حيدر بن عبدالرضا اللواتي
الأخبار الوقتية التي تبثها وكالات الأنباء الاقتصادية لحركة البورصات والأسواق المالية على مدار العام لم يكن لها ذلك الصدى في السنوات الماضية، مثلما يحصل اليوم في عالم التواصل الاجتماعي. إذ إن خبرا اقتصاديا قصيرا عن أي مؤشر اقتصادي يَنال بعده مئات بل آلاف من التعليقات في لحظة من الزمن. وهذا ما حصل فور نشر وكالة «بلومبرغ» قبل عدة أيام تقريرا حول أسوأ البورصات أداء في العالم ككل في الربع الأول من العام الجاري، وإشارتها الى أن بورصة السلطنة جاءت في المرتبة الثانية كأسوأ بورصة في العالم، وأسوأ بورصة عربية حيث انخفض (مؤشر سوق مسقط للأوراق المالية 30) خلال الأشهر الثلاثة الأولى من عام 2019 بنسبة 7.4%، الأمر الذي أدى إلى بث سيل من التعليقات على هذا التقرير من قبل المغردين. وكانت الوكالة قد أشارت إلى أن بورصة غانا هي الأسوأ أداء على مستوى العالم في الربع الأول من 2019، بعد موجة بيع أسهم أجنبية، بحيث تراجع مؤشر هذه الدولة أكثر من 15% خلال الربع الأول، فيما جاءت تونس ثانية على المستوى العربي كأسوأ بورصة في خلال الربع الأول من العام الحالي بتراجع مؤشرها بنسبة 5.5% .
البيانات الفصلية للبورصات تختلف في كل مرة، وهذا لا يعني بأن السوق المالي في البلاد مقبل على التراجع مثلما يتوقعه بعض المغردين، بل أن التقرير الأخير عن سوق مسقط للأوراق المالية يمكن أن نصفه بأنه يحمل ظلما كبيرا عن حركة السوق باعتباره واحدا من أكثر البورصات الخليجية والعربية التي تقدم التوزيعات النقدية للمساهمين بحيث تزيد أحيانا عن 10% من العوائد السنوية. فأرباح الشركات المساهمة المدرجة بالسوق بلغت لعام 2018 نحو 700 مليون ريال عماني (1.8 مليار دولار) وبنسبة نمو قدرها 23% مقارنة بأرباح 2017. وقد بلغت نسبة الشركات التي حققت أرباحا في القطاع المالي 89%، وفي قطاع الخدمات 87%، وفي قطاع الصناعة 71%. وهذه مؤشرات جيدة إلا أن التراجع اليومي لحركة السوق هو الذي يؤثر على النتائج الربعية.
وما نُشر عن السوق هو بيان مرحلي عن فترة من الزمن يأتي في وقت ما زالت المنطقة تعاني فيه من آثار تراجع أسعار النفط العالمية التي بدأت في منتصف عام 2014، بجانب ما تعاني منها المنطقة من ويلات الحروب مع اليمن الشقيق، وقرار أمريكا بانسحابها من الاتفاقية النووية مع الجمهورية الإسلامية الإيرانية وغيرها من القضايا الأخرى في المنطقة. ولكن رغم ذلك يتوقع المحللون الماليون بأن تشهد السلطنة وبقية دول المنطقة عودة قوية لأسواق الأسهم الخليجية والعربية قريبا، وضخ مزيد من السيولة المدعومة في ضوء تحسن أسعار النفط العالمية، بالإضافة إلى ما يتم العمل به من أخذ الإجراءات والقرارات التي تتعلق بتشغيل العمالة الوطنية، وتخصيص بعض الشركات الحكومية الناجحة بهدف تحريك السوق، وما يحفز المؤشرات الخاصة بها. وهذا يعني بأن سوق المال العماني سوف لا يبدو في نفس الوضعية خلال الفترة المقبلة، فهذه المؤشرات تتغير مع حركة السوق اليومية، وأن تقييمات الأسهم الحالية جيدة للمستثمر للإقبال عليها، خاصة ونحن مقبلون على نتائج الشركات المدرجة في السوق للفصل الأول من العام الحالي وما يمكن أن تحمله من تطورات إيجابية في أعمالها التجارية. كما أن الارتفاع التدريجي لأسعار النفط العالمية خلال الأشهر القليلة الماضية وما تجنيه الدولة من الموارد المالية من البنود الأخرى، تتيح لها صرف المزيد من الأموال على المشاريع والبرامج التي تم إبطائها في الفترة السابقة، التي أدت إلى تقلص النمو وأضرت بأرباح بعض الشركات في البلاد.
فعلى المستوى المحلي فحركة سوق مسقط للأوراق المالية مرتبطة لدينا بالثقة التي يوليها المستثمر المحلي والأجنبي للوضع الاقتصادي للبلاد بشكل عام. فهو يعلم جيدا بأن هناك عجزا في الموازنة المالية للدولة، وأن تغطية هذا العجز يحتاج إلى المزيد من الاستدانة التي تحتاج بدورها إلى أموال لخدمة هذا الدين. كما ينظر المستثمر إلى الإجراءات التي تتخذها الدولة فيما يتعلق بحل مشكلة الباحثين عن عمل والتي تؤثر هي الأخرى في عملية حركة الأسواق، فيما تأتي التصنيفات لوكالات التقييم الدولية لتزيد أحيانا من معاناة الأسواق، الأمر الذي يتطلب جميعها شفافية كبيرة في الإفصاح عن هذه التطورات، وقيام المسؤولين في الدولة بالتحدث عن الخطط التي يتم وضعها لمجابهة هذه القضايا والحلول المطلوبة لها. ففي حالات الأزمات لا بد من طرح الحلول والإفصاح عنها ليكون المستثمرون على ثقة بذلك، بحيث تعلن الدولة عن هذه الحلول والمدة التي تحتاج إليها كل قضية لفترة شهر أو ثلاثة أشهر أو سنة وهكذا. أما أن تبقى هذه المسائل دون قيام المسؤولين بالتحدث والإفصاح عنها فإن ذلك يزيد من متاعب وآثار تلك القضايا. فالاعتراف بوجود مشكلة أمر مهم، ولكن التحدث عن التشخيص والإجراءات التي يتم اتخاذها أهم من ذلك، لأن ذلك يزيد من مساحة الشفافية ويعطي ثقة أكبر في السوق وتجاه أي وضع سيء.
لقد تابعنا جميعا القرارات التي نفذت عن برامج «تنفيذ» خلال الفترة السابقة، لكن نتساءل هل لمس الناس والاقتصاد الوطني نتائج إيجابية من هذا الموضوع المهم؟ ولماذا تباطأ المسؤولون عن التحدث فيما يتم أخذه من الإجراءات والقرارات بشأن ذلك؟؟. إن واحدا من أهم قرارات «التنفيذ» هو العمل على حل تدريجي للباحثين عن عمل، ووضع الآليات والتطبيقات. فأين وصل هذا الموضوع؟؟ فالمستثمر دائما ينظر إلى هذه القضايا بالصورة التي يراها في دول أخرى، ويحاول أن يكيفها بالصورة التي تناسبه، الأمر الذي يؤدي بالاستثمارات المحلية أحيانا أن تتوجه إلى خارج الدولة لصعوبة حل مشاكل العمالة المطلوبة للاستثمار داخل البلاد.
نحن نأمل بأن تشهد سوق مسقط للأوراق المالية عودة قوية يتم بها ضخ مزيد من السيولة مدعوما بتحسن أسعار النفط والإنفاق الحكومي الرأسمالي، وكذلك من تحسن نتائج الشركات المساهمة في الفترة القادمة. كما أن الضرائب على هذه الشركات لا تعني تراجع الموارد المالية للدولة لأن هناك قيمة مضافة من حركة السوق اليومية تتعلق بكاسب المستثمرين، خاصة الصغار منهم، وبمكاتب الوساطة وبالمؤسسات المالية والمصرفية، وتشغيل العمالة الوطنية وغيرها من المؤسسات التي تتعامل مع السوق. فقلة الضرائب تعتبر أحيانا صفة إيجابية – وليست سلبية- لجذب المزيد من الاستثمارات المحلية والأجنبية، الأمر الذي يتطلب إجراء التعديلات على بعض القوانين التي تؤدي إلى نفور الاستثمار الأجنبي، وبحيث تكون هذه القوانين أكثر استقطابا لرؤوس الأموال إلى البلاد. كما أن الاقتصاد الكلي بحاجة إلى حزمة من الإصلاحات الاقتصادية لتكون ضمن المحفزات، الأمر الذي سينعكس إيجابا في المدى القصير على السوق المالي أيضا. فهذه السوق محتاجة إلى عملية خصخصة مزيد من الشركات الحكومية وطرح جزء من أسهمها للاكتتاب العام، الأمر الذي سيساهم في دعم المحفزات وفي جذب الشركات الأجنبية للاستثمار في القطاعات المختلفة، بالإضافة إلى تدفق السيولة.
كما يطلب من شركات الوساطة المحلية أن تمد المستثمرين بدراسات أكثر فاعلية حول الأوضاع المالية والاقتصادية للسوق لمساعدة المستثمرين على اتخاذ القرارات الصحيحة في ظل تأثر السوق، بالإضافة إلى تعزيز الشفافية في القطاع. فالمستثمرون يحتاجون إلى مواكبة وتيرة التغيرات، خاصة وأن السلطنة معروفة بسياستها وعلاقاتها المتزنة مع العالم وابتعادها عن الدخول في تحالفات وفي مناوشات جانبية في المنطقة، الأمر الذي يعطي لها الأفضلية في المشهد السياسي وفي الاستثمار. وأخيرا فإن مكافحة الفساد والقيام بحملة تطهير المؤسسات أمر ينتظره الكل لمواجهة التحديات الاقتصادية والاجتماعية التي تجابه المجتمع العماني، الأمر الذي سيؤدي إلى ترقية سوق الأسهم في السلطنة بجانب دفع المستثمرين الأجانب إلى الاستثمار في هذا السوق.
جريدة عُمان