Image Not Found

العصامية الجديدة

تماضر صادق – المسار

كنا نسمع من الجيل الذي سبقنا عن فكرة العصامية، وكيف أن الإنسان يعتمد على نفسه، ويفعل المستحيل من أجل تحقيق ما يصبو إليه، وعند التوغل قليلاً في المتطلبات التي تعينه على تحقيق ذلك، وجدنا أن الأدوات بسيطة ومقدور عليها، كانت العزيمة والإصرار وتعلم حرفة هي المفتاح، ومع الوقت تنبني الكثير من القناعات، وتزداد التجربة لدى الفرد، وبالتالي يصبح بعد سنوات طوال قد اقترب من الحلم، وصارت له سمعة جيدة في المجال الذي يعمل فيه.

تلك العصامية الفطرية المبنية على أسس بسيطة، والمنفتحة على بيئة محدودة وصغيرة، لم تكن تتطلب جهدا كبيرا، ولذلك كان تحقيق النجاح عبر الخبرة والتعود والسمعة المتناقلة عبر الأفواه، كفيلة بتحقيق تلك الأمنيات الصغيرة، التي لم تتعد بيتا صغيرا وأسرة صغيرة ودخلا يؤمّن قوت العيش والستر.

ولكن في زمننا المعاصر اختلف مفهوم العصامية عمّا كان عليه في سابق الزمن، من خلال ما نراه حاليا، وما سمعنا عنه سابقا، والسبب هو تغير قانون العيش والحياة، واختفاء مفاهيم البساطة، وتعقد مفهوم الحلم الذي يقود الإنسان إلى بناء شخصيته وعالمه المستقل، من واقع التحولات الكبيرة التي حصلت بسبب طبيعة الحياة الحديثة، ونمو المجتمعات واتساعها، بالتوازي مع نمو الخيارات وتعددها ، وطبيعة التنافس في إطار تحقيق الأحلام الشخصية في الحياة.

العصامية الجديدة في جوهرها لا تختلف عن سابقتها، وهي تحقيق ما يصبو إليه الإنسان، ولكن اختلفت تفاصيل أخرى، فالأسواق تعددت، والظروف الإنتاجية تمايزت عن سابقتها الزمنية، على الرغم من أن المكان واحد، وصارت الطرق الحديثة للتعاطي مع العصامية هي التعلم، والحصول على ملكات شخصية، وتجارب جديدة، والانخراط في مضامين جديدة، كل ذلك يمكن أن يلهمنا صورة مغايرة عن الطريقة التي يتم بها تحقيق العصامية، وهي العصامية الجديدة.

من أجل هذه العصامية، يتطلب من المرء أن يكون متعلما، وملما بالتحولات في الحياة، والعمل بأدوات المرحلة ، والغوص في متطلباتها وأدواتها، والبناء على مهارات تتطلب مستويات علمية خاصة، فالسمسرة على سبيل المثال في الزمن السابق كانت بسيطة، والنسب معقولة، وطرق التوصيل تقليدية بحتة، والوسيط يمكنه التنقل بين صاحب المنتج والمشتري بأريحية، من خلال الثقة المتبادلة، على عكس ما نحن عليه الآن، فالسمسرة تحولت من مكتبية إلى إلكترونية، وبدلا من مشاهدة المنتج مباشرة يمكن رؤيته عبر الصور الثابتة او المتحركة بنظام الفيديو أو الـ 3D ، ويمكن البيع والشراء عن بعد، وفي الوقت ذاته يمكن أن يكون هناك أكثر من وسيط على السلعة الواحدة، ومن السهل ضياع النسب والحقوق والوسطاء، وهذا في حد ذاته تحول في بنية العلاقات بين المتعاملين، من خلال تسويق منتج ما على سبيل المثال.

التعاطي مع مفهوم العصامية الجديدة يتطلب مهارات خاصة، وأدوات محددة، ورؤية واسعة، وذكاء ملفتا للتعاطي مع مختلف الشرائح التي تتبادل المنتج الواحد، سواء كان مباشرا أو إلكترونيا، وهذه سمة الحياة المعاصرة، خاصة في ظل وجود أسواق إلكترونية متعددة وواسعة، وهو المسار الأسهل للعصامية في الزمن المعاصر، إذا ما قارناها بالزمن السابق.

الغرض هنا من كل ذلك هو أن الناس لا تعتمد على السبل والوسائل التقليدية للبحث عن لقمة العيش وتحقيق مستويات حياة متدرجة، خصوصا في ظل عدم وجود رأس مال يتناسب مع البداية القوية في الأعمال التجارية، ولكن يمكن كسر هذا كله، من خلال اتساع مساحة الخيارات ، واتساع رقعة البيئة المستقبلة لمختلف جهود العصامية ، وتعدد مداخل هذا النوع من أحلام تحقيق الذات، والتنافس في بيئة العمل، وتحقيق استقلالية مالية وذاتية، وتخفيف العبء المالي على المعيل.

وختاماً فإن العصامية الجديدة ليست نظرية، بل هي واقع متحقق.