مصطفى علي داود اللواتي
زينت مطرح بالزينة البهيجة وبالبالونات الملونة ؛ ونصبت الاقواس من سعف النخيل ورفعت لافتات التهاني من حارة الشمال الى عقبة الريام مرورا بباب الطويان وخوربمبا ؛ ورغم الحرارة الملتهبة فقد ازدحمت الشوارع والميادين بجموع الناس وتوجهت مع أول شعاع الشمس زرافات زرافات الى مطار بيت الفلج لتشهد ولادة جديدة لعمان .
اعلام حمراء ترفرف بالفرحة وتتمايل مع الهواء ؛ دموع ممزوجة تنسال على الخدود احداها لحزن مضى والاخرى لفرح ات ؛ الحناجر تصدع : ينصرك الله ياقابوس … نحن جنودك ياقابوس . الحماس يشتعل بين الشباب فيمضي مهرولا : بلادي بلدي بلادي .. لك حبي وفؤادي
وفي حارة الطويان كانت الفرحة تعانق الجميع ؛ بيوت السعف قد سدت أبوابها بالنساء ؛ والاطفال تتفاوت أعمارهم وقفوا امام بيوتهم ؛ البعض كان يرتدي الدشداشة على اللحم والاخر كان حافي القدمين يلوحون ببرائتهم وقد ضجت الحارة بهتافاتهم الملائكية : مرحبا مرحبا سيدي قابوس .
وقرب بيت الفلج شاهدنا أفواج من الجموع المتدفقة زاحفة نحو المطار جاءت من كل فج عميق ؛ و صادفنا كذلك موكبين أحدهما قادم من جبرو لراكبي الدراجات وقد زخرفت بالورق الملون ؛ والاخر كان يتكون من قافلة طويلة من راكبي الحمير ؛ وهتافاتهم تملأ الافاق وزغاريدهم تشق الفضاء ؛ وخلفهم تشكلت سحابة ترابيه كانها طاووس مزركش يتبختر .
وفي معسكر بيت الفلج كانت العصافير المنتشره بين أشجاره تشاركنا الفرحة بتغريدها ؛ و تتراقص على نغماتها أوراق الاشجار؛ ارتوينا من نبعه وملأنا من مياهه القرب ؛ وشاهدت بعض الاوروبيين يلتقطون الصور الفوتوغرافيه لهذا العرس الكبير .
وعند منتصف النهار وصلنا المطار ؛ و كان المطار مكتظا بالامواج البشرية المتلاطمة ؛ والشمس المتوهجة ترسل شهبها الحارقة ؛ العرق يتصبب غزيرا ؛ وقد جفت القرب وطلب الناس الماء من الاحواض القريبة التي تسقى منها الحمير والبغال فلم يجدوه ؛ ورغم العطش والقيظ تشبثت هذه الحشود الكبيرة في أماكنها لاستقبال سلطانهم .
وبعد العصر بقليل ظهر وميض لؤلؤي في السماء من الناحية الجنوبية حينها اشتعل المطار حماسا ورفرفت مئات الاعلام وجلجلت الزغاريد والهتافات ؛ وصدعت المزامير والطبول ؛ وعانق المحتشدون بعضهم البعض ؛ وحلقت قلوب العشاق بلا أجنحة أضناها الحنين لمعانقة الحبيب القريب الى القلب والروح .