عُمان – كتبت: رحمة بنت علي الكلبانية
قد يبدو التخطيط لشراء منزل جديد أو سلعة ثمينة أو الذهاب لرحلة سياحية طويلة أمرًا صعبًا، يدفع الأفراد للتوجه لطرق التمويل الأسهل كالقروض البنكية التي قد تنتج عنها تبعات غير مريحة لاحقًا؛ لذا يدعو الخبراء والمتخصصون في الشؤون المالية الأفراد للادخار ووضع خطط مالية محكمة للتحكم بالاستهلاك تسهل للفرد بلوغ أهدافهم براحة أكبر.
وقال الدكتور حيدر بن عبدالرضا اللواتي إن متوسط إجمالي الادخار الشهري للعمانيين يبلغ 148 ريالا لمتوسط إجمالي الدخل الشهري للفرد والبالغ 689 ريالا عمانيًا. وفقا لدراسة نشرها المركز العماني للإحصاء والمعلومات منتصف العام الماضي.
وأظهرت الدراسة بأن 64% من المشاركين فيها يدخرون جزءا من دخلهم تحسبًا للظروف الطارئة وتأمين مستقبلهم، وأن 17% من العمانيين يدخرون لبناء، أو شراء منزل وتأثيثه، وشراء أرض، ويدخر 11% منهم للاستثمار في مشروع خاص. كما أشارت الدراسة إلى أن 46% من المواطنين يفضلون الاحتفاظ بالأموال المدخرة في حسابات بنكية، و23% منهم يفضلون الاحتفاظ بها على شكل عقارات.
جاء ذلك خلال ندوة «التخطيط المالي للأفراد» التي عقدتها كلية الدراسات المالية والمصرفية أمس بالتعاون مع سوق مسقط للأوراق المالية، وجمعية المصارف العمانية بهدف رفع الوعي لدى غير المتخصصين في القطاع المالي بأهمية ترشيد الدخل ومفاهيم الادخار والاستثمار.
وأوضحت الدراسة التي أشار إليها اللواتي في الورقة التي قدمها خلال الندوة أن 53% من العمانيين يلجأون للجمعيات وللاحتفاظ بأموالهم في الحسابات البنكية، ويرى 83% منهم أن عدم كفاية الدخل أو تحمل الديون هو السبب الرئيسي لعدم الادخار. وقال 33% من العمانيين إنهم لا يدخرون بسبب غلاء المعيشة وارتفاع الأسعار . كما أفادت بأن 4 من كل 10 من العمانيين يقومون بتدوين وتسجيل ما يتعلق بدخلهم وإنفاقهم.
واستعرض اللواتي نتائج دراسة قام بها لنيل شهادة الدكتوراه حول الادخار، وأشار إلى أن 49% من أفراد العينة التي أختارها نفت أن يكون قلة الراتب الشهري أو عدم كفايته سببًا في عدم الادخار. في حين قال 93% منهم بأنهم يدخرون كي يؤمنوا مستقبلهم وكي لا يحتاجوا لأحد.
أهمية التخطيط المالي
وحول أهمية التخطيط المالي قال اللواتي : إن التخطيط المالي يلعب دور كبيرًا في مساعدة الأفراد على الحصول على أقصى استفادة من أموالهم وتحديد الأولويات والعمل بشكل مطرد نحو أهداف طويلة المدى، كما يسهم التخطيط الجيد للمال في توفير الحماية لأفراد الأسرة ومساعدتهم في حالات المرض وفقدان الدخل.
واستدل اللواتي بمجموعة آيات قرآنية تدعو للادخار وعدم الإسراف وإلى الوسطية في الإنفاق، كقوله سبحانه وتعالى: «ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط فتقعد ملموما محسورا»، سورة الإسراء الآية 29، وقوله تعالى في سورة الأعراف الآية 31: «وكلوا واشربوا ولا تسرفوا». وقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «إن الله نهى عن ثلاث، قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال». كما تطرق لبعض الأمثال العربية والشعبية التي تدعو للقيم ذاتها كالمثل القائل: «إن كنت على البير اصرف بتدبير»، و «القرش الأبيض ينفع في اليوم الأسود» وغيرها.
الادخار والتوفير للمستقبل
وفي تعريفه لمفهوم الادخار، قال الدكتور اللواتي: يعد الادخار ظاهرة قديمة قدم إدراك الإنسان لضرورة جمع بعض الأموال في أوقات الرخاء للاستفادة منها في وقت العوز. وتبدأ عملية الادخار من خلال قيام فرد بوضع مبلغ معين في صندوق خاص بصورة يومية، أو من خلال إيداعه لمبلغ في المصرف بحيث يستطيع بعد فترة من الزمن استغلال المبلغ المدخر في أمر أو موضع هو أو أحد أفراد أسرته بحاجة إليه؛ ليكون له صمام أمان ويحميه من الأزمات الطارئة ، إلى جانب تكوين رصيد له يستفيد منه للبدء في ممارسة عمل تجاري على سبيل المثال.
وشدد اللواتي على أهمية التوفير والادخار لتجنب أخذ قروض بنكية مستدلا بالأرقام التي نشرها البنك المركزي العماني التي تفيد بأن قيمة الائتمان الممنوح من قبل مؤسسات الإيداع بلغ 25.1 مليار ريال عماني منها قروض شخصية بقيمة 11.4 مليار ريال عماني وبنسبة 45.5% ، بينما حصلت جميع القطاعات الاقتصادية الأخرى نسبة 55% تقريبًا.
وأوصى الدكتور حيدر اللواتي في نهاية ورقة العمل التي قدمها في الندوة بضرورة رفع مستوى ثقافة الادخار في المجتمع العماني والعمل على تعزيز برامج ادخارية للشباب والفئات العمرية الصغيرة، وإقامة معارض وفعاليات لتوعية الأطفال والشباب بأهمية الادخار، وتشجيع المؤسسات العلمية والبحثية للتركيز على إعداد دراسات في هذا المجال. كما أوصى بضرورة إقامة برامج لرفع نسبة ادخار الأسر لـ 6 – 10% من إجمالي الدخل، وتحويل النسبة ذاتها من الراتب الشهري للموظفين والعاملين تلقائيًا من الحساب الجاري إلى حساب التوفير.
وأشار اللواتي إلى ضرورة الاهتمام بتوجيه برامج إعلامية لتوعية الطلاب في السلطنة بأهمية الترشيد في الاستهلاك، وتشجيع الطلبة على فتح حسابات بنكية وتعوديهم على استخدام آلة الصرف الآلي للإيداع، وتوعية الناس بتقليل استخدام بطاقات الائتمان وإنفاق الأموال بطريقة عشوائية وغير محسوبة، ووضع خطة مستقبلية بعيدة المدى للادخار.
أوجه وخطوات الاستثمار
وفرق الدكتور أحمد بن عبدالكريم الهوتي بين مفهومي الادخار والاستثمار، حيث عرف الادخار بأنه تأجيل الاستهلاك الحالي في مقابل استهلاك الأموال مستقبلا، في المقابل عرف الاستثمار بأنه صرف الأموال والتضحية بها للحصول على أموال مستقبلية. وهو تراكم لمجموعة من الأصول بهدف الحصول على عائد مستقبلي.
وقال الهوتي: إن هناك نوعين من الاستثمار ، يعرف الأول بمفهوم «الاستثمار الحقيقي»، وهو الذي يضمن أصولا مادية ملموسة مثل الأراضي والمعدات والمصانع، وغيرها. في حين يتضمن النوع الثاني من الاستثمار المعروف بـ«الاستثمار المالي» عقودًا مكتوبة على قطع من الورق كالأسهم والسندات.
وتبدأ خطوات الاستثمار – كما أوضح الهواتي- من تحديد الأهداف المرجوة منه، ثم تحديد اختيارات الاستثمار، وتقييم المخاطرة لكل منها، وعمل مقارنات استثمارية، من ثم تحديد السيولة وتحديد التكلفة الدقيقة، والتحقق من الجهات المعنية.
وأوصى الهوتي بالاستثمار في الأوراق المالية، وقال: أكدت الدراسات على تفوق الاستثمار في الأسهم عن بقية أنواع الاستثمارات على المدى البعيد. وأضاف أن على الفرد الاستثمار في أدوات استثمارية توفر سيولة عالية وإمكانية سريعة للخروج، وتنويع الاستثمار في شركات متعددة وقطاعات مختلفة مما يقلل المخاطر، ويمكّن المستثمر من الدخول في قطاعات مختلفة والاستفادة منها.
وفي سبيل إدارة مخاطر الاستثمار، قال الهوتي: على المستثمر تنويع استثماراته، والبدء بالاستثمار تدريجيا في أسواق الأوراق المالية، واختيار مستشار مالي وقد يكون وسيطا معتمدا، أو محللا وباحثا ماليا، أو مديرا محافظا. كما أوصى الراغبين بالاستثمار في سوق المال باستخدام تقنيات إدارة المخاطر كوقف الخسائر أو ما يسمى بوقف النزيف، وإلى متابعة الاستثمار بشكل دوري وعدم إهماله. وأضاف: على المستثمر أيضًا ألا يتبع الإشاعات وأن يتبع المنهج العلمي، ويتابع حركة الأسعار في السوق والمؤشرات الاقتصادية بشكل مستمر، ومتابعة كافة الأنظمة والتعليمات التي تصدرها الجهات المختصة والمتعلقة بالاستثمار في الأوراق المالية.
خطوات التخطيط المالي الناجح
وعرّف السيد الدكتور منذر بن هلال البوسعيدي التخطيط المالي على أنه خطة شخصية لتحقيق هدف مالي وتتكون هذه الخطة من عدة عناصر تشمل: تحديد الأهداف، والتعرف والتحقق من طبيعة الدخل والمصاريف، ووضع الخطة المالية أو الموازنة، والتنفيذ والمتابعة والمراجعة ويتم ذلك عن طريق الاستثمار والتوفير .
وحول الخطوة الأولى المتعلقة بوضع الأهداف أكد البوسعيدي بأنه من المهم على الأفراد الراغبين بوضع خطة مالية جيدة تساعدهم على بلوغ أهدافهم، تحديد تلك الأهداف سواءً كانت طويلة المدى وتتعدى السنة، أو قصيرة المدى لا تتجاوز سنة واحدة. على أن تكون الأهداف واضحة وواقعية ومحددة ومكتوبة، موضحًا أن للكتابة والتدوين دورا كبيرا في ترسيخ المبادئ والأفكار.
وفي الخطوة الثانية يقول البوسعيدي : على الأفراد بعد تحديد وكتابة أهدافهم القيام بتتبع مصاريفهم الشهرية للتعرف على طبيعة صرفهم، وأنواع تلك المصروفات، وقيمتها الاعتيادية ليساعده ذلك فيما بعد لوضع خطة معقولة ومتناسبة مع احتياجاته. ويمكن عمل ذلك من خلال التدوين وكتابة المصروفات اليومية والأسبوعية والشهرية بعد كل عملية شراء، أو من خلال استخدام بعض تطبيقات الهواتف الخاصة بذلك.
وقال البوسعيدي: بعد أن تتكون صورة واضحة لدى الفرد حول طريقة صرفه يبدأ في الخطوة الثالثة المتمثلة في «إعداد الموازنة»، وفي هذه الخطوة يقوم بتحديد المصروفات ذات الأولية كالإيجار والالتزامات الأخرى، والمصروفات الاختيارية الأخرى كالسفر وغيرها ، وفي حال أنفق الفرد في بند معين من الموازنة يمكنه أن ينقص من ميزانية بند أخرى وهو مصطلح يطلق عليه ( المناقلة بين البنود). وأضاف: يبلغ متوسط نسبة التوفير 10% ، وعلى الفرد ألا يكتفي بهذه النسبة وأن يضع 10% أخرى للطوارئ وتحول للتوفير في حال عدم استخدامها. ولخص البوسعيدي الخطوة الرابعة من التخطيط المالي للأفراد في متابعة وتقييم الصرف في نهاية كل شهر ومعرفة مواطن القوة والضعف لبناء خطة الشهر الذي يليه وفقًا لهذه المعطيات.
وأكد الدكتور على أهمية الاستثمار كطريقة لزيادة الدخل وتنويع مصادره، وأوصى بالاستثمار في الأسواق المالية، أو في شراء سبائك الذهب، أو من خلال البدء بمشروعات منزلية.