Image Not Found

مستقبل التعاون التجاري العماني السوري

د. حيدر بن عبدالرضا داوود – عُمان

في الوقت الذي تحمل فيه اليد السورية سلاحا لتنظيف ما تبقى من خراب في أرضها من جرائم الارهابيين والدخلاء في آخر بؤر الصراع لإستعادة مدينة أدلب بأكلمها، تطلق اليد السورية الاخرى جهودها لإعادة وبناء الاقتصاد المحلي الذي تأثر بسبب هذه الحرب التي فرضت على سوريا الشقيقة منذ عام 2011 من قبل العصابات الدولية المدعومة من قبل إسرائيل وأمريكا وبعض الدول العربية والأجنبية بجانب الذين أغرتهم حياة الترفيه والعيش في الفنادق الفاخرة.

هذه الحرب المفروضة بالطبع أدت إلى تراجع كبير في مسيرة البنية الاقتصادية المحلية التي أسستها سورية خلال العقود الخمسة الماضية ومنها القطاع الصناعي. ورغم ذلك لم تتوقف الحكومة السورية عن دعم اقتصادها من خلال مختلف الفعاليات ومنها الاستمرار في تنظيم فعاليات معرض دمشق الدولي. والدورة الجديدة لفعاليات هذا المعرض الدولي الذي سيتم افتتاحه يوم الاربعاء المقبل بمشاركة عدد كبير من الشركات العالمية، ومنها مشاركة كبيرة من الشركات العمانية العاملة في مجالات التجارة والتصنيع والخدمات والسياحة والتدريب، في الوقت الذي يصادف فيه وجود أكبر وفد تجاري عماني لغرفة تجارة وصناعة عمان يضم في عضويته 40 من رجال الاعمال العمانيين وممثلي الشركات العمانية لتلبية الدعوة الكريمة من الحكومة السورية وغرف التجارة والصناعة السورية.

البيانات التي أعدتها دائرة البحوث والدراسات الاقتصادية بغرفة تجارة وصناعة عمان تشير إلى أن أرقام التجارة الخارجية بين البلدين تذبذبت خلال السنوات الخمس الماضية (2012-2017) بعد نشوب الصراعات والحرب على سوريا، حيث كانت قيمة الواردات العمانية من سوريا في عام 2012 قد بلغت 1.818 مليون ريال عماني مقابل صادرات عمانية بلغت قيمتها 11.486 مليون ريال عماني، بينما تراجعت هذه الارقام لتصل قيمة الورادرات العمانية عام 2017 إلى حوالي 964 ألف ريال عماني، فيما بلغت قيمة الصادرات العمانية إلى سوريا خلال نفس العام 2.388 مليون ريال عماني. وبالتالي تراجع صافي الميزان التجاري بين السلطنة وسوريا من 9.668 مليون ريال عماني في عام 2012 إلى 1.424 مليون ريال عماني في عام 2017 لصالح السلطنة، وذلك نتيجة لتراجع معدلات النمو التجاري بين البلدين بسبب عدم تمكن المنتجات السورية وكذلك اللبنانية من الوصول إلى السلطنة عن طريق البر، وكذلك كان الحال بالنسبة للمنتجات والسلع العمانية المصدرة إلى سوريا عن طريق البر، الأمر الذي شكّل تحديا في العمل التجاري بين البلدين.

ومما لاشك فيه فان احتواء المعارك في آخر بقعة سورية، وانتصار الجيش السوري البطل، بجانب النشاط السياسي والاقتصادي الذي يقوم به المسؤولون السوريون من خلال بعثاتهم الدبلوماسية وممثلي الشركات السورية مع دول العالم، يؤدى إلى نجاحهم في استقطاب الشركات الاجنبية. ففي نشاط معرض دمشق الدولي لعام 2019 سوف تشارك 90 دولة بشركاتها ومؤسساتها في فعاليات المعرض، الأمر الذي سيؤدي حتما إلى نمو التبادل التجاري والاقتصادي مع دول العالم مرة أخرى، فيما من المتوقع أن تشهد العلاقات التجارية والاقتصادية بين السلطنة وسوريا تطورات إيجابية خلال السنوات المقبلة من خلال هذه المشاركات والزيارات الرسمية، بجانب تسيير الوفود التجارية والاقتصادية إلى سوريا في مختلف المجالات المتاحة خلال المرحلة المقبلة.

إن النظرة السريعة لبعض المؤشرات الاقتصادية السورية تشير إلى أن إجمالي حجم الاستثمارات في المشاريع المشتركة بين البلدين في السلطنة حتى عام 2016 بلغ 22.427 مليون ريال عماني منها 11.468 مليون ريال عبارة عن المساهمة السورية وبنسبة 51%، فيما النسبة الباقية للعمانيين. وقد تم استثمار هذه المبالغ في حوالي 122 شركة تعمل في مجالات التجارة والانشاءات والنقل والخدمات والصناعة والعقارات والمال والسياحة. وأن العدد الاكبر من هذا الشركات تعمل في مجال التجارة بواقع 73 تليها الشركات العاملة في مجال الانشاءات بواقع 22 شركة ثم بقية الشركات الأخرى.

إن سوريا التي تبلغ مساحتها 185180 كيلو متر مربع تمتلك الكثير من الموارد الطبيعية في البر والبحر، حيث تبلغ نسبة مساحة الارض الزراعية المستغلة لديها أكثر من 25% لزراعة المحاصيل الدائمة، وهناك فرص كبيرة للمستثمرين في تعزيز مشاريعهم في هذه القطاعات، في الوقت الذي يزيد فيه عدد سكان في سوريا عن 18.5 مليون نسمة، يمتلكون الكثير من المهن التي تحتاج إليها المشاريع في المجالات الصناعية والزراعية والرعي وغيرها. ويقدر حجم العمالة في البلاد بحوالي 5.5 مليون شخص يزدادون بمقدار 200 ألف شخص سنويًا.

والكل يعلم بأن الاقتصاد السوري تأثر منذ نشوب الحرب المفروضة عليها، حيث بلغت نسبة الانكماش الاقتصادي حوالي 20%، فقد كانت سوريا نشطة في تصدير منتجاتها إلى مختلف دول العالم قبل الحرب بحيث بلغت قيمة الصادرات السوريّة عام 2010 حوالي 10.5 مليار دولار نصفها تقريبًا إلى الأقطار العربية، وحوالي 30% إلى دول الاتحاد الأوروبي، بجانب الدول الاخرى من بينها كوريا الجنوبية والصين والولايات المتحدة الإمريكية. أما وارداتها في ذلك العام فقد بلغت قيمتها 15 مليار دولار منها 16% من الدول العربية على رأسها مصر والسعودية وربعها من دول الاتحاد الأوروبي، إلا أن هذه المعدلات تراجعت نتيجة لشدة العقوبات الاقتصادية التي فرضت عليها.

وقد توقعت مجلة الايكونوميست من خلال دراسة اقتصادية أن يحقق الاقتصاد السوري قفزة مفاجئة في معدل النمو ليبلغ 9.9% خلال العام الحالي 2019، ليتصدر قائمة معدلات النمو وهو الأسرع. ووفقا لبعض خبراء السوريين فان نظرتهم الايجابية تتوافق تجاه هذه النسبة لآفاق الاقتصاد السوري خلال المرحلة المقبلة نتيجة لطبيعة هذا الاقتصاد وتنوعه وما يتسم به من ديناميكية، إضافة للسياسات والإجراءات التي عملت وتعمل عليها الحكومة لاستعادة النشاط الاقتصادي بحيوية. وهذا ما يؤكده وزير الاقتصاد والتجارة الخارجية السوري، موضحا أن المهم في هذه التوقعات والتقديرات هو التحول الجذري في طريقة نظر العالم الخارجي إلى الاقتصاد السوري، من كونه اقتصاداً يعاني من آثار الحرب المدمرة إلى كونه الاقتصاد الذي دخل مرحلة التعافي بقوة وتسارع. ويرى المسؤولون في سوريا أن الأهم حالياً هو وجود القناعة لدى أصحاب الشأن الاقتصادي والمؤثرين في قرارات الاقتصاد والاستثمار بأن أداء الاقتصاد السوري سيكون الأفضل عالمياً عام 2019 على صعيد مؤشر النمو، وهو الاقتصاد الذي استطاع أن يصمد رغم الأضرار الكبيرة التي أصابته طوال ما يقارب ثماني سنوات. والكل على اتفاق أن أي اقتصاد بعد الحرب تزداد معدلات نموه، وأن ما ذهبت إليه “الإيكونومست” يعتبر مؤشرا سياسيا على بداية نهاية الحرب على سوريا، ولا يستبعد بعض الخبراء أن يكون النمو أعلى مما توقعته الصحيفة البريطانية، مع كل خطوة تتحرر فيها الارض السورية من دنس العملاء.

لقد شهد الاقتصاد السوري استقرارا نسبيا قبل الاحداث التي شهدتها، إذ بلغ معدل النمو السنوي للناتج المحلي الإجمالي نحو 5%، فيما وصل إجمالي الناتج المحلي للفرد إلى 2,835 دولارا، ما يماثل نظيره في مصر والمغرب. فيما تحتل الزراعة مكانة مركزية تمثل 19% من إجمالي الناتج المحلي وتسهم في تشغيل 26% من مجموع السكان قبل بداية الحرب، فيما تسيّر الدولة بعض القطاعات الاقتصادية الهامة ومنها صناعة النفط التي تراجعت معدلاته بسبب الحرب. وجميع تلك القطاعات بجانب خطوط الغاز وشبكات نقل الكهرباء والطرق والقطاع العقاري تضررت من جراء ذلك وتحتاج إلى إعادة البناء والتاهيل. وأن إنهاء العقوبات المفروضة على سوريا من قبل الامم المتحدة ستعزز عمليات إنعاش الاقتصاد السوري وإعادة تصليح القطاعات المتضررة من خلال تعزيز رؤوس الأموال العربية والاجنبية مع الدول التي ظلت محايدة في هذه الحرب العبثية وعملت على دعم توجهات الحكومة السورية، الأمر الذي يعطي فرصة كبيرة للدول الصديقة ومنها السلطنة للدخول في إعادة إعمار سوريا.