حيدر بن عبدالرضا اللواتي – عُمان
بالرغم من الهدوء الذي أعقب إعلان الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والصيني شي جينبينغ هدنة بشأن الخلاف التجاري بين البلدين في قمة العشرين التي عقدت بمدينة أوساكا اليابانية مؤخراً، إلا أن الاتفاق النهائي لم يوقع بينهما، وهذا ما يوجد القلق العالمي، ويدعو وزارة التجارة الصينية للمطالبة بإلغاء الرسوم الجمركية الأمريكية المفروضة على الصين من أجل إنهاء هذه الحرب التجارية القائمة بينهما منذ مارس عام 2018. كما يرى المسؤولون في الصين ان زيادة الرسوم الجمركية على الصادرات الصينية من قبل أمريكا تعتبر نقطة انطلاق التوترات الاقتصادية والتجارية بين البلدين، مشيرين إلى أنه إذا تمكن الطرفان من التوصل لاتفاق، فإنه يتعين إلغاء الرسوم المفروضة بالكامل، مؤكدين أن موقف الصين تجاه ذلك واضح وثابت.
المفاوضات بين البلدين في هذا الشأن انهارت في شهر مايو الماضي بعد اتهام أمريكا للصين بالتنصل من التزاماتها، فيما تبادلت الدولتان فرض رسوم جمركية على ما تصل قيمته إلى 360 مليار دولار خلال الفترة القريبة الماضية، في حين أن بادرة حل هذا الخلاف وإحياء المحادثات تم في اليابان مؤخرا في قمة العشرين بعد لقاء الزعيمين الأمريكي والصيني. وقد أعقب ذلك تصريح للرئيس الأمريكي مشيرا فيه إلى أنه لن يفرض رسوما جديدة على السلع الصينية، ولافتا إلى أنه سيتخذ موقفا أكثر ليونة من هواوي التي أدرجها على القائمة السوداء.
ويرى الخبراء في العالم أن عدم وصول الصين وأمريكا إلى اتفاق ملزم ومحدد المدة بينهما لا يطمئن العالم وكذلك التجارة والاستثمار العالمي، كما لا يطمئن أسواق الأسهم العالمية. وهذه القضايا تحتاج إلى من يقوم بوضع حد للحرب التجارية والسياسات الحمائية التي فرضتها أمريكا على الصين في وجود منظمة التجارة العالمية التي تعنى بهذه القضايا، في الوقت الذي يشترك فيه كلا البلدين في عضوية هذه المنظمة. فيما يرى خبراء آخرون أن أسباب التوتر الاقتصادي القائم في الكيانات العالمية، يعزى إلى العولمة غير المدروسة وإلى القرارات التي تصدرها بعض اقتصادات الدول أحادية الجانب، وكذلك الرسوم الجمركية الباهظة التي تؤدي إلى إرهاق إنتاجيات الكتل الاقتصادية الضخمة كتلك التي تحصل بين أمريكا والصين والهند واليابان والمكسيك وغيرها، فيما نرى الحلول المطروحة لا تؤدي إلى تنشيط التجارة العالمية إن لم تكن السبب في خفق الأسواق المالية العالمية والمبادلات التجارية بين دول العالم. وبجانب هذه القضايا فإن التوترات السياسية، بالإضافة إلى قضايا التغير المناخي، والتقنيات السريعة G5 وغيرها من القضايا الاقتصادية والاجتماعية الاخرى تؤثر جميعها على الحركة الصناعية والمبادلات التجارية والاستثمارات العالمية، الأمر الذي يؤدي إلى حصول خلافات بين الدول والتكتلات الاقتصادية العالمية وإلى نتائج سلبية على الأسواق المالية.
إن العالم يحرص اليوم على أن يكون له دور واضح ومؤثر في أي اتفاق تجاري عالمي وفي الجهود الدولية الرامية لتحقيق الاستقرار الاقتصادي العالمي، الأمر الذي سيحقق مزيدا من الأهداف التنموية التي تسعى إليها الدول وفق بيانات الأمم المتحدة فيما يتعلق بالتنمية المستدامة، وبالتالي تشجيع النمو القوي والمتوازن لتحقيق مزيد من النماء لجميع دول العالم.
إن اتفاق الولايات المتحدة والصين على استئناف المفاوضات التجارية من المحتم أنه يخفف حدة الخلاف الاقتصادي الممتد بينهما، حيث إن من التأثيرات السلبية لهذا الخلاف هو تباطؤ الاقتصاد العالمي، وتراجع قيمة الصادرات والواردات بين دول العالم الكبيرة، وغياب التعاون بين الشركات العالمية للمنتجات التقنية والتكنولوجية والسيارات والمعدات الضخمة وغيرها. فأمريكا والصين على سبيل المثال تعتبران أكبر اقتصادين في العالم، وأن استمرار الحرب التجارية تؤدي إلى تدمير الاقتصادات لهما ولغيرها من الدول الأخرى، الأمر الذي يتطلب احترام قضايا الملكية الفكرية والأسرار التجارية وإصلاح جميع الأعمال التجارية التي تؤدي إلى نشوب الحمائية في العالم.
المسؤولون في الصين يرون بأن لدى الصين والولايات المتحدة مصالح متكاملة ومناطق تعاون واسعة، ويجب ألا يقعا فيما يسمى بفخاخ الصراع والمواجهة. وقد أكد على ذلك أيضا وزراء المالية وحكام المصارف المركزية في دول مجموعة العشرين في بيانهم الختامي مشيرين إلى المخاطر التي يواجهها نمو الاقتصاد العالمي مع تكثف التوترات التجارية، الأمر الذي يتطلب إنهاء هذه الخلافات بين أمريكا والدول الأخرى الأعضاء في المجموعة، باعتبار أن الحل يؤدي إلى استقرار النمو العالمي وحدوث انتعاش طفيف في الاقتصاد العالمي في العام المقبل 2020. فالعالم يعمل اليوم على تجنب أي عوائق قد تؤدي إلى زيادة الرسوم الجمركية فيما بين دوله، وأن أي نزاع تجاري غير مقنن بين دولتين يؤدي إلى إضرار النمو الاقتصادي العالمي، ويقلص من النمو العالمي، وتآكل ثقة الأسواق المالية، وبالتالي يؤثر على حياة الأفراد اليومية وفرص عملهم في المؤسسات.
ففي حالة أمريكا والصين والحرب التجارية بينهما، تشير بعض الدراسات الأكاديمية إلى أن الشركات الأمريكية والمستهلكين دفعوا تقريبا التكلفة الكاملة للرسوم الجمركية التي فرضتها أمريكا على الواردات من الصين، ومن غيرها من دول العالم في العام الماضي، بدءا من الصلب، وحتى الغسالات، حيث كلفت الشركات الأمريكية والمستهلكين 3 مليارات دولار في الشهر في صورة تكاليف ضريبية إضافية، ناهيك على الخسائر التي نتجت عن انخفاض الطلب بواقع 1.4 مليار دولار. وهناك العديد من المؤسسات التي كانت ضحية لهذه الحرب ومنهم المزارعون، فيما قللت الكثير من الشركات توجهها نحو دول أخرى بالاستيراد منها باعتبار أن التغيير لوجهة أخرى يتطلب وقتا طويلا، ويكلف الأمر مزيدا من الأموال في نهاية المطاف، بالإضافة إلى ذلك أن الصين تمثّل قوة تصنيعية كبرى في العالم، ويصغر أمامها أقرب منافسيها، الأمر الذي يؤكد بأنه ليس من السهل استبدالها في الأسواق. ولقد سبق لرؤساء أمريكيين سابقين أن مارسوا نفس السياسة تجاه الصين. ففي عام 2009 فرض الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، رسوما جمركية بنسبة 35% على إطارات السيارات الصينية، حيث كان يرى أن ارتفاع الواردات من هذه السلع يؤدي إلى فقدان بعض الوظائف في أمريكا، ولكن بينت بحوثا أكاديمية أجريت في عام 2012 إلى أن المستهلكين الأمريكيين هم الذين تكبدوا الخسائر نتيجة ارتفاع أسعار الإطارات وبواقع 1.1 مليار دولار عام 2011. كما أن الأموال الإضافية التي أنفقها المستهلكون أدت إلى تخفيض إنفاقهم على بضائع التجزئة، وأفضى هذا إلى تخفيض نسبة البطالة في صناعات التجزئة.
إن المرحلة المقبلة تتطلب وجود أرضية تفاهم بين الدول في جميع قضاياها لتحقيق النمو الإيجابي لها وللعالم. وهذه المساعي تتطلب سد جميع الثغرات التي تواجه الشركات والمؤسسات التكنولوجية والإنتاجية في العالم، إلى جانب وضع سياسات وأسس تؤدي إلى خفض مدفوعات الضرائب على الشركات لكي تتمكن من طرح مزيد من فرص العمل وتعزيز الإنتاجية لها، عكس ما تراه بعض الدول من أن الحمائية ستجلب لخزائنها مليارات من الدولارات، ناسين بأن المستهلك المحلي هو الذي سيدفع أية زيادة في قيمة المنتج والسلعة.
إن الحرب التجارية بين دول مثل أمريكا والصين ربما تدفع الأخيرة الجلوس إلى طاولة المفاوضات، ولكن لا يتوقع منها أن تقدم تنازلات كبيرة بالرغم من الوجع الذي تسببه هذه الحرب، ولكن الصينيين ليسوا حريصين على تغيير القوانين لديهم. فهذه القضايا تتعلق بالقدرة القانونية لدى الصينيين، فلديها قوانين مختلفة حيث إن بعض شركاتها مملوكة للدولة، ولها قوانين خاصة بحقوق الملكية الفكرية، والأسواق وكيفية الحفاظ على حماية العمال وحماية البيئة.