Image Not Found

المرأة بين أصالة الطهارة وإفراط التمرد وتفريط التخلف (1) و (۲)

الشيخ هلال بن حسن اللواتي

“1”

كمال الجمال يكمن في طهارة الإنسان، وفي مظهر المرأة الطاهرة، ولكن قلما نجد من يفهم حقيقة الجمال الكامن في روح المرأة، ولغلية المال والسلطة سيقت المرأة قهرا إلى ساحة الابتزاز، وإلى سلب تلك الطهارة منها، لتحولها سلعة لملء حسابات أصحاب رؤوس الأموال، فما الفرق بين العهد الجاهلي الأول الذي كان يغتال الفتاة بوأدها في التراب، فيقتل بدنها وروحها ونفسها ومستقبلها، وبين العهد الجاهلي المعاصر الذي يغتال الفتاة بوأدها في الانسلاخ من إنسانيتها، وبقتل مبادئها في رذيلة الإفراط والتفريط، فيقتل روحها العملاقة، ونفسها الطاهرة، ومستقبلها السعيد، وجمالها الحقيقي، وبهجتها البهية؟!.

فهل ما يحدث من الخروج عن صراط التعامل مع المرأة عن عمد وسبق وترصد، أم عن جهل مرکب وعمى مسيطر؟!، وهل لزيادة الأرباح ورؤوس الأموال لذة إلى درجة يفقد فيها المرء إنسانيته، فيغتال طهارتها، ويقتل طاقتها الإيجابية، أجل إنه لأمر مستغرب من هذا الإنسان التعيس الذي يبين سعادته على حساب سعادة الآخرين، ويرفع هامته في المجتمع البشري على أجساد ضحاياه، ويقضي على كرامة المرأة ليشعر نفسه بأنه ذو كرامة ، ويضحك ويلهو بنفس لا تبالي ببكاء الأيامي ولا لأنين المرأة المسلوب حقها، المهتوك سترها، المكشوف خدرها.

إننا إن نظرنا إلى واقع المرأة وعبر التاريخ البشري فبالكاد أن نجد زمانا أعطى حقها الذي تستحقه ذاتها الشفافة، وتتطلب نفسها الحساسة، مما يؤسف له وضعها في موضع تندي له الجبين خجلا، وتدمع العيون لها حزنا، ويتألم عليها القلب أذى ، فكانت لا تعرف المرأة إلا للجنس، وفي هذا الشأن أيضا كانت بعض الشعوب وما زالت تغطى بدنها بقماش وتترك فتحة فيها للمقارية كي لا يلامس بدن الرجل بدن المرأة!، فلأي علة ؟!، ووصل ببعض الشعوب الأخرى كانت تضعها ضمن سلعة للتقاضي والتعامل التجاري وكانت هناك شعوب أخرى تفرض عليها العمل البيتي وما زالت الكثير من الشعوب متأثرة بهذا، وشعوب أخرى، وللقضاء على كثير من المظاهر والعادات الشعوبية التي أجحفت بحق المرأة وفي المرأة نفسها قامت بما لم يقم به غيرها من الشعوب من إطلاق نداء الحرية، فوضعت المرأة في واجهة المحلات التجارية بارزة مفاتنها لترويج سلعة تجارية، ووضعت صورتها، وهي في حالات غير محتشمة على أغلفة المجلات لجذب الزبائن، وقدمتها في المحافل الدولية لتقوية العلاقات الدبلوماسية، فما اختلف المضمون عن حاله الشعوبي السابق، وظلت المرأة على حالها، وظلت مأساتها يشهد عليها التأريخ، وتبصم على مظاهرها المخزية البشرية، فهل حال المرأة هو هذا ؟!، وهل تفهمت المرأة حقيقة ذاتها؟!، وهل تستطيع أن تشعر أن هناك تعاملا مع ذاتها بنحو لا ينسجم مع تركيبتها الوجودية؟!، وهل هي ملتفتة إلى عدم ملائمة ما يدعي حول حريتها مع تصميمها الخلقي؟!، وهل أخذت طاقاتها الكامنة فيها بصراطيتها دون إفراط ولا تفريط؟!، وهل علمت أن الذي يضع لها برامج ومشاريع تنموية أو تطويرية أو تجميلية بل وحتى الوظيفية واقف على احتياجاتها الذاتية التي تنشأ من صميم تركيبتها الوجودية أم غير واقف؟!، أجل إن التساؤلات كثيرة جدا، ولا يمكن طرحها كلها هنا إلا أن ما طرح منها كاف في تنبيه الذهن إلى ما تحمله البشرية من قدرات في فهم الساحات المختلفة المتعلقة بها وبذاتها وبما حولها، إن ما هو بديهي وعقلي ووجداني هو أن الذي يريد أن يكون في موقع إداري أو قيادي أن يكون واقفا على حقيقة ما يتعامل معه كي يتسنى له وضع ما ينبغي وضعه لأجل إنجاح المشاريع الحضارية، ومثل هذه الحقيقة لا تحتاج إلى براهين عقلية ولا إلى وضع معادلات رياضية أجل ونقولها بضرس قاطع إن الإنسان ما زال في مقام الطفل الصغير الذي يحاول الوقوف على قدميه معتمدا على كرة غافلا عن أنها متحركة وستسقطه على وجهه ، لأن الاعتماد على شيء متحرك يستدعي معرفته جديا کي لا يؤدي به إلى ما لا تحمد عواقبه.

إن ما نقف عليه اليوم من بعد ذلك التطور المذهل في كثير من المجالات الحياتية وعلى مستويات عديدة جدا، يؤكد علينا أن الاكتشاف المذهل يتضمن أيضا الجهل بحقيقته، وهذا بذاته أثر على طبيعة الحياة بشكل سلبي، وبدلا من الاستفادة مما حولنا من المواد الطبيعية والكائنات المختلفة التي يمكن أن تفيد لبناء حياة الإنسان سعيدة كان الفساد قرينها، والخراب حليفها، والدمار خليلها، قال تعالى، “ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون” (الروم/ 41)، فإن من أهم ما يؤدي إلى الفساد هو التعامل مع الشيء على خلاف احتياجاته الذاتية وعلى غير ما عليه تركيبته الوجودية، إذ صحيح أن صناعة المكيفات تعد أمرا جميلا ورائعا ومذهلا إلا أن البشرية غفلت عن تأثير الغازات الخارجة منها على الغلاف الجوي ، فهل عد هذا العمل بعد علمنا بخطورته من الصناعات النافعة أم من الصناعات الضارة؟!، ولا نشكك في النوايا حاشا، إلا أن غاية ما يمكن أن يقال إن هذا العمل قد صار في غفلة من الإنسان عن تأثيره على ما حوله، وهذه الغفلة منشؤها الجهل، وهو أمر طبيعي فيه.

“2”

من أهم المواضيع التي عنيت باهتمام خاص، وكثر الحديث عنها، وبالخصوص في عصرنا وتحديدا بعد سقوط السجن ، باستيل ، وإعلان الثورة على قيود وأسر وسلطة الكنيسة ورجالاتها هو موضوع المرأة ، وما يتعلق بحقوقها ومنزلتها في المجتمع ، ولا يزال الموضوع محل تداول بين الأفراد والجماعات، تتبادل فيه الاتهامات تارة والنقد البناء تارة أخرى، غير أن الموضوع أخذ منحى وطابعا متأثرا بخلفيات بيئية وقبلية وتراثية أكثر من أخذه لمنحى موضوعي، ولطابع واقعي، وكما نعلم جيدا أنه لا يوجد حوار إلا وهو محتاج ومفتقر إلى “أصول موضوعية”، و “معايير ثابتة” “مرجعية” التي يعبر عنها ب”الحق المطلق”، وإلا فإن انعدام اصل مرجعي يرجع إليه المتخاصمان يوجب زعزعة الاطمئنان في أية نتيجة يتوصل إليها الفرد والمجتمع، بل ويؤدي إلى طعنه بالانحياز وعدم الموضوعية، وبالتالي يؤدي إلى شعور المرء بالغبن ووقوعه ضحية تآمر.

إن الأصل الموضوعي ، إذا وجد فإنه يحقق حياة حضارية يطمئن إليها الإنسان، إذ يرجع إليه في كل وقت يرى الاختلاف بين أطراف الحوار، فعلم الإنسان الوجداني باستحالة التناقض، وأن أحد الطرفين على صواب والأخر على خطأ ليؤكد على ضرورة وجود معيار فاصل بينهما، وإلا فإنه لا يتعقل تصويب هذا وتخطئة ذاك من دون وجود معیار مصوب ومخطئ، وإن هذا الأمر وجداني وعقلي بل وعرفي أيضا، وقد تسالم عليه العقلاء، وأصحاب الوجدان السليم، لذا لن نخوض في إثبات المطلب ذاته، فأصله بدهي، وواقعيته ضرورية، نعم نتفق على الاختلاف الواقع بين الناس في تحديد ذلك “الحق المطلق”، و «الأصل الموضوعي»، و “المعيار الثابت”، وهذا بحث آخر.

إن موضوع حقوق المرأة ومنزلتها من المواضيع التي كثر الحديث عنها، وبمقدار کترة الحديث فيه كثر الاختلاف بين متناوليه الى درجة التباين والتناقض، وأظن بحسب نظري القاصر أن المشكلة الأساسية في تعدد الآراء والاتجاهات في هذا الموضوع تكمن في الخلط بين ثلاثة عناصر أساسية في عملية الحوار وعدم استيضاحها لدى أطراف النزاع بشكل صريح قبل الدخول في الحوار والنقاش، وهذه العناصر هي:

العنصر الأول: الرؤية، العنصر الثاني التطبيق والآلية لتفعيل العنصر الأول، العنصر الثالث: الواقع المعاش.

فأما على مستوى العنصر الأول فإن الرؤية الكونية للعالم والوجود لها الأثر الكبير في مرحلة التشخيص النظري في الموضوع، وكان هذا عاملا مهما في حدوث الاتفاق وفي نشوء الاختلاف بين وجهات النظر، ما أدى إلى انسحاب هذا الأمر إلى موضوع الرؤية حول المرأة وحقوقها ومنزلتها، وأما على مستوى العنصر الثاني فأهم إشكالية تواجه هذا العنصر هو المعتمد والمستند في التطبيق، فإن هذا العنصر هو فرع العنصر الأول، وهو يمثل الأساس القاعدي للبناء الذي سيلية في عملية التفعيل والعمل والتطبيق، وهو يعتبر عنصرا مهما في البين، وكما نعلم وجدانا أن المقدمات هي التي تحدد النتائج التي تليها، فإذا لم ينته المرء في الرتبة الأولى من تحديد الرؤية للعالم والوجود والحياة فإنه من اليقين سوف يواجه عقبات لا تنتهي في تطبيقاته ، وينتهي به المطاف إلى الفشل والسقوط، ومع تحديد الرؤية يرد بحث متفرع عنه وهو: صحة الرؤية وعدمها، فإن هذا التوصيف لابد وأن يكون مطابقا للحقيقة والواقع، وبقطع النظر عن هذا التوصيف، فإنه لا يشك في كون الرؤية ستترك أثرها على السلوك الإنساني، وسيكون هذا الأثر من سنخها، لتناسب العلة والمعلول، وإذا انتهينا من اعتماد الرؤية فستبقى مرحلة لا تقل أهمية منها وهي تأتي في إثر مرحلة الاعتماد للرؤية، وهي قد تشكل حجر عثرة أمام تفعيلها في الفرد والمجتمع، وتؤدي في النتيجة إلى الفشل ، وهذه المرحلة هي مرحلة اختيار واعتماد الآلية المناسبة لإجراء العنصر الأول في الفرد والمجتمع، وخاصة فيما يتعلق بالمرأة ، فإن آلية التفعيل إذا لم تكن دقيقة فإنها سوف تسبب اختلالا في التوازن الاجتماعي ، بل قد يصل الأمر إلى التأثير على التوازن السياسي والأمني للدول ، وكما تعلم أن الآلية عادة تعتمد الأساسين الكم والكيف ، ويتخللهما البعدان “الزمكاني” ، ولا نشك أن اختيار الآلية يعتمد على دراسة الواقع المعاش، وهو من متعلقات العنصر الثالث، وأما على مستوى العنصر الثالث والذي نريده هنا فهو ملاحظة قوة الواقع، وشدته من حيث تفاعله مع التغيير من جهة ، ومن حيث ترسخ الصفات والعادات من جهة أخرى ، ونلحظ في هذا النقطة الجهة المتعلقة بدراسة المجتمع ، ومعرفته.

والذين ينتهون إلى نتائج جيدة وإيجابية في حق المرأة من حيث الحقوق والمنزلة فإنهم يواجهون أمامهم جبل الواقع الاجتماعي الذي يصعب اختراقه، وهذا بدوره يساهم في عرقلة تحقيق حقوق المرأة ومكانتها بما تستحقه.

ولن أعدو الحقيقة – ولعلك تشاركني في الرأي – إن قلت إن النزاع القائم حول المرأة يفتقر إلى وحدة الموضوع من جهة، والى الأسس والأصول الموضوعية المرجعية من جهة أخرى ، وعادة بل وغالبا ما يلاحظ على الحوار والنزاع قد اصطبغ بصبغة تراثية أو تقليدية مما يزيد من الفجوة الفكرية بين أطراف الحوار ، وهذا من شأنه أن يسد على الإنسان طريق الوصول إلى نتيجة مرضية .