حيدر بن عبدالرضا اللواتي
لا يخلو حديث المسؤولين عن قطاعات البيئة وضرورة حمايتها إلا بالتأكيد على ضرورة التخلص من النفايات اليومية أو الاستفادة منها في مجالات أخرى، وإدارتها بصورة اقتصادية يستفيد منها الجميع، وبطريقة لا تكون عبئا على البشر والمجتمع والدولة. هذا ما تم الحديث عنه في بعض المحاور خلال أعمال منتدى عمان البيئي الذي عقدته جريدة الرؤية بالتعاون مع وزارة البيئة والشؤون المناخية ومؤسسات القطاع الخاص مؤخرا تحت عنوان «الاقتصاد الأخضر.. مستقبل التنمية الآمن».
ومثل هذه المشاريع تكون ذات جدوى اقتصادية للمجتمع والدولة إذا ما أعدت لها الدراسات المسبقة الجيدة في هذا القطاع، مع ضرورة تنفيذ الحملات التوعوية والمهام الرقابية للجهات المعنية على هذا القطاع لضمان التزام مختلف المؤسسات والمنشآت بالقوانين البيئية، خاصة في مجتمعنا الخليجي الذي يعاني من تكدس الفضلات والتلوثات الناجمة من استخدام بعض المواد التي تستخدم بكثرة وتضر البيئة ومنها المواد البلاستيكية، وضرورة الحد من استخداماتها اليومية، مع العمل على إبداع أفكار وحلول أخرى لهذه الاستخدامات من خلال إعادة تدوير تلك النفايات وإنشاء مشاريع صناعية مستدامة من المخلفات اليومية. وكما هو معروف فان مخلفات البيئة أو النفايات أو الفضلات – كما ورد عنها في بعض الأدبيات- يعني وجود مواد زائدة وغير مرغوبة يقوم الناس برميها في القمامة أو سلات المهملات. أما إدارة المخلفات فيُقصد منه الجمع والمعالجة والتخلص منها بصورة مناسبة بحيث لا تحدث أي تأثير سلبي على البيئة والمجتمع، سواء أكانت على شكل غازات أو نفايات صلبة أو سوائل أو غيرها.
واليوم نشاهد أن هناك العديد من الدول والمنظمات في العالم تقوم بتنظيم معارض ومؤتمرات تتعلق بإدارة النفايات لتكون منصة للمهنيين والعاملين في تلك المجالات، ولتبادل الأفكار والمعلومات حول كل ما يتعلق بالنفايات وكيفية إعادة تدويرها. وقد قامت بعض الدول خلال العقود الثلاثة الماضية بتوقيع عدد من الاتفاقيات تتعلق بتلك المشاريع بالتعاون مع المؤسسات الدولية والخاصة في كيفية التعامل السليم مع النفايات، وإعادة تدويرها لتحقيق الاستفادة القصوى منها، بجانب إيجاد الحلول اللازمة لجمعها ونقلها ومعالجتها والتخلص الآمن منها بطريقة فعالة واقتصادية. ومثل هذه الجهود تهدف دائما إلى إيجاد التوازن بين التنمية الاقتصادية من جهة، وحماية البيئة المحيطة بالإنسان من جهة أخرى، وذلك في ضوء تزايد حجم النفايات المختلفة مع تزايد النمو السكاني السنوي. ففي حال تراكم هذه النفايات سواء تلك التي تنتج عن الاستخدامات المنزلية أو الصناعية أو التجارية فإن عدم معالجتها أو التخلص منها بصورة نهائية سوف يؤدي إلى تشكيل مصدر خطر يمكن أن تهدد صحة الناس، وتساعد على تكاثر البكتيريا والجراثيم والفيروسات والقوارض، الأمر الذي يمكن أن يؤدي إلى انتشار الأمراض وتفشي الأوبئة.
هذه القضايا تحتاج اليوم إلى مزيد من التوعية بأهمية إعادة تدوير النفايات، وتحميل المسؤولية البيئية والمجتمعية على الجميع بهدف الوصول إلى بيئة آمنة ونظيفة ومستدامة. وهناك اليوم العديد من التقنيات والأساليب والاستخدامات التي يمكن من خلالها اتخاذ الإجراءات الوقائية للاستفادة من النفايات. فمنطقة الشرق الأوسط عموما تشكّل فيها النفايات معدلات كبيرة، وبالتالي فإنها تمثّل أيضا فرصا متاحة لتعزيز الاستثمارات في هذا القطاع وتوفير بيئة آمنة ومستدامة للأجيال القادمة. فمعدل التكلفة السنوية للتدهور البيئي في البلدان العربية يقدر بنحو 150 مليار دولار، أي ما يعادل 9% من مجموع ناتجها المحلي الإجمالي عام 2018، خاصة وأن البلدان العربية تستهلك أكثر من ضعف كمية الموارد التي يمكن لأنظمتها الطبيعية إعادة إنتاجها وفق آراء بعض الخبراء الذين تحدثوا في هذا الشأن.
لقد تم التأكيد على مبدأ تدوير النفايات في المنتدى الأخير لما يحمل قطاع إعادة التدوير من منافع اقتصادية اجتماعية وبيئية للمجتمع، بجانب أن ذلك سوف يساعد على تعزيز الاستدامة وصون البيئة، بجانب ما يمكن لهذا القطاع ان يساهم في توفير العديد من فرص العمل الوظيفية للباحثين عن عمل، بالإضافة إلى توسيع آفاق النمو المستدام في هذا القطاع الحيوي. ويرى المهتمون بقضايا البيئة، أن هذا القطاع يقدّم فرصًا واعدة تنتظر رواد الأعمال وأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة فيما يتعلق بأنشطة إعادة التدوير، عبر تأسيس شركات متخصصة، تعمل على تدوير المخلفات، وتحقق الربحية المأمولة، وتدعم جهود تعزيز الاستدامة البيئية.
لقد دعا المنتدى الأخير للبيئة إلى ضرورة تبني تطبيقات الاقتصاد الأخضر بهدف تحقيق أهداف التنمية المستدامة، ومواصلة المشروعات التنموية المختلفة التي يمكن تأسيسها من خلال هذه القطاعات، مع مواصلة العمل وبالتوازي مع جهود حماية البيئة واتباع الممارسات وأفضل التطبيقات في هذا الشأن. كما دعا إلى ضرورة تسليط الضوء على التحديات التي قد تواجه آليات تطبيق هذا النوع من الاقتصاد. كما كان نداء وزارة البيئة والشؤون المناخية جلياً في دعوتها مؤسسات وشركات القطاع الخاص إلى تبني مبادرات تنموية في إطار المسؤولية الاجتماعية للشركات من أجل تشجيع الأفراد على الإسهام في حماية البيئة، والحد من استخدام الأكياس البلاستيكية الضارة بالبيئة، والمشاركة في عمليات إعادة التدوير، وشراء المنتجات القائمة على إعادة التدوير.
ونرى اليوم أن جهود الوزارة واضحة وملموسة في هذا الشأن حيث تعمل جاهدة على تنفيذ الحملات التوعوية للقيام بمهامها الرقابية، ولضمان التزام مختلف المؤسسات والمنشآت بالقوانين البيئية المعمول بها في السلطنة، وتشجيع إنشاء مصانع وشركات هدفها إعادة تدوير المخلفات وخاصة المواد البلاستيكية وإعادة تدوير تلك المواد. كما أنها تعمل على صون الموارد الطبيعية ضمن مسؤولياتها المتعددة، خاصة وأن السلطنة معروف عنها بتنوعها في هذا الجانب الهام، الأمر الذي يتطلب تعزيز الوعي البيئي لدى المواطنين والمقيمين، وضرورة تكاتف الجهود المشتركة لحماية البيئة ومفرداتها، والحد من الأضرار التي قد تتعرض لها بفعل الممارسات البشرية الخاطئة التي يمكن أن التوازن البيئي.
فحجم الاستثمار الأخضر العالمي قد تجاوز اليوم حاجز 21 تريليون دولار بنمو بلغ 50%، خلال السنوات الثلاث الأخيرة فقط، كما أشار إليه المهندس الدكتور محمد جمال كفافي رئيس المجلس العالمي للاقتصاد الأخضر وكبير مستشاري الصندوق العالمي للتنمية والتخطيط بالأمم المتحدة، مؤكدا أن أهميّة ذلك تأتي في أنّها تنمية اقتصادية، يضخ فيها النمو في الدخل والعمالة بواسطة استثمارات في القطاعين العام والخاص من شأنها أن تؤدي إلى تعزيز كفاءة استخدام الموارد، وخفض الملوثات ومنع تدهور النظام الإيكولوجي الذي نسعى إلى تحقيقه لتحقيق التكامل والتوازن بين الأبعاد الأربعة للتنمية المستدامة، وهي الأبعاد البيئية والاجتماعية والاقتصادية والتقنية أو الإدارية.
إن السلطنة مهتمة بالتعاون مع المنظمات الدولية في جهودها لتحقيق التنمية المستدامة من خلال العمل بالأهداف السبعة عشر التي أعلنتها الأمم المتحدة لضمان استدامة التنمية قبل عدة سنوات مضت، ومتابعة جهود كل دولة وفق الإمكانات والمسؤوليات الملقاة على عاتقها، ومنها العمل بتحقيق غايات الاقتصاد الأخضر وتوفير المياه النظيفة وتعزيز جهود الجهات المعنية بحماية وصون الموارد المائية، وتوريد الطاقة النظيفة، وبناء المدن والمجتمعات المستدامة، والعمل بكل ما يعني بالتغير المناخي الذي أصبح يؤرق سياسات جميع دول العالم بدعم الجهود للحد من الاحتباس الحراري، وارتفاع درجة حرارة الأرض، وما ينتج عن ذلك من تأثيرات سلبية على البشرية.
جريدة عُمان