د. حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
لم تتوقف الولايات المتحدة الامريكية والدول الاوروبية وروسيا وغيرها من الدول الأخرى في العالم الغربي عن بيع أسلحتها للمنطقة خلال العقود الخمسة الماضية بدلاً من أن تقوم بتعزيز الأوجه التنموية التي تحتاج إليها المنطقة من خلال توفير مجالات المعرفة، وتعزيز المنطقة بالخبرات والصناعات التي تحتاج إليها في القطاعات الصناعية والزراعية والسمكية والطاقة المتجددة وغيرها.
فهذه المجالات التي يجب على الغرب ودول المنطقة التفكير بها لتعزيز أوجه التنمية الحديثة لتتمكن دول المنطقة من مواكبة التطورات الصناعية التي تحدث في العالم، وبالتالي تتمكن من تشغيل العاطلين والباحثين عن العمل الذين يمثلون قوى بشرية واقتصادية مركونة.
اليوم نرى أن الموازنات العسكرية لدول المنطقة تفوق أضعاف قيمة الموازنات المخصصة للوزارات والمؤسسات الخدمية ولمجالات البحث والعلوم والتقنيات، ولبرامج تأهيل وتدريب الكوادر الوطنية. فملايين من الدولارات تذهب إلى الشركات الغربية والأجنبية التي تصنع الأسلحة المتطورة لمواجهة الحروب المصطنعة والحروب القائمة بالوكالة في المنطقة سنويا، الأمر الذي أدى إلى الضعف في الموازنات السنوية، والصرف من الصناديق السيادية، والحصول على القروض الدولية، ناهيك عن عدم تمكن المؤسسات الحكومية والقطاع الخاص من تشغيل الكوادر الوطنية الذين يتزايد عددهم سنويا من خريجي الجامعات، والذين ينتظرون في الطوابير للحصول على فرصة العمل لهم في أوطانهم.
معهد ستوكهولم لأبحاث السلام «سيبري» SIPRI يشير في تقاريره حول مبيعات الأسلحة في العالم أن واردات الأسلحة إلى دول منطقة الشرق الأوسط زادت بنسبة 87% خلال الفترة بين 2014 و2018، وهي الفترة التي تراجعت فيها اسعار النفط بصورة كبيرة مقارنة بأسعار منتصف عام 2014، فيما تصدرت الولايات المتحدة الأمريكية في إرسال أكثر من ثلث الأسلحة العالمية خلال السنوات الخمس الماضية، مما يعزز دورها كأكبر بائع أسلحة في العالم. والمنطقة الخليجية تأتي في مقدمة الدول المستوردة لهذه الأسلحة، فقد احتلت السعودية صدارة قائمة أكبر مستوردي السلاح في العالم خلال الفترة بين 2014 و2018 إذ استوردت أسلحة ومعدات عسكرية خلال الفترة المذكورة بنسبة 12% من إجمالي الأسلحة المصدرة للعالم أجمع، وفق بيانات التقرير. وقد صدّرت أمريكا أسلحة إلى 98 بلدًا على الأقل في السنوات الخمس الماضية، شملت أسلحة متقدمة كطائرات قتالية، وصواريخ باليستية وكروز قصيرة المدى، وأعداد هائلة من القنابل الموجهة. أما الهند فقد جاءت في المرتبة الثانية بمشتريات بلغت نسبتها 9.5% من إجمالي الأسلحة المباعة في العالم خلال تلك الفترة نفسها، ثم مصر بنسبة 5.1%، تليها أستراليا بمشتريات بلغت نسبتها 4.6%، بينما جاءت الجزائر في المرتبة الخامسة بمشتريات نسبتها 4.4%.
ونتيجة لهذا السباق المحموم في بيع الاسلحة، نرى أن روسيا تمكنت من إزاحة بريطانيا من المركز الثاني كأكبر منتج للأسلحة في العالم بعد أمريكا مؤخرا وفق إحصاءات جديدة أظهرت تأثير «الأسلحة المستقبلية» في التفوق الروسي. فتقرير صحيفة «صن» البريطانية نقلا عن معهد أبحاث السلام (سيبري) يفيد بأن مبيعات شركات الأسلحة الروسية مجتمعة بلغت 36.5 مليار دولار في عام 2017 ، بزيادة قدرها 8.5 %عن العام السابق، حيث بلغت نسبتها 9.5% من إجمالي مبيعات السلاح في العالم والمقدّر بنحو 393 مليار دولار، فيما بلغت مبيعات أسلحة بريطانيا نحو 35.6 مليار دولار خلال نفس العام وفرنسا بقيمة 20.7 مليار دولار. أما جميع تلك الدول المنتجة للسلاح فلا يمكن منافستها مع أمريكا التي صدّرت بقيمة 224 مليار دولار عام 2017، وبنسبة 57% من إجمالي إجمالي تجارة الأسلحة في العالم. ويفيد معهد ستوكهولم بأن الصين دخلت في مجال مبيعات الاسلحة، إلا أن قيمة المبيعات غير موثوقة من قبل الشركات الصينية، حيث أظهر التقرير ارتفاع عدد الدول المستوردة للأسلحة الصينية، حيث وصل عددها خلال السنوات الخمس الماضية إلى 53 بلدًا، مقارنة بـ41 في السنوات الخمس التي سبقتها، و32 بلدًا في الفترة بين 2004- 2008، وحافظت باكستان على مكانتها كمستورد رئيسي للأسلحة الصينية، حيث تتلقى لوحدها 37% من إجمالي مبيعات الأسلحة الصينية منذ 1991. ووفق التقرير ظلت الصين سادس أكبر مستورد للأسلحة في العالم خلال السنوات الخمس الماضية. أما تركيا فقد زادت مبيعات شركات الأسلحة لديها إلى المنطقة بجانب الاسلحة المصطنعة بكوريا الجنوبية واسرائيل التي زادت نسبها بنحو 170% و94%، و60%على التوالي، خلال السنوات العشر الماضية.
إن مبيعات الأسلحة إلى المنطقة ودول الشرق الأوسط في زيادة مستمرة حيث يفيد معهد أبحاث السلام (سيبري)، أن واردات الأسلحة زادت بنسبة 87 %خلال السنوات العشر الماضية، مشكلة ما نسبته 35% من حجم تجارة السلاح في العالم خلال السنوات الخمس الماضية، مظهراً التقرير زيادة في واردات الأسلحة إلى كل من إسرائيل، والعراق، وقطر والجزائر وغيرها، بينما هناك طلب كبير على الأسلحة المصنعة في أمريكا وبريطانيا وفرنسا من منطقة الخليج نتيجة للحروب المستعرة والصراعات والتوترات القائمة بها، فيما زادت الأسلحة المصدرة من قبل روسيا وفرنسا وألمانيا خلال السنوات الخمس الماضية.
ونتيجة للخروقات التي تحصل في مجال حقوق الانسان، والحروب المشتعلة في المنطقة وسقوط الضحايا من المدنيين، فقد قررت بعض الدول تعليق مبيعاتها للمنطقة، حيث قررت ألمانيا، على سبيل المثال تعليق بيعها للأسلحة لبعض دول مجلس التعاون الخليجي، وحظر بيع الاسلحة التي كانت برلين قد وافقت على بيعها سابقا.
وعموما فإن الدول العربية استأثرت بنحو 35% من إجمالي مبيعات السلاح حول العالم خلال السنوات 2014-2018، إذ زادت مبيعات الأسلحة خلال هذه الفترة بنسبة 7.8% مقارنة بـ2009–2013 وفق بيانات معهد ستوكهولم لأبحاث السلام (سيبري). مقابل هذه الزيادة في واردات الأسلحة إلى الدول العربية، نجد هناك تراجعا في واردات الأسلحة خلال السنوات الـ10 الماضية في الأمريكيتين بنسبة 36%، وفي أوروبا بنسبة 13%، وافريقيا بنسبة 6.5%. وهناك اليوم عدة دول مستوردة للسلاح إلى دول المنطقة والعالم تشمل خمس هي الهند، وأستراليا، والصين، وكوريا الجنوبية، وفيتنام.
اليوم تظل قضايا التسليح وتطوير القدرات العسكرية من اهم القضايا على أجندة الدول وخاصة في المنطقة التي تعاني من ويلات الحروب منذ أكثر من 100 عام وزادت تلك الحروب نتيجة لقيام دولة إسرائيل التي أوجدها الغرب بالتعاون مع الولايات المتحدة الأمريكية. وفي ظل هذه القضية تفاقمت المشكلات والأزمات السياسية والاقتصادية في المنطقة، الأمر الذي تطلب الدخول في حروب متتالية وعدم افساح المجال لتقوية البنية العلمية والتنموية والتعليمية في المنطقة، وتخلفت القطاعات الاقتصادية والاجتماعية والصناعية والتقنية في المنطقة، في الوقت الذي ما زالت تتجاوز ميزانيات الدفاع في بعض دول المنطقة عن 50% من إجمالي قيمة الموازنات المالية السنوية مقابل 12% إلى 15% في دول أخرى، في الوقت الذي تمر فيه المنطقة بميزانيات مالية تتسم بالضعف نتيجة لتراجع أسعار النفط العالمية منذ منتصف عام 2014 ، مع استمرار الحروب العبثية في المنطقة.
إن الحروب التي تشهدها المنطقة دفعت الشعوب الغربية باجراء ضغوط شعبية متزايدة على حكوماتها في الدول الغربية مصدرة للسلاح بشأن حظر تصدير السلاح إلى الدول المتورطة في تلك الحروب، إلا أن بعض حكومات هذه الدول لا تظهر أي استعداد للتجاوب مع تلك الضغوط، ومنها أمريكا وبريطانيا، وتعتبر الحفاظ على الوظائف ودعم صناعات السلاح وتكنولوجيا الدفاع أولوية تتصدر جدول أعمالها أكثر من الالتزام الأخلاقي الذي يدعو إليه المجتمع. والموضوع يحتاج إلى ضغوط أكبر لاجراء تغيير جذري في سياسات هذه الدول التي تتعلق بمبيعات السلاح إلى الدول المتسببة في الحروب خلال السنوات المقبلة.