حيدر بن عبدالرضا اللواتي –
[email protected] –
لم يتوقف الابتزاز الإلكتروني في العالم نتيجة دخول المزيد من الأشخاص من الجنسين في بعض برامج التواصل الاجتماعي، الأمر الذي يؤدي بالبعض إلى الوقوع في شباك العصابات التي تتعامل مع هذه البرامج. وفي المنطقة الخليجية يتعرض بعض الأفراد إلى الابتزاز الإلكتروني منذ أن تزايدت استخدامات التقنيات الحديثة من الأجهزة الذكية وشبكة المعلومات الدولية (الإنترنت) خلال العقدين الماضيين. وقد أدى هذا الأمر إلى وقوع بعض الشباب من الجنسين في الكثير المشاكل المالية والاجتماعية والنفسية نتيجة عدم قدرتهم على مواجهة نتائج هذا الابتزاز.
وتعاني بعض الأسر العربية من ظاهرة الابتزاز الالكتروني نتيجة إفراط أبنائها في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، وعدم فهمهم لهذه القضايا، وكيفية التصرف إزاءها في حالة وقوعهم في مثل هذا الفخ. وأكثر المبتزين – وللأسف الشديد- هم من الجنسيات العربية التي تعيش في دول المغرب العربي أو بعض دول الشرق الأوسط . كما أن بعض المبتزين هم من الأصدقاء والأقارب نتيجة لامتلاكهم بعض المعلومات والصور الخاصة للآخرين.
لقد أدى استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وبإفراط إلى استغلال البعض في مجالات مشينة وخبيثة نتج عنها استدراجهم وإغراؤهم من خلال الوسائل الجنسية والصور الشخصية إلى الابتزاز الإلكتروني، ليتم بعدها جمع معلومات عن ممارساتهم لبث الرعب والخوف من العار والفضيحة في نفسية الضحية.
ومن هذا المنطلق بدأت دول المنطقة في تنظيم المزيد من الدورات لأفراد الأسر والشباب وطلبة المدارس والمجتمع المدني لتثقيفهم وتعريفهم بالمزيد حول قضايا الابتزاز الإلكتروني، ويتم تقديمها من قبل العاملين في مجالات الأمن والمحاكم والمؤسسات الاجتماعية وممن ترتبط قضاياهم بهذا الفضاء الإلكتروني.
ويصف العاملون في تلك المجالات على هذه الجرائم (السيبرانية) هي امتداد طبيعي للنشاط الإجرامي العادي، ويتم عبرها تهديد وترهيب الضحية بنشر صور أو أفلام أو تسريب معلومات سرية خاصة بها، مقابل قيامها بدفع مبالغ مالية بصورة فورية، أو استغلال الضحية للقيام بأعمال غير مشروعة كالإفصاح بمعلومات سرية خاصة بجهة العمل أوغيرها من الأعمال غير القانونية. وهذه الاتصالات تُجرى لصيد الضحايا عبر رسائل البريد الإلكتروني أو من خلال مواقع الشبكات الاجتماعية المعروفة في عالم الشبكات الاجتماعية بين الشباب والشابات.
وقد سبق لإحدى الجرائد الأمريكية (نيويورك تايمز) أن أشارت الى أنه من بين كل 100 شخص يستخدم الإنترنت، يتعرض واحد منهم للابتزاز الإلكتروني وبعدة طرق، سواء عبر تسجيل صوتي أو فيديو أو صور أو حتى رسائل مكتوبة. وفي مثل هذه الحالات، وخوفا من الفضيحة في مجتمعاتنا العربية المحافظة، يتصرف الشباب بتلبية مطالب هؤلاء المبتزين دون اللجوء إلى طلب المساعدة من أهاليهم، أو الجهات الأمنية، الأمر الذي يحقق مطالب المبتزين أحيانا، بل يؤدي ببعض الذين وقعوا في هذا الفخ الى التفكير في الانتحار أو إيذاء النفس أو التعرض للاضطرابات النفسية.
والمجتمع الخليجي يتعرض يوميا لهذه القضايا بحيث انتشرت هذه الظاهرة في المجتمع العماني من واقع الإحصائيات العددية التي تم الإبلاغ عنها لدى جهات الاختصاص. وكلما كان المجتمع جاهلا بهذه القضايا فإنه يكون أكثر عرضة لجرائم الابتزاز الإلكتروني، وأقل حيلة للتصرف في مثل هذه الحالات لمعرفة واكتشاف دوافع المبتز، الأمر الذي يؤدي به إلى الرضوخ، في الوقت الذي يؤكد فيه القائمون على هذه القضايا أن جرائم الابتزاز الإلكتروني ترتكب من خلال الواقع الافتراضي، مما يعني أن مكان الجريمة وإجراءات ضبطها وتحقيقها وأدلة ثبوتها تختلف عن الجرائم المرتكبة في العالم الحقيقي.
وإزاء ذلك يتطلب من الأشخاص عدم الاستجابة لأي طلبات صداقة غير معروفة، وضرورة تأمين الحساب بشكل جيد حتى لا يتم قرصنته، وحظر أي شخص يرسل رسائل غريبة ومشبوهة تحمل في طياتها الإغراءات الجنسية وغيرها. كما يطلب من مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي عدم وضع معلومات على تلك الأجهزة والتي لها درجة كبيرة من الخصوصية، وعدم إرسال الصور لأشخاص غير موثوق فيهم لعدم استغلالهم.
لقد قامت الأجهزة المعنية والمجتمع المدني خلال السنوات الماضية بعقد الكثير من البرامج والندوات التوعوية تجاه هذه الظاهرة في مختلف المحافظات العمانية. وهذه البرامج لم تتوقف حتى اليوم، والوضع هنا مشابه في العديد من المجتمعات الخليجية الأخرى. وتتزايد هذه القضايا في وجود وسائل الاتصالات الحديثة والأجهزة والتقنيات المتطورة في عملية الاتصالات، وخاصة اليدوية منها. ويتضح من بعض الأرقام بأن أكثر من 57% ممن تبلغ أعمارهم ما بين 16 إلى 24 في السلطنة يتعاملون مع وسائل التواصل الاجتماعي من إجمالي الأشخاص الذين يمتلكون هذه الأجهزة. كما توضح بعض الإحصاءات المحلية أن 86% من العمانيين يستخدمون حسابات في الفيس بوك، و80% لديهم اتصالات عبر واتس اب، في حين أن 40% لديهم حسابات في جوجل وانستجرام و36% في تويتر. وهذه الأرقام لا تبتعد كثيرا عن بقية الدول الخليجية والعربية الأخرى، حيث إن جميع أبناء المنطقة لديهم حسابات في مواقع مماثلة.
ومن خلال تلك النسب السابقة تتمكن الشركات العالمية القيام بحملات ترويجية وتسويقية للمنتجات والسلع الجديدة التي تطرح في المنطقة، إلا أن بعض هذه الحسابات تستغل من قبل بعض العصابات في قضايا الابتزاز الإلكتروني والترويج للمخدرات نتيجة عدم معرفة الأشخاص بنوايا تلك الشركات التي تقوم بالاتصال معهم، الأمر الذي يتطلب من الناس عدم نشر جميع البيانات الخاصة بهم على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومن خلال المتابعة لهذه القضايا، نشير إلى أن بيانات تحويل الأموال إلى الخارج لا تشير إلى مجموع قيمة الأموال التي تشطفها هذه العصابات من الذين يتورطون في قضايا الابتزاز الإلكتروني. وقد سبق لبعض الدول في المنطقة أن أفصحت عن قيمة هذه الأموال لديها ولو على شكل تقريب. فمكاتب تحويل العملات في السلطنة باتت متوفرة في كل مكان، ولا يُطلب من الأشخاص المحولين للأموال لبعض الغرباء إلا إبراز بطاقته المدنية فقط، الأمر الذي يسهل مهمة المبتزين في الحصول على تلك الأموال بطريقة سهلة.
لقد سنّت الحكومة العمانية العديد من القوانين التي تعالج هذه القضايا ممن يستخدمون الشبكة المعلوماتية أو وسائل تقنية المعلومات بصورة خاطئة. كما تكللت الجهود بالحد من جرائم الابتزاز الإلكتروني في الفترة الأخيرة. وهناك العديد من الجهات الرسمية المعنية بإنشاء حملة تدور حول زيادة الوعي عن الابتزاز عبر الإنترنت. وهذه التوعية هدفها الإبلاغ عن الحوادث الخاصة بالابتزاز الإلكتروني للسلطات المسؤولة، فيما وعدت الجهات الحكومية بالقضاء على كل جرائم الابتزاز الإلكتروني بسرية عالية. وأخيرا فإن ملفات الابتزاز الإلكتروني بجانب ملف المخدرات كثيرة، وبعضها تحمل وقائع وقصصا مثيرة ومفجعة نتيجة وقوع الشباب من الجنسين ومن مختلف الأعمار في مثل هذه القضايا بسبب قيام النصابين والمبتزين بنصب شباك الخديعة والفخ للإيقاع بضحاياهم من خلال مواقع التواصل الاجتماعي والثورة التقنية، والهدف من ذلك هو الثراء السريع وجني الأموال القذرة من الضحايا، الأمر الذي يتطلب من أفراد الأسرة تنبيه ومراقبة صغار السن وقليلي الخبرة ممن الذي يدمنون على هذه الشبكات.
المصدر: جريدة عُمان