حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
[email protected] –
منذ صدور المرسوم السلطاني السامي رقم (26/2018) لتأسيس مركز عمان للتحكيم التجاري، عكفت غرفة تجارة وصناعة عمان على تنظيم الأمور المتعلقة بهذا المركز والالتزامات التي تقع على بيت التجار باعتبار أن تأسيس هذا المركز يقع ضمن مسؤوليات الغرفة، على أن يتمتع المركز بالشخصية الاعتبارية والاستقلال المالي والإداري. فالخلية التي كونتها الغرفة صَبت جلّ اهتمامها خلال الفترة الماضية على إصدار نظام عمل المركز، فيما تتطلب المرحلة المقبلة تشكيل مجلس الإدارة للمركز، وانتخاب الرئيس بالإضافة إلى تشكيل اللجان الدائمة والمؤقتة، وكل ما يهم المركز من إعداد اللوائح والنظم، ومن ثم فتح باب تسجيل المحكمين والخبراء لاختيارهم وفق كفاءاتهم وخبراتهم في الأعمال المطلوب التحكيم فيها. ولقد تم طرح جميع هذه القضايا في المؤتمر الصحفي الذي عقد مؤخرا تحت رعاية سعادة قيس بن محمد اليوسف رئيس مجلس إدارة الغرفة وأعضاء اللجنة المشكلة لنظام المركز.
لقد أصبح التحكيم اليوم وسيلة مهمة لحل المنازعات التجارية التي تحدث على مستوى المؤسسات أو الأفراد داخل الدول أو خارجها. كما أنه مطلب ضرورة للأطراف المتخاصمة سواء أكانت ذلك دول أو مؤسسات أو أفراد، لأن الجميع يتطلعون إلى تسوية نزاعاتهم عبر الوسيلة المناسبة وسرعة حسمها للمنازعات في الوقت المناسب بدلا من الاستمرار في طول إجراءات التقاضي أمام المحاكم الأخرى. وترى غرفة تجارة وصناعة عمان أن وجود مثل هذا المركز في البلاد يعد نقلة نوعية في مسيرة تحديث المنظومة القانونية، وسيدعم البيئة التشريعية والاستثمارية في البلاد، ويعمل على تعزيز ثقة المستثمرين وأصحاب الأعمال في مختلف الأعمال التجارية، وعلى استقطاب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال المحلية والإقليمية والعالمية إلى السلطنة، وبالتالي توفير مزيد من فرص العمل للمواطنين وتحقيق الرخاء الاقتصادي والاجتماعي والبشري في البلاد. ويؤكد الخبراء في هذا الجانب على أن التحكيم التجاري الدولي لم يعد مجرد نظام استثنائي لمنافسة العدالة التي تؤديها الدول، بل أصبح نظام بديل عن القضاء العادي لما يتميز به هذا القضاء الخاص (التحكيم) في حل المنازعات الناتجة عن العلاقات الاقتصادية أو منازعات العقود التي تنشأ بين الأفراد والمؤسسات أو تلك التي تبرمها الحكومات مع الأشخاص سواء داخل نفس الدولة أوخارجها. فالأطراف المتعاملة على صعيد التجارة، تفضّل أحيانا اللجوء إلى التحكيم كبديل عن القضاء العادي وذلك كونه يتميز بالسرية والسرعة والخصوصية في اتخاذ الإجراءات والبت في المنازعات المعروضة عليه في وقت قصير، مع الاحتفاظ بهذه السرية لكي لا تمس نتائج هذه القرارات أعمال المؤسسات والمراكز المالية أو الاقتصادية والأطراف الداخلة في تلك القضايا. ومن خلال هذه المراكز يتمتع الأطراف المتنازعة باختيار نوع التحكيم الذي يهم أعمالها، وكذلك في اختيار مكان انعقاده واختيار الخبراء المختصين، وتحديد المدة التي يتعين أن تنهى فيها المنازعات وغيرها من الأمور الأخرى. وهذه الأساليب جميعها تمثّل ضمانة مهمة لحل المنازعات الناشئة بين الأطراف المتعاقدة بالسرعة المطلوبة، كما أنها تساعد في تشجيع الاستثمار أيضا.
إن تأسيس مركز عمان للتحكيم التجاري يأتي استكمالا للبنية القضائية والتحكيمية في البلاد، ويمثّل حلقة أخرى للأنظمة والتشريعات لتحسين بيئة الأعمال والتنافسية بجانب حلّ المنازعات التجارية بين المؤسسات والشركات ورجال الأعمال بسرعة وبسرية تامة، الأمر الذي سوف يعزز بدوره من ثقة المستثمرين وأصحاب الأعمال، ويساهم في استقطاب المزيد من الاستثمارات ورؤوس الأموال. كما أن إنشاءه يمثّل ضرورة للحياة الاقتصادية، ويمثل بديلا لطرح القضايا والمنازعات وتسهيل الأمور، خاصة وأن مراكز التحكيم في أي مكان في العالم هدفها توفير الخدمات لأطراف النزاع، وتخصيص مكان للجلسات وتوفير خدمات الاتصالات والترجمة والمداولات، بجانب أنها تعمل على ترويج خدمات الدول في جذب المزيد من الاستثمارات، ومن خلالها يمكن تأهيل الكوادر ليصبحوا محكمين دوليين، بالإضافة إلى قيامها بتنظيم الفعاليات والمؤتمرات والندوات والتدريب وغيرها من الأمور التي تهم المتقاضين. فوجود مركز متخصص سوف يعمل على تقديم الخدمات الضرورية تجاه القضايا المعروضة أمامه من خدمات التحكيم والوساطة والتوفيق، بجانب تقديم الاستشارات والخدمات، ونشر ثقافة تسوية المنازعات التجارية، والتعاون مع مراكز التحكيم والجهات ذات الاختصاص، الأمر الذي سوف يعجّل من تسوية المنازعات التجارية القائمة بين الأطراف.
لقد سبق لغرفة تجارة وصناعة عمان والجهات المعنية الأخرى بالبلاد أن نظمت بعض الأمور المتعلقة بهذا المركز خلال الأشهر الماضية. وأكدت إحدى حلقات العمل بهذا الخصوص إلى أن التحكيم في السلطنة شهد على مدار السنين المنصرمة تطورا بالغا، وأن وجود مركز متخصص لفض المنازعات التجارية سوف يعزز من الأنشطة التجارية والاقتصادية، خاصة وأن السلطنة مقبلة على تدشين رؤيتها المستقبلية (عمان 2040)، الأمر الذي يكسب اليوم أهمية متزايدة وكبيرة من جهة دوره في تسوية المنازعات التجارية والاقتصادية، ويجسّد اهتمام السلطنة على مواكبة النمو المطرد في أعمال وأنشطة التجارة الدولية التي تعتمد على العديد من المصالح التي تربط المؤسسات التجارية والمصرفية والتأمينية والخدمية والنقل وغيرها، وما ينتج عنها مزيد من الالتزامات والحقوق لمختلف الأطراف الداخلة في هذه الأنشطة.
إن مثل هذه المراكز في العالم تتميز في عملها عن بقية المؤسسات التي تعمل في هذا الجانب من حيث توفير عدد من التسهيلات التي تناسب أعمال المؤسسات التجارية، واتباعها لقواعد التحكيم العادلة وسرعة البت في اتخاذ القرارات. كما أنها تعطي الحرية للأطراف بحل المنازعات من خلال محكم فرد أو عدة أشخاص تجاه المسائل التجارية والمصرفية والمالية والعقود وغيرها. فهناك عدة مراكز تحكيم تجارية عالمية معروفة في العالم منها CIA وLCIA، وعلى الأطراف أن تتحمل المصاريف الباهظة للمحامين والخبراء وغيرهم في حال الذهاب إلى التحكيم من خلال هذه المراكز، كما أن قراراتها تعتبر قرارات نهائية عند صدورها من قبل المحكمين وغير ممكن استئنافها. وتتسم هذه المراكز بالسرية في المواضيع التي تقوم بتداولها، وفي حال صدور الحكم من بعض تلك المراكز وفق معاهدة نيويورك، فعلى السلطات المحلية التعامل مع تلك القرارات وكأنها أحكاما محلية، خاصة من قبل الدول الأعضاء في مثل هذه المعاهدات.
المرحلة المقبلة تتطلب إيجاد المحكمين والخبراء المختصين في مختلف القطاعات التي تحتكم إلى هذا المركز في حال نشوب الخلافات التجارية بسبب ندرة عدد المتخصصين لدينا حاليا في بعض القطاعات كالطرق والاتصالات وقطاعات الكهرباء والمياه والطاقة وغيرها، وبحيث يكونوا معتمدين في مجالات متخصصة وفق احتياجات المتقاضين، وضرورة تمتعهم بالسمعة الطيبة والمهنية والموضوعية، والبعد عن الفساد، والمحايدة في القضايا المعروضة أمامهم. فهذه جميعها سوف تزيد من الإقبال على هذا المركز مع ضرورة الالتزام بتقديم خدمات ممتازة لتكتسب السمعة الطيبة. فهذا أمر من جانب الأهمية لتعزيز ثقة المستثمرين وأصحاب الأعمال للتقاضي أمام هذا المركز مستقبلا.
إن جميع المؤسسات المعنية في البلاد تعمل على تشجيع مؤسسات القطاع الخاص وتعزيز جهوده ليساهم في تنمية الاقتصاد الوطني، وإيجاد الوسائل الكفيلة لدعم قدرات قطاعي التجارة والصناعة من خلال تطوير وإعداد السياسات العامة والدراسات والتشريعات اللازمة وتنفيذها بشكل فعال، بجانب العمل على توجيه الاستثمار الأجنبي بما يتفق مع الخطط الاستراتيجية لإنعاش الحركة الاقتصادية، والاستمرار في العمل على تنمية وتطوير العلاقات في تلك المجالات وتطوير وتفعيل مجالات التعاون مع المنظمات والمؤسسات الإقليمية والدولية. ومن هذا المنطلق فإن وجود مركز عمان للتحكيم التجاري سوف يعزز من المنظومة القضائية، بجانب تعزيز الثقة والطمأنينة في مجال المعاملات التجارية والاقتصادية والمالية بين المؤسسات ورجال الأعمال، خاصة في حال نشوب خلافات تجارية فيما بينهم.