د. حيدر اللواتي – لوسيل
تتزايد وتيرة التقارير السياسية والاقتصادية التي تصدر عن المنظمات الدولية بشأن الاوضاع الراهنة بدول مجلس التعاون الخليجي، وخاصة في الفترة الحالية التي تتعرض فيها المنطقة إلى صراعات دولية. ونركز هنا على الجانب الاقتصادي حيث صدر مؤخرا تقرير اقتصادي عن البنك الدولي يدعو فيه دول المجلس بضرورة تسريع وتيرة تكوين رأس المال البشري لأبناء المنطقة لمجابهة التحديات المستقبلية، واتباع استراتيجية شاملة لتحسين النواتج الصحية والتعليمية، مع العمل أيضا على الاستمرار في تنفيذ سياسة تنويع النشاط الاقتصادي الذي يمكن أن يصبح مقوما مساعدا للاستمرار في تعزيز النمو في عام 2021.
التقرير الاخير الذي يعتبر الرابع من نوعه للاوضاع الاقتصادية بالمنطقة يتوقع بأن يرتفع معدل النمو الاقتصادي إلى 2.1% في العام الجاري 2019، مقارنة بنحو 2% العام الماضي، قبل أن تتسارع وتيرته ليصل إلى 3.2% في العام المقبل 2020، ويستقر عند 2.7% في عام 2021. وهذا يعزى إلى الانتعاش الذي شهدته اقتصادات مجلس التعاون في العام الماضي نتيجة لتصاعد أسعار النفط، مما يعزز الاعتقاد بأن أوضاع الاقتصادات بالمنطقة مرتبطة بالنفط ارتباطًا لا ينفصم، حيث أدت الزيادة المطردة في أسعار النفط العالمية خلال الفترة السابقة إلى ارتفاع معدل النمو من متوسط قدره 0.2% في 2017 إلى 1.9% في 2018.
كما أن هذه التطورات النفطية أدت إلى خروج ثلاث دول خليجية هي عمان، والكويت والسعودية من دائرة الركود نتيجة لزيادة الانتاج النفطي لها في الفترة الماضية، وكذلك ارتفاع الاستثمارات الرأسمالية لها، وذلك بفضل زيادة العائدات النفطية وارتفاع الطلب المحلي، الأمر الذي أدى إلى تحقيق هذا الانتعاش في وقت شهد فيه تباطؤاً في النمو الاقتصادي العالمي نتيجة لتصاعد النزاعات التجارية بين أمريكا والصين. فهذا النزاع يمكن أن يشهد تطورات جديدة خلال الاعوام المقبلة في ضوء قرار ترامب الأخير بزيادة الرسوم الجمركية على سلع ومنتجات صينية تبلغ قيمتها 200 مليار دولار، وهو ما يترك آثارا سلبية على بقية الاقتصادات العالمية ومنها اقتصادات دول مجلس التعاون الخليجي. فمع عدم الاستقرار الذي يشهده آفاق الاقتصاد العالمي، يتوقع التقرير أن يؤدي تباطؤ النمو في الاقتصادات المتقدمة والصين إلى تخفيض سعر النفط، الأمر الذي سينعكس سلبا على الاقتصادت الخليجية خلال السنوات المقبلة.
إن تحسن أسعار النفط العالمية يؤدي دوما إلى تحسن بنود الموازنات المالية العامة والمعاملات الخارجية لدول المجلس، الأمر الذي ينتج عنه أيضا تقدّما في تعبئة الإيرادات غير النفطية في بعض دول المنطقة، وتخفيض العجز في ماليتها العامة، مع زيادة إنفاقها على بعض البنود والمشاريع. إلا اننا نرى في الوقت نفسه وجود تحديات ماثلة أمام الجميع في المنطقة، وتتمثل في ضرورة إعطاء أولوية لتحقيق تنويع النشاط الاقتصادي، وفي ضبط أوضاع المالية العامة من خلال زيادة الرسوم والضرائب، والانفتاح على التجارة والاستثمار الأجنبي المباشر، بجانب إجراء إصلاحات في سوق العمل من أجل زيادة معدلات التشغيل لمواطني دول المجلس، وبخطى سريعة لبلوغ التطلعات والطموحات وتحقيق نمو أكثر مرونة وقدرة على مجابهة الصدمات. فايجاد الوظائف يمثل تحديا كبيراً تواجهه دول المنطقة، الأمر الذي يتطلب تعزيز مهارات أبنائها، ودفعها للعمل في مؤسسات القطاع الخاص.