Image Not Found

الشيكات المرتجعة بدول المجلس

د. حيدر اللواتي

أدت الأوضاع الاقتصادية التي نتجت عن تراجع أسعار النفط منذ منتصف عام 2014 إلى بروز بعض المشاكل للمؤسسات والشركات التجارية في المنطقة. ونتج عن ذلك أثر سلبي على التزامات بعض التجار والأفراد في القطاع الخاص الخليجي نتيجة للصعوبات المالية وتراجع الأعمال التجارية وحدوث الخسائر، فيما كان لذلك تأثير سلبي مباشر على الشيكات الصادرة من قبل الأفراد والمؤسسات بسبب عدم وجود الرصيد الكافي في الحسابات.

ونرى بأن الأجهزة المعنية في دول المجلس تعلن كل مرة عن تسجيلها للشيكات المرتجعة بدون رصيد وضخامتها بحيث تبلغ قيمها مليارات من الريالات والدراهم سنويا، الأمر الذي أدى بها إلى تطبيق أنظمة جديدة للأحكام الجزائية. فظاهرة الشيكات المرتجعة في المنطقة ظاهرة قديمة جديدة، وجميع أروقة المحاكم والسجلات المصرفية تشهد بذلك يوميا، وازديادها ينبئ بأضرار تلحق بالعديد من أصحاب الحقوق من الأفراد والمؤسسات نتيجة عدم حصولهم على المستحقات المالية لهم جراء عدم توفر أرصدة كافية مقابل الشيكات الصادرة. وهذه القضايا باتت اليوم تشكل خطراً كبيراً على المجتمع الخليجي نتيجة لضياع تلك الحقوق والإضرار بالعلاقات التجارية بين المؤسسات.

إن عدم قدرة الأشخاص على السداد والوفاء بالالتزامات المالية عليهم يؤدي إلى أن يقع العبء على الأطراف المستحقة الأخرى في حصولها على المبالغ الخاصة بهم، والتي تصبح فيما بعد ديوناً تؤثر بشكل كبير على القطاع المالي والمصرفي، والتجاري الاقتصادي في حال تراكمها بشكل عام. وكثير من دول العالم وضعت التشريعات اللازمة لمعالجة قضايا الشيكات المرتجعة باعتبارها جريمة تحمل تبعات سيئة وتؤثر سلبيا على أوضاع المجتمعات، الأمر الذي يسيء إلى سمعة الدول والمؤسسات، وتستهلك المال العام وجهود المؤسسات المعنية بمتابعة قضايا الشيكات المرتجعة، وحبس المدانين في هذه القضايا.

إن قضايا الشيكات المرتجعة بالمنطقة ليست مسألة جديدة على المجتمعات الخليجية بالرغم من استخدام جميع الدول وسائل الاتصالات الحديثة في عمليات المقاصة، وتبنيها للتقنيات الحديثة في عمليات الإيداع والسحب اليومية التي قللّت من استخدام أوراق الشيكات، إلا أن هذه الثقافة سائدة في المنطقة باستخدام الشيكات بدلا من الكبميالات والسندات. فجميع المؤسسات والشركات الخليجية المختصة في عمليات التمويل والتي تتعامل في بيع السيارات والعقارات وغيرها تتعامل في الشيكات المؤجلة، الأمر الذي أدى بالكثير من المتعاملين أن يكون لديهم حسابات جارية من أجل الحصول على دفتر الشيكات.

وهذه القضية تحتل اليوم مرتبة أولى في الجرائم في السلطنة، فبيانات الادعاء العام أشارت مؤخرا إلى أن جريمة الشيك من دون رصيد تصدرّت قائمة الجرائم العشر الأكثر حدوثاً في السلطنة خلال عام 2018 بحيث بلغ عدد قضاياه 4715 قضية تلتها القضايا الأخرى. والمجتمع الخليجي عموما يعتمد كثيرا في صرف الشيكات نتيجة للثقافة السارية لدى أفراد المجتمع والعاملين الأجانب في المؤسسات التجارية الذين يدفعون الناس بإصدار الشيكات مقابل المبيعات، أي أنهم يشاركون في هذا الجرم بإلزامهم كتابة الشيكات دون معرفتهم بحالة أوضاعهم المالية عند تقديمهم لشراء تلك المنتجات. وهناك اليوم مطالبات بأن تعي البنوك التجارية بالمنطقة هذه القضية، وألا تمنح دفاتر الشيكات إلا بعد التأكد بأن العميل لديه قدرة للوفاء بالتزاماته الشهرية تجاه البنك وشركات التمويل وغيرها من الالتزامات الأخرى.