Image Not Found

ماذا لو انتصر الفساد؟!

صادق بن حسن اللواتي*

تنكشف في المجتمعات البشرية تناقضات عديدة بين حين واخر ونسمع مقولات مختلفة قد تكون بعضها انتهازية وقد تكون ذات ايدلوجية عمياء فعند ما نود التحدث عن تقدم المجتمعات في ميادين الحياة وتطورها وفي المجالات التنموية المختلفة فان الحديث عن التأخر والتخلف إن صح التعبير لهذه المجتمعات تأتي ضمن رؤى متعددة يرجع الباحثون بعضها إلى التيارات الدينية وبعضها بوجود الفئات المحتكرة في سوق المال وبعضها بوجود الغرف المغلقة في حصر التعاملات التجارية بما يمكنها في الاحتفاظ بمغانم كثيرة لنفسها.

كل هذه الملفات تقف على أرضية واحدة وهذا الذي يدفعنا الى التأمل والنظر في الحديث عن الغنائم التي دائما تستقطب أصحاب المصالح والذين يسعون وراء السلطة والعمل تحت مظلة شبكة تربط بين المنتفعين بعضهم بالبعض الآخر.

فالصورة تكون رديئة ولا نستطيع رؤيتها الا من خلال الانهيار الاجتماعي والسيطرة والهيمنة على ادارة اجهزة الدولة وكنموذج لذلك يلعب الموظفون المدنيون دورا فعالا في اغتنام الفرص والحصول على الرشى من اجل البقاء لا من اجل الحفاظ على القانون او النظام هذا الانحراف الذي ينبغي لنا ملاحظته اذا ما قررنا التحدث عن مكافحة الفساد وياتي تعيين تعريف الفساد بمعان متعددة حسب موقعه وانضوت تحت مصطلح الفساد امور تتضمن الاختلاس والابتزاز والمحسوبية وحجب الحقيقة وتعارض المصالح فقد جاء في معجم أوكسفورد الإنكليزي في تعريف الفساد بانه «انحراف أو تدمير النزاهة في أداء الوظائف العامة من خلال الرشوة والمحاباة».

من هذا التعريف نستدل ان القطاع العام يكون في خط التماس مع القطاع الخاص فكلما كان المسؤول العام له سلطة في توزيع المنفعة يكون القطاع الخاص مستعدا لدفع التكاليف من اجل الحصول على المنافع المجدية له فنحن امام عرض المرض وليس المرض بحد ذاته وفي المقابل يجتهد المصلحون في الدولة لاجتثاث الفساد وهم ليسوا معنيين بالفساد وانما باثارة التشويهية التي تقلل من كفاءة وفعالية اجهزة الدولة فإذا ما انتشر الفساد بشكل اوسع تاكدوا ان هناك خلل ما بين الدولة والمجتمع الباحثون يرجعون هذا الخلل الى عوامل متعددة اوجزها باختصار العامل السياسي وهو غياب سيادة القانون والشفافية في المسألة وهو ما نصت عليه اتفاقية الامم المتحدة لمكافحة الفساد في الفقرة الاولى « إن الدول الأطراف في هذه الاتفاقية إذ تقلقها خطورة ما يطرحه الفساد من مشاكل ومخاطر على استقرار المجتمعات وأمنها، مما يقوض مؤسسات الديمقراطية وقيمها والقيم الأخلاقية والعدالة، ويعرض التنمية المستدامة وسيادة القانون للخطر».

كما أن العامل الثقافي يتسبب بترعرع الفساد في الدوائر العامة كبيروقراطية التنظيم الاداري فالموظف العمومي حتى الان لا يدرك ثقافيا ان الدولة ملتزمة بتقديم الخدمات للافراد على النحو المطلوب دون اي مقابل غير الذي يدفعه الفرد من الرسوم المحددة مسبقا في اللوائح الداخلية لخدمات معينة لهذه الدائرة او تلك إن القانون لايقل اهمية عن السابق في استتباب الامن واسقرار المجتمعات فالتشريعات تزخر بمواد عقابية بكل صور التجريم ولكن تفسير مواد هذه التشريعات تاخذ احيانا منحى اخر بحيث يتم تجريم هنا والبراءة هناك بنفس المادة وهذا يقلل من فعالية سيادة دولة القانون فان الارض التي نقف عليها في مكافحة الفساد حينها ما هي الا رمال متحركة تاخذ ما فوقها الى ما تحتها

ان اعتماد اساليب بالية يبعدنا عن القراءة الحقيقية للاوضاع ففتح الاف الملفات في الفساد ليست مشكلة كبيرة ولكن جدية تطبيق الشرائع وارادة تنفيذها هو من يحول دون اطالة امد التجاوزات الإدارية فقد عاشت المجتمعات عقودا من الزمن في خطاب النزاهة واحترام القانون والتنظيم الاداري واصلاحه فماذا كانت النتيجة فقدان الدولة الكفاءة والقدرة على العمل بالنزاهة من جهة وفقدان المصداقية من جهة اخرى فمواجهة الحقائق مهما كانت قاسية افضل بكثير من دفن الرؤوس في الرمال التجارب اثبتت ان الضجيج لا يحدث هيبة والتاريخ لا ينخدع بالبرامج الاعلامية فان المشهد يتطلب الجرأة في اتخاذ القرارات الجذرية للاصلاح فان سنن التغيير ايضا لا تقف مكتوفة الايدي لان انتصار الفساد يعني تعقد شبكاته وتداخلها فيما بينها اكثر الامر الذي يصعب من فكها واجتثاثها ولن يبقى هناك شرعية للقانون وستنهار المجتمعات اخلاقيا وستتضاعف انتهاكات الطبقات البرجوازية وسيفرض الفساد احترامه في شعار الواعظين قال الشاعر احمد شوقي: – برز الثعلب يوما في شعار الواعظينا – فمشى في الارض يهذي ويسب الماكرينا- ويقول الحمدلله إله العالمينا – ياعباد الله توبوا فهو كهف التابينا- مخطئ من ظن يوما ان للثعلب دينا.

*كاتب وباحث في علم الاجتماع السياسي