حوار : رضية الهاشمية
لقد أسهمت التطورات الطبية والتكنولوجيا الحديثة فيما يختص بالأطراف الاصطناعية وتقويم العظام في تحسين حياة من فقدوا أطرافهم وتقديم الدعم للأشخاص الذين يعانون من الإضطرابات العضلية الهيكلية أو العصبية أو من فقدوا القدرة على تحريك أطرافهم لأي سبب كان، فضلاً عن تحويل حياتهم لتكون أكثر فاعلية وإنتاجاً في المجتمع، بعد أن كانت تلك المشكلات سابقاً تقود المصاب بها إلى الكرسي المتحرك، أو تجعله ملازماً للفراش ليقضي بها ما تبقى من عمره.
ويعتبر تخصص الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام أحد التخصصات المهمة في مجال التأهيل، حيث يهدف هذا التخصص إلى العمل على مساعدة المرضى من ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير كافة المستلزمات اللازمة التي تساعدهم على ممارسة حياتهم الطبيعية بكل يُسرٍ وسهولة.
مجلة المرأة التقت بإحدى النساء العُمانيات البارزات في هذا التخصص، الدكتورة فاطمة اللواتية، وهي أول دكتورة عُمانية نالت شرف الحصول على درجة الدكتوراة في تخصص الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام من جامعة ستراثكلايد بالمملكة المتحدة، حيث كان اختيار هذا التخصص تحدياً كبيراً بالنسبة لها، ولكن بفضل مثابرتها وتفانيها استطاعت أن تثبت نجاحها وتميّزها…
إلتقينا بها لنتعرف عن كثب على هذا التخصص وأيضا لنشر المزيد من الوعي عن طرق الوقاية والعلاج وأهم الأساليب وأنماط الحياة الصحية التي يجب إتباعها لتفادي وقوع العديد من المشاكل الصحية المحتملة..
من هي الدكتورة فاطمة اللواتية؟
الدكتورة فاطمة بنت محسن اللواتية حاصلة على درجة الدكتوراة في تخصص الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام من جامعة ستراثكلايد بالمملكة المتحدة في عام 2018، وبذلك تعتبر أول إمرأة عُمانية حاصلة على درجة الدكتوراة في هذا التخصص. وتعمل حالياً بوظيفة أخصائية أطراف إصطناعية وتقويم عظام في أحد المراكز الطبية المتخصصة والرائدة في هذا المجال بالسلطنة. ومن منطلق حبها لهذا التخصص منذ أن كانت على مقاعد الدراسة بالجامعة، فقد قامت الدكتورة فاطمة بنشر العديد من المقالات والبحوث والدراسات المتعلقة بمرض الشلل الدماغي وطرق التعامل مع الأطفال المصابين بهذا المرض.
فضلاً عن ذلك، لم تألوا الدكتورة فاطمة اللواتية جهداً في إثراء معارفها وخدمة غيرها من العاملين المختصين في مجال الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام من خلال عددٍ من المبادرات المميّزة التي تبنّتها وذلك خدمة للقطاع الصحي بوجهٍ عام، فقد كان لها دوراً بارزاً في التنظيم والتحدث في مجموعة من الندوات والمؤتمرات المتخصصة في مجال معالجة الأشخاص المصابين بالشلل الدماغي و في مجال طب جراحة العظام.
ومن بين قصص النجاح التي سطرتها في هذا الجانب تنظيم الندوة الطبية الأولى من نوعها في السلطنة في مجال علاج الشلل الدماغي ومناقشة المستجدات حول هذا المرض. وقد جاء الهدف من هذه الندوة تسليط الضوء على آخر المستجدات المتعلقة بمختلف التخصصات لمساعدة المصابين بالشلل الدماغي والسعي لتمكينهم في الحصول على حياة أكثر إستقراراً، حيث طرأت خلال السنوات الأخيرة العديد من التطورات في مجال إدارة مرض الشلل الدماغي. كما أصبحت أساليب التقييم والتصنيف و العلاج أكثر تعقيدًا، فضلاً عن ظهور علاجات جديدة أخرى لهذا المرض.
فضلا عن ذلك، فقد تخصصت الدكتورة فاطمة اللواتي في تحليل دورة المشي و التدريب على استخدام أجهزة حديثة ثلاثية الأبعاد لتحليل دورة المشي، بالإضافة إلى كتابة عدة مقترحات لتأسيس مختبرات تحليل دورة المشي. كما قامت بالتعاون مع عددٍ من المختصين في مستشفى خولة بتحليل دورة المشي لعدة مرضى.
هلّ لكِ أنّ تحدثينا عن تخصص تركيب الأطراف الاصطناعية و تخصص تقويم العظام ؟ ما هي فكرة هذين التخصصين؟
تقويم العظام هو تخصص يتعامل مع الناس الذين يعانون من الإضطرابات العضلية الهيكلية أو العصبية عن طريق تزويدهم بأجهزة داعمة، والتي تتراوح بين أجهزة بسيطة كالأحذية إلى الأجهزة الكبيرة بما في ذلك جبيرة للعمود الفقري أو الأجهزة السفلية للأطراف. ولكوني أخصائية تقويم العظام، فإنّ دوري يبدأ من خلال فحص المفاصل وطريقة المشي للمريض، حيث نهدف من ذلك إلى إستعادة نمط المشي العادي للمريض. لذا فإن إختيار الحذاء المناسب لنا كأشخاص مهمٌ جداً؛ إذ أنه يلعب دورًا مهمًا في صحتنا من حيث تحديد أنماط المشي الصحية، وبالتالي قد يؤثر نوع الحذاء المستخدم على المفاصل على المدى الطويل.
وعلى سبيل المثال لا الحصر، فإن أحد مهام عملي تتضمن القيام بفحص أقدام الأطفال للتأكد من بعض المشاكل الصحية الشائعة عند الأطفال مثل محاذاة القدمين ، الذي قد يكون غير طبيعي أو طريقة المشي أو أنه لديهم مشكلة الأقدام المسطحة وغيرها من الفحوصات الأخرى. وللعلم فإن طريقة علاج تقويم العظام بسيطة وذات تأثير كبير إذا تم الأخذ بها وإتباعها في الوقت المناسب وبشكل مناسب، حيث أنّه بكل بساطة فإن جهاز تقويم العظام هدفه مساعدة المريض على استخدام طرفه بطريقة أفضل.
ومن ناحية أخرى، فإن تخصص الأطراف الإصطناعية يسعى لمساعدة الأشخاص الذين ليس لديهم أطراف أو أنهم فقدوا أطرافهم بسبب الحوادث والصدمات والأسباب الخلقية الأخرى. ويختلف نوع الأطراف الإصطناعية من بسيطة مثل الإصبع الأصطناعي إلى الساقين والذراعين، وقد يستخدم فيها بعض التقنيات الكهربائية أو اليدوية البسيطة لمساعدة هؤلاء الأشخاص للقيام ببعض الأعمال بإستخدام أطرافهم الاصطناعية.
في تخصص تقويم العظام، ما هي الحالات التي تلجأ لتقويم العظام وما هي فوائده ؟
هناك تبايناً في الحالات التي تستدعي تقويم العظام، حيث أن أغلب الحالات تتمثل في الحالات العصبية و الحالات العضلية الهيكلية وبعض حالات مرضى السكري والمصابين بالتشوهات الخلقية.
على ماذا يعتمد تحليل حاجة الشخص لتركيب أجهزة تساعده على حركة عظامه وأطرافه؟
في الحقيقة يعتمد ذلك على مجموعة من الظروف الأساسية، فـبعدما يخضع المريض للتقييم البدني، وتحديد المتطلبات، بالإضافة إلى تحديد مستوى النشاط، وتحليل قدرته على المشي، يتم تقييمه والعمل على تحديد خطة العلاج المناسبة له، وأكثر الحالات التي نراها شيوعًا هي تلك الخاصة بتشوهات القدم وخاصة القدم المسطحة والمشكلات الأخرى المتعلقة به.
هل هناك إرتباط بين أخصائي العلاج الطبيعي ودكتور أو أخصائي تقويم العظام؟
نعم، هناك علاقة مباشرة ومهمة للغاية بين كلا الطرفين، وهي من المهن التي تكمل بعضها البعض. فعند استخدام أجهزة تقويم العظام لابد من تعزيزها عن طريق جلسات العلاج الطبيعي. إضافة إلى ذلك، يُعد العلاج الطبيعي إلزاميًا في التدريب على استخدام أجهزة تقويم العظام.
هل يخضع المريض لخطة علاج من حيث تحديد جلسات ومراجعات مستمرة؟
نعم، ففي البداية نقوم بتقييم الموضوع من خلال أخذ تاريخه المفصل والذي سيتبعه تقييم بدني كامل للمريض. ثم بعد ذلك، نقوم بتحليل دورة المشي لتحديد أفضل وصفة طبية؛ ويتم بعدها مناقشة الخيارات الممكنة من أجل تحديد الطريقة الطبية المناسبة للتعامل مع الموضوع. بعد ذلك يتم أخذ القياسات للجهاز الملائم، ويمكن أن تكون الأجهزة جاهزة الصنع أو مخصصة. وبعد تحديد الموعد المناسب، يتم تركيب الجهاز وضبطه وبمجرد تطابق الحالة مع الجهاز الذي تم تركيبة، فإنه يتم متابعة المريض من خلال تحديد مواعيد منتظمة لمتابعة التقدم والعلاج.
كيف هي نتائج استجابة المرضى لأجهزة تقويم العظام؟
الحمدلله، من خلال التجارب السابقة كانت النتائج إيجابية للغاية، وذلك لأن استخدام أجهزة تقويم العظام تُمكّن الأشخاص من استخدام أطرافهم بشكل أفضل ويقلّ لديهم الإعتماد على الآخرين.
ما هي أكثر الحالات التي تتطلب عملية تركيب أطراف اصطناعية بها؟
إن معظم الحالات التي تحتاج إلى عمليات تركيب أطراف إصطناعية نجد أن معظمها نتيجةً لبتر أحد الأعضاء بسبب الحوادث المهنية في أماكن العمل أو حوادث المرور أو نتيجة لمرض كالسكري الذي يعتبر العامل الرئيسي الأول في بتر الأطراف أو مرض السرطان، فضلاً عن الأمراض الخلقية والأمراض الخبيثة التي قد يصاحبها حدوث بتر لأحد الأطراف لدى الإنسان.
علماً أن أكثر الحالات شيوعاً هي حالات السكري وما تتضمنها من مشاكل للقدمين بسبب التقرحات التي تصيبهما، والتي تؤدي إلى البتر في أحيان كثيرة. ويتحدد نوع الطرف الاصطناعي المستخدم بحسب شكل البتر وطبيعة الجزء المفقود من الطرف.
هل هناك تزايد في عدد الحالات التي تتطلب تركيب الأطراف الاصطناعية في الوقت الراهن ؟
إن المتابع لحالات أصحاب الأطراف الإصطناعية بالسلطنة، فإنه يلاحظ مدى الإحتياجات والمستلزمات التي يطلبها الفرد من هذه الفئة. ونظراً لتزايد حالات العجز والإعاقة الناتجة عن الأمراض والحوادث المهنية والمرورية، فإنه بالمقابل يتزايد الطلب والاهتمام بالتأهيل الطبي وبرامجه التخصصية المتنوعة، لذا تهتم الحكومة ممثلة في وزارة الصحة بتقديم الخدمات التأهيلية بعلاج هذه الحالات وتأهيلها، وذلك عن طريق توفير مستشفيات ومراكز وأقسام التأهيل الطبي بمختلف محافظات السلطنة .
لذا فإن تخصص الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام يعتبر من التخصصات المهمة في مجال التأهيل والهدف الأساسي لهذا التخصص هو العمل على مساعدة المرضى ذوي الاحتياجات الخاصة وتوفير كافة المستلزمات التي تساعدهم على ممارسة حياتهم الطبيعية، وذلك يداً بيد مع جميع طاقم المستشفى من أطباء وممرضين وأخصائيي العلاج الطبيعي وغيرهم.
حدّثينا عن الأطراف المركبة كيف تعمل وما هي درجة الدقة والجودة بها ؟
يتم اختيار وتصنيع أجهزة الأطراف الإصطناعية بطريقة تساعد على استعادة الوظيفة الطبيعية، ويعتمد اختيار الأجزاء على مستوى النشاط والبتر، وتتوفر أجهزة مختلفة من التقنيات البسيطة إلى الأكثر تقدماً حسب المتطلبات. ويمكن للتقنيات الحديثة مساعدة الأشخاص على استخدام أطرافهم الاصطناعية بطريقة مبسطة، حيث تم تطوير بعض التطبيقات والبرامج لضبط الجهاز لتلبية احتياجات المرضى.
هل يستطيع المرضى مواصلة حياتهم الطبيعية بعد عملية تركيب الأطراف الاصطناعية؟
نعم، لأن ارتداء الأطراف الاصطناعية يساعد المرضى على الإعتماد على أنفسهم في ممارسة أنشطة حياتهم اليومية. فعلى سبيل المثال، الأطراف الاصطناعية السفلية تمكّن الشخص من المشي بشكل مستقل ويمكنه التنقل بكل سهولة ويسر، أما فيما يتعلق بالأطراف العلوية، فيمكن للجهاز أن يسمح للأفراد بالقيام بمختلف الأنشطة التي تتطلب مشاركة كلا الطرفين هذا بالإضافة إلى فوائده التجميلية.
كونك أول عُمانية حاصلة على شهادة الدكتوراه في هذا التخصص، ما هو التحدي الكبير الذي يمثله بالنسبة لك؟
لم تكن الدكتورة فاطمة مختلفة عن باقي الطلبة الدارسين خارج السلطنة وبالأخص في جامعة ستراثكلايد بالمملكة المتحدة، إلا أنّ ذلك لم يكن ممتعاً لها، حيث أن متعة الحياة لديها لن تكتمل إلا بوجود التحديات التي دائماً ما تكون ملهمةً لها وتحقق من خلالها العديد من الإنجازات سواءً على الصعيد الشخصي أو العلمي أو المهني على حد السواء.
هكذا اعتادت الدكتورة فاطمة منذ أن كانت على مقاعد الدراسة؛ حياةً مليئةً بالجد والإجتهاد والمثابرة سعياً لتحقيق أحلامها وطموحاتها التي دائماً ما تتميّز بها عن أقرانها في الدراسة وبنات جنسها. وها هي الآن أصبحت أول إمرأة عًمانية تحمل شهادة الدكتوراه في تخصص الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام.
التحدي الأكبر الذي عاهدت نفسي أن أتغلّب عليه هو اختياري لدراسة تخصص الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام، حيث إلتحقتُ بدراسة الدكتوراة مباشرة بعد حصولي على شهادة البكالوريوس في تخصص الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام، وذلك بعد حصولي على منحةٍ دراسية مدفوعة التكاليف من جامعة ستراثكلايد بعد إكمالي لدرجة البكالوريوس بمرتبة الشرف. و قد دعمتني الحكومة السلطنة الرشيدة ممثلة بوزارة التعليم العالي بالموافقة على دراسة الدكتوراة.
وقد كان ذلك فخراً لي كوني عُمانية تحظى بهذا الشرف ومما زادني شرفاً هو تحقيق طموحي بالحصول على درجة الدكتوراه لأنال شرف السبق في كوني أول عمانية تنال هذه الدرجة العلمية في تخصص الأطراف الاصطناعية وتقويم العظام.
كلمة أخيرة لمجلة المرأة ؟
لابد للإنسان دائماً أن يتّبع أنماط حياة صحية ليتجنب العديد من المشاكل الصحية قبل حدوثها، والتي من بينها تلك التي تؤثر على سلامة الأطراف وبعض أجزاء الجسم. كما أنه من الأهمية بمكان معرفة طرق وأساليب دعم ومساعدة الأشخاص ذوي الإحتياجات الخاصة ممن لديهم أطراف إصطناعية، فضلاً عن تمكينهم مهنياً ومعرفياً ليسهموا بدورهم في دعم مسيرة التنمية بالبلاد.
كما أن أحد أهم القضايا التي يجب التنويه عليها هي مراعاة نوعية الأحذية المستخدمة، حيث أنه يجب على الأطفال إستخدام الأحذية المناسبة لهم كل حسب عمره، وذلك تفادياً لحدوث أية آثار سلبية نتيجة استخدام الأحذية الغير مناسبة. الأمر الآخر هو شكري العميق وجزيل الثناء الذي أقدمه لمجلة المرأة مشكورة على اهتمامها بتسليط الضوء على هذا الموضوع الصحي المهم للجميع.
المرأة أونلاين