الشيخ هلال بن حسن اللواتي
وبقليل من التأمل فيها ستنتهي إلى تشخيص أمر مهم جدا وهو: أن ما يتمتع به هذا الكائن والمخلوق من عناصر وجوده كحركات وسكنات وقايليات واستعدادات وتقنين، وأن هذه العناصر هي التي تقوم شخصيته الواقعية، وبها يتكامل تكوينه الوجودي، وهي غير دخيلة عليه بحيث يمكن سلبها عنه ويبقى بعد ذلك السلب ذلك الكائن أو المخلق بل إنها متأصلة في صميم تركيبتها الوجودية، وهذا ما يجعلها في موقع الحاجة إليها احتياجا ذاتية لزوميا.
فإذا انتهينا إلى أن العلقة بين العناصر التكاملية المقومة وبين الكائن والمخلوق هي علقة وجودية ذاتية لزومية وغير قابلة للسلخ أو الانسلاخ ففي هذه الحالة يكون لسان حالها هو: أن تلكم العناصر (حق) لازم لي، ولا يجوز سلبه عني، وهذا يعني أنه (حق) من حقوقه الذاتية لأن لازم سلبه الإخلال بالنظام الطبيعي القائم عليه.
إذن .. فإن منشأ هذا الحق لهذه الكائنات والمخلوقات هو: (طبيعة خلقتها التي أوجدها خالقها فيها)، فافهم، وتأمل جيدا، فلو أردنا أن تقوم بعمل ما سواء أكان هذا العمل على مستوى الطبيعة الأرضية أو كان على مستوى الطبيعة الكونية فلابد من ملاحظة النظام الوجودي الذي يربطها، ويقوم وجودها الذاتي، وينظر إلى احتياجاته ومتطلباتها.
وبعد هذه المعرفة تنتقل المرحلة بنا إلى التعامل معها وفق هذا الاحتياج الذاتي التكويني، وإلا فمع عدم معرفة هذه الطبيعة وذلك النظام الوجودي لن يعطي الكائن حقه اللازم له، وبذلك يكون العامل فيها غير منصف معها نصفا عدلا، وهو مساوق لسلب الحق لذلك الكائن والعلاقة بين (عدم المعرفة) وبين الوقوع في (عدم اعطاء ذي حق حقه) لأمر بديهي، وهو ما تسالم عليه العقلاء، وإثباته موکول إلى محله، وهو خارج عن محل كلامنا الآن.
وهنا سوف يقودنا الكلام إلى معرفة التعامل مع الكائن، إذ لا بد من الأخذ بعين الاعتبار اللحاظات التي يكون فيها هذا الكائن، والذي منه هذا الإنسان، ولهذه اللحافظات تأثيرا على التعامل معه على المستوى النظري وعلى المستوى العملي، ويمكننا تقسيم التعامل مع الإنسان وكذا مع سائر الكائنات إلى قسمين أساسيين، ونذكر القارئ العزيز أن هذا كله منظور بلحاظ الاحتياج الذاتي الذي تقوم عليه شخصية كل كائن على الإطلاق، وهذان القسمين هما: القسم الأول: وهو التعامل مع الكائنات بالحاظ الفردي: ولو نظرنا إلى فرد فرد من أفراد هذه المجموعة الكونية الطبيعية سنجده ذا احتیاج خاص، وهذا النحو الخاص من الاحتياج سيفرض علينا تعاملا من الضروري أن يكون متوافقا واحتياجات هذا الفرد ومتطلباته، فالماء وتنوعه، وتكوينه الخاص يفرض علينا مجموعة من التعاملات الخاصة في حقه وسيكون هذا التعامل بلحاظ ما للماء من تنوع في نفسه، فالتعامل مع ماء البحر غير التعامل مع ماء النهر، وهكذا تتغير المعاملة حسب النوع المائي، بل ولربما تختلف المعاملة أيضا بحسب ما للماء من وزنه ويجري الحكم على التراب أيضا، إذ التراب يفرض علينا مجموعة من التعاملات الخاصة في حقه مع ملاحظة نفس اللحاظ المتقدم في الماء، وكذلك الحجر، والشجر، والزهور، والهواء الحيوانات المختلفة المتنوعة، والأسماك، والحشرات والزواحف .. إلخ، فكلها تفرض علينا نحوا من التعامل الخاص بها، فلاحظ أن التعامل الذي نتعامل وفقه مع هذه الكائنات ليس من صناعة الإنسان المستقلة الحاكمة المتقدمة المؤسسة، فهذا هو (الدور الايجادي) بل هو وفق متطلبات هذا الكائن واحتياجاته، فهذا هو (الدور التنظيمي)، حيث أن احتياجه هو الذي يفرض علينا نوعية وكيفية التعامل مع هذه الكائنات، ومنها هذا الإنسان.