مُحمد بن رضا اللواتي – الرؤية
أعترفُ بأني لم أكن أمتلك قدرا كافيا من المعلومات عن دور الجمعيات الخيرية في السلطنة، وما تقوم به من أعمال حيوية مذهلة، إلى أن وجدت نفسي مع ممثلي 18 جمعية عمانية بين خيرية وثقافية، يتحدَّثون عن مهامهم والجهود التي يبذلونها لأجل تحقيق رسالتهم؛ وذلك في أمسية أقامتها مؤسسة الحبيب العقارية لأجل دعم ورعاية هذه الجمعيات المتنوعة كُلفته أتت على هيئة لم نعهدها إلا نادرا، وتماما كما وصفها الزميل الدكتور صالح الفهدي في كلمته التحفيزية؛ فالعادة جرت أن تقوم هذه الجمعيات بطرق الأبواب لأجل طلب الرعاية والمعونة والدعم، ولكن تلك الأمسية قدمت نموذجا معاكسا تماما؛ فالمؤسسة راعية الحفل هي التي طلبت من تلك الجمعيات الحضور لأجل أن تنال حقها من الدعم والاهتمام والرعاية.
ولنا أن نتصوَّر حجم تلك الجهود التي تُبذل تطوعا وبلا مقابل، فإذا كان عدد المعاقين بصريا فقط في السلطنة في حدود 21 ألف مواطن، فما حجم الجهود التي ينبغي أن تُبذل لخدمة أولئك المكفوفين؟
حاليًا، أكثر من ألف متطوع يعملون على دعم ومساندة أعمال هذه الجمعية -جمعية النور للمكفوفين- التي توفر حتى التعليم لهم. وقد بلغت أنشطتها من التقدم والنجاح في دمج المكفوف بالمجتمع ومنحه أكبر قدر ممكن من الحياة الطبيعية أن أقامت لهم دوري في كُرة القدم، بدعم من مؤسسة رائدة، لتكون الأول من نوعها في السلطنة.
وتُعد الإعاقات البصرية من أبسط أنواع الإعاقات، فما بالك بأعقدها؟
لنأخذ إعاقة التوحُّد مثلا؛ فالطفل المعاق من الممكن أن يتواجد في أي بيت، ومن المعلوم أن التوحد يجعل من الطفل ينزوي تماما عن المجتمع ما لم تقم جهود مخلصة بإعادة دمجه ومساعدته على التغلب على الزجاج البلوري الذي يعيقه.
تعمل الجمعية العمانية للتوحد على مُجابهة عزلة الطفل المصاب بأحدث الأساليب -بعض الإحصائيات تشير إلى أنَّ عددهم يشارف على الـ8 آلاف طفل في السلطنة- فتعين الأسر على تفهم الإعاقة وكيفية التعامل معها، وفي سبيل ذلك تقيم العديد من الورش والتدريبات التي يقيمها مختصون بما فيهم فرق سيكولوجية لتضع كل خبراتها في إعادة طفل التوحد إلى المجتمع.
هذا، فضلا عن الأنشطة التي تُعد خصيصا لهم، من قبيل الفروسية والسباحة…وغيرها. بل وبذلت الجمعية جهودا مضنية لإرسال مجموعة من أطفال التوحد مع عائلاتهم إلى الولايات المتجدة لحضور برنامج ريادي يسمى Son Rise؛ حقق نجاحات مذهلة في مجال إعانة الطفل المصاب للسيطرة على إعاقته.. أليست هذه الجهود في حاجة لرعاة وداعمين؟
من الجمعيات التي تحدَّثت في تلك الأمسية عن أعمالها وبرامجها: الجمعية العمانية للسرطان؛ ويُعد سرطان الثدي أشد الأنواع انتشارا في السلطنة؛ حيث تقدم الجمعية مساعدات لأجل التشخيص المبكر، كما للجمعية برنامج خاص يُعرف بمشروع دار الحنان لرعاية الأطفال المصابين بالسرطان، ويستفيد 20 ألف مصاب من خدمات الجمعية التطوعية.
كما كان لمبادرة “فك كُربة” حضور في الأمسية، وكان لوقع المعلومات التي تُليت على الحضور اندهاش كبير؛ فالذين يدخلون خلف القضبان الحديدية منهم من يعوزهم 60 ريالا فقط ليفكوا عن أنفسهم هذه الكُربة، إلا أنهم لا يجدونها متوفرة!
هل هذا معقول؟ الإجابة وبكل حزم هي: بالتأكيد نعم. والحلول الجوهرية بالطبع تكمن في إصلاح أضلاع التنمية المستدامة وأولها التعليم كما نعرف جميعا.
تعمل المبادرة على فك كُربة هؤلاء، وفي الواقع فإنها تفك كُربة ثلاث جهات: المساجين، الغارمون وأسرهم، وكذلك المدعي صاحب الحق.
كان لجميعة الرحمة أيضا حضور في الأمسية لتحظى بالتكريم الذي تستحقه.. إنهم يعيلون 7 آلاف أسرة تعيش تحت خط الفقر، كما يرعون ألفي يتيم.
ما أروع الأهداف النبيلة التي تُحرك جهود هذه الجمعيات.
إنَّها تعمل على التقليل من حجم التأثر النفسي للمعاق (الفقير يُعد أيضا معاقا اقتصاديا) الذي إن لم يجد دعما فسوف تبتلعه الهموم النفسية نتيجة الحرمان من الاندماج الطبيعي مع المجتمع، وقد تنتج عنه مآزق معقدة للغاية.
تحية من القلب لهذه الجهود، وتحية لتلك الأيادي البيضاء التي لا تكف عن الدعم والمساندة والرعاية.. قال تعالى: “لَّيْسَ الْبِرَّ أَن تُوَلُّوا وُجُوهَكُمْ قِبَلَ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ وَلَٰكِنَّ الْبِرَّ مَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالْكِتَابِ وَالنَّبِيِّينَ وَآتَى الْمَالَ عَلَى حُبِّهِ ذَوِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينَ وَابْنَ السَّبِيلِ وَالسَّائِلِينَ وَفِي الرِّقَابِ وَأَقَامَ الصَّلَاةَ وَآتَى الزَّكَاةَ وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا وَالصَّابِرِينَ فِي الْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ وَحِينَ الْبَأْسِ أُولَئِكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ”.