د. طاهرة اللواتية
[email protected]
إن الصحافة محراب لعبادة الله وخدمة الإنسان ، وإذا لم تقم بدورها فهي مخدع للشيطان وخراب للإنسان / السيد موسى الصدر.
أتذكر من سبقني من النساء في العمل الصحفي بكل تقدير . فعمل الصحفي صعب جدا ، مرهق جدا ، لذا سمي بمهنة المتاعب . بدأت رحلتي الصحفية وانا طالبة على مقاعد الدراسة ، كنت امارس الكتابة الصحفية في المدرسة ، وأقدم البرنامج الاذاعي في أثناء الطابور الصباحي، وفي الجامعة الأردنية حيث درست البكالوريوس أنتخبت عضوة اللجنة الثقافية في الاتحاد الطلابي ، وأصبحت مسؤولة عن مجلة كلية التربية . لكن الاهل في البداية تخوفوا أن أدرس الاعلام أو اعمل به ، كونه قد يعرضني للعديد من المتاعب والمخاطر. لكن سكنني الاعلام الى النخاع رغم ان دراستي الجامعية الاولى كانت في مجال علم النفس وعلم الاجتماع . ورغم حبي الكبير لتخصصي الدراسي ، واقناعي رفيقات لي لخوض غمار الارشاد النفسي والتربوي والأسري؛ الا انني لم أستطع التخلص من عشق القلم ، بل شعرت ان القلم والميكرفون والكاميرا جزء لايتجزأ من ذاتي .
بدأت عملي الاعلامي في الصحافة التي تعد من أصعب انواع العمل الاعلامي ، فأن نمسك قلما ونعكس به هموم الناس ومتاعبهم ، وشؤون وشجون المجتمع؛ لهو أمر يحتاج تمرينا ذهنيا ومراسا وخبرة كبيرين؛ ليس في أسلوب الكتابة والتعبير فقط ؛ وإنما في كيفية الكتابة والتعبير ، فقد يخوننا التعبير ويودي بنا الى نتائج غير طيبة . ويحتاج الاعلامي الى شجاعة وجرأة كبيرين في البحث والتحري والطرح بوضوح ودقة. ان الاعلامي عندما يكون مسكونا حتى النخاع بخدمة المجتمع ، والعمل لأجل غد افضل للمواطن والوطن ؛ يصبح وقته ملك الناس ، لذا طفت عمان من اقصاها الى أقصاها وراء الخبر والقضية والقصة الصحفية أينما كانت، تعرفت على اناس كثر ، أصحاب مشارب مختلفة ، نساء ورجال ، وزراء ومسؤولين كبار ، ولاة وشيوخ قبائل، وناس عاديين وبسطاء .
استمعت اليهم لساعات طويلة ، وفي اوقات مختلفة من النهار والليل ، اصبحت معدة ومقدمة برامج اذاعية وتلفزيونية ومديرة تحرير، ورئيسة تحرير مجلات. فالصحفي وقته ليس ملكه ، ولايستطيع ان يقفل هاتفه ليلا او نهارا ، فلا يكف هاتفه عن الرنين في كل الاوقات ، هكذا هي هموم الناس وشجونها ، ليس لها وقت او دوام محدد ! قاسمتهم اللقمة والشراب فوق الجبال، وفي الصحارى في الخيام ، وفي بهوات الفنادق الراقية والمكاتب المخملية ، فلا فرق ؛ فالناس ناس في كل مكان ، وفي كل مكان تجد شخصا او مسؤولا يتحدث معك، وان تسأله وتستفسره ، وتستمع له ، وان يشرح قصة وقضية ما ، او يفسر قرار واجراء ما، وأن تناقشه وتحاوره بكفاءة عالية، فالصحفي الذي يعرف ما يعرفه الناس فقط لا يعد صحفيا ، بل يجب ان يعرف اكثر مما يعرفه الناس ، واكثر مما يعرفه المسؤولون أنفسهم . ان حقيبة سفر الاعلامي بجانبه ، فغالبا وراءه قضية او قصة يتابعها او مؤتمر يستعد لحضوره او ملتقى سيشهده داخل البلد او خارجه ، فلا عذر لديه اذا أراد ان يكون على تماس مع الوقائع والاحداث والقضايا . ان دائرة علاقاتي وشبكتي الاجتماعية أصبحت تكبر وتتسع وتتشعب كل يوم ، شخصيات ومشارب مختلفة ،وانواع مختلفة من التفكير ، عالم نحتاج فيه الى استخدام أقصى الذكاء والفطنة والكياسة؛ كي يكون تواصلنا مع الجميع فعالا ، كي يكون ما نكتبه ونقوله ذو مصداقية عالية جدا .
عندما تكون المراة اعلامية ناجحة رغم انها مهنة المتاعب والصعوبات والتعقيدات والمخاطر ، ويشجع الآباء بناتهم كي يصبحن صحفيات ؛ فذلك لأن المجتمع يدرك ضرورة وجود الاعلامية في المجتمع ، ويكون الأب والزوج والاخ أكبر داعم لنا ، رغم ان من نتعامل معهم في العمل الصحفي رجالا على الاغلب ، ورغم ان الاعلامية قد تقف في المحاكم ، وترفع عليها القضايا ، وقد تدخل السجن ؛ فالقلم عندما يكون ناظرا الى المصلحة العامة ، فقد يدفع الاعلامي الأثمان والأكلاف في سبيل المصلحة العامة. وما أكثر من يحاولون تحييده أو شراءه أو إخراجه عن خطه الى أمور جانبية وهامشية، وتبقى كل هذه الاغراءات غير مؤثرة فيه . فأن يبقى الاعلامي مخلصا للمصلحة العامة ؛ لهو أكبر تحد يواجهه ، وأكبر هم يقتاته ليل نهار .
نعم عشرات التحبيطات والاحباطات ، لكن ذهنه مستعد متوقد ، توتره مستدام ، وعيه خارق ، موازنته عقلية ودقيقة ، وان يبقى بين كل ذلك مطلعا قارئا متابعا ملما محيطا بكل ما يجري حوله في وطنه؛ الاقتصاد ،السياسة ،التربية ،الثقافة والمجتمع، وكل ألوان الطيف من المعارف والفكر . ثراء علمي وفكر متجدد ، واطلاع دائم وفهم دقيق لمجريات الأمور ؛ إنه تحد كبير للاعلامي او سيخرج من ساحة المواكبة ، انها معركة الوعي وفرز الوعي وبناء الوعي المجتمعي ؛ لذا سمي الاعلام بالسلطة الرابعة.
إن عضوية مجلس الشورى ليست بأصعب من عمل الاعلامي بمقارنة بسيطة ، بل الخلفية الاعلامية القوية والعلاقات الواسعة للاعلامي تجعل لهذه العضوية زخما وقوة وفهما ووعيا وذكاء وكياسة . وتأتي الماكينات الانتخابية لتهول عمل عضو مجلس الشورى ، وان المرأة العمانية لن تستطيع ان تقوم بهذه المهمة ! فماذا عن مهنة المتاعب المهولة عندما تمارسها ؟ وماذا عن كل المجالات الصعبة كالوظائف الاشرافية والتنفيذية العليا التي دخلتها وتدخلها العمانية . وتشتغل الماكينات الانتخابية بكلام حريري ناعم ومنمق ، يستخدم فيه الدين ، ويتم استدعاء كل التاريخ الجاهلي ضد المرأة . وتؤثر هذه الماكينات على البعض، فيمارس التعسف مع زوجته وابنته واخته حتى لاترشح امرأة . ثم تردد الماكينات الانتخابية: “المراة عدوة المراة ، وان المرأة لايمكن ان ترشح المراة .” لكن الناس تنتبه وتدرك وتعي الحقائق .