى
وجسم الحسين غدا للخيل ميدانا
ورأسه فوق رأس الرمح قد بان
وعشرات النوحيات العربية التي تطأطأ رأسها أمام أساتذة مطرح وهم يمشون في المواكب الحسينية المتحركة( علما)
ووجدناه وقد برع في التصدي لهذا اللون من النوحيات المتحركة في ساحات سور اللواتية وهي تندب السبط الشهيد أبا الأحرار الإمام الحسين ع.
ووجدناه وهو يمسك بيده شكيمة فرس النوحيات الفارسية بعد أن أجاد أطوارها وتعلم حركات لفظها ومخرجات تامورة صدره من اللفظ الفارسي العذب فرفع سبابته مخاطبا جمهور المؤبنين وهو يلوك اللفظ الفارسي تلويكا ويلعب به كما من يلعب بحبات السبحة بيده.
علمه ماستر حسن والآباء ممن أجادوا الفارسية لتعدد أوجه ثقافتهم فصدع ب
ان نعش که صد پاره شده نعش حسین است
آی وای حسین آست
و
ان علم از کیست کی بی صاحبه
ان علم ازماه بنی هاشم است
وجبریل بر نعشی حسین
خاک بر سر میکونت
وعشرات النوحيات التي خاض غمار إلقائها في الأوساط الإجتماعية المختلفة في سور اللواتية أو خارجه.
فوجدناه وهو يخترق صفوف العزاء المتجه نحو مأتم العجم في مناسبات مختلفة ويأخذ جانبا مع المتصدين للإلقاء وليلة وفاة الرسول صلى الله عليه وآله إحدى هذه المناسبات.
ولمع نجمه ويكاد يكون هو الأشهر ممن صدع في نوحيات الحلقة ( البوشهرية ) فمن يناساه في الدمستانية؟
كما وكيف يغيب صوت حنجرته الملعلعة في حماسياته في
بافغان گفته زینب محزون
او
ان سر پر زخون ببن کنار مصطفی
جسم شریفش بزمین سرش بنیزها
او
شاه دین آززین برزمین آمد
أو
أي شاه دين گوفتی به زینب الوداع الوداع
و إذا بحثنا عن حناجر الطف في المآتم ومع انتهاء المصرع الحسيني فأين نحن من ماستر حسن وتلميذه الذي تبوأ مكانته على الأعواد ومع
زينب تبكي تنادي ذبح الشمر حسين
زينب تبكي تنادي خلي ياشمر حسين
إلى أن يصل
فتك العصفور بالصقر فيا للعجب
ذبح الشمر حسينا غيرة الله اغضبي
فتهتز معه الجدران وترتج من صداه الأرض وتسيل معه المحاجر .
قبل سنتين إلتقيته في كربلاء في مثل هذه الأيام وقد وجدته وقد أخذ منه الشحوب مأخذا وأنهكنته الأيام والهزال قد ظهر على محياه.
سألته إن كان يستعد للنوحيات فقال أود المشاركة ولو حبوا.
فأنا عند الحسين .
تركته وأنا قد توقعت منه المشاركة الرمزية لكنني وهنا الحيرة وجدته في الحضرة الحسينية يشارك الطاقم الطبي في علاج مرضى السكر والضغط ويستخدم مهاراته القديمة في التطبيب والعلاج فهالني أمره.
ومع ساعات العصر ليوم العاشر ونحن قد خرجنا لتونا من عزاء
الطويريج وأقمنا بعد ذلك عزاء لأهل عمان مابين الحضرتين لنتفاجأ بصوت مألوف عرفناه منذ نعومة أظفارنا وعلى وقع النوحية ذات الونة العراقية
تمسك بلحسين من جور الدهر
والماتم اسچب دمعة العين
حتى إذا قرب من العزاء البوشهري المقام
سمعناه يردد
دارت عليه اربع فرگ عدوان سووه نیشان
ظل مفرد احسین مکسور الظهر
حیران باطفال ونساوین
فإذا نحن أمام معولات من وراء العزاء بين ناحيات وباكيات وعند مرقد الشهيد الحسين عليه السلام والصوت لعلي تاوا والباكيات من كل بلاد الأرض لاسيما من أهل العراق.
واستمر العزاء حتى وصلنا للتل الزينبي وهنا فقد ختمنا العزاء ب
زينب تنادي ياجد طه
هذا حسين فوق ثراها
هذا حسين فوق الوهاد والرأس منه فوق الصعاد
ملقى طريحا ياأم عريان
والأهل جمعا شيخا وشبان
تذكرت حينذاك الصوت الحسيني الآخر للحاج أمين رمضان وهو يرفع سماعته في ساحة بدروه في عصرية عاشوراء حتى انتهى به الزمن فخلٌف ممن حفظوا عنه الإرث الحسيني الطاهر.
رحم الله علي عبدالحسين محمد علي تاوا وأسكنه الجنة وحشره مع محمد وآله الأطهار ونحن نعيش ذكرى الحسين عليه السلام هذه الأيام المباركة.