د. طاهرة اللواتية
[email protected]
سألته عن باب الخروج ونحن في المركز الوطني للأورام بالمستشفى السلطاني، دلني على الباب، ثم استوقفني وقال لي هل ممكن أن أتحدث معك قليلا؟ أجبته بالإيجاب، قال لا يوجد ماهو أصعب وأشق على النفس من إصابة فرد في أسرة ما بالمرض الخبيث، والأصعب منه عندما تتلقى أسرته الخبر من الطبيب، فقد يكون طفلا انتظر والداه ولادته طويلا، ويكون شابا يافعا مليئا بأحلام الشباب، وقد تكون زوجة في ريعان الشباب، وقد يكون زوجا وأبا لأطفال، وقد يكون ابنا لوالدين كبيرين في العمر، وهو عمدة حياتهما. توقف لحظة ثم اكمل: تصوري معي كل هذه العلاقات الأسرية المشتبكة، وعواطفها الجياشة، ثم يكون على أسرته أن تتلقى خبر إصابة عزيزهم بالمرض الخبيث مرة واحدة وببرود، فالأطباء في مركز الأورام يرمون حقيقة المرض لنا ببرود ومباشرة، وعندما تلقينا خبر إصابة طفلتنا فقدت زوجتي وعيها وسقطت أرضا، واحتاجت معونة طبية كي تستعيد نفسها. وشهدت عددا من الحالات بنفسي، منهم شيخ كبير في السن عندما أخبروه عن ولده الشاب، سقط أرضا مغشيا عليه. والبعض قد يقضي عليه الخبر لإصابته بنوبة قلبية، أو ارتفاع ضغط الدم المفاجئ بسبب الصدمة.
ثم تساءل لماذا لا يتواجد أخصائي نفسي ينقل الخبر بطريقة مهنية ومتدرجة وغير صادمة لأسرة المريض، أليس ذلك من حقنا ؟
كان محقا تماما في كلامه، فما أقسى وقع الصدمة على النفس، وآثارها الخطيرة!
إن وجود أخصائيين نفسيين في مركز الأورام حاجة أساسية كوجود الأطباء، سواء لتوصيل الخبر إلى أسرة المريض، وثم مهارات تعاملهم معه، أو مع المريض نفسه، فالمريض يعيش أصعب لحظات حياته، وكل لحظة إيجابية هي طاقة تجعله أكثر قوة لمواجهة المرض والتغلب عليه، وكل لحظة سلبية أو تشاؤم قد تقربه إلى الموت، ناهيك عمن يصل إلى المستشفى وقد تقدم به المرض، ولم يبق إلا أن يكون مستعدا لمواجهة لحظاته الأخيرة برباطة جأش وقوة نفسية، ومواجهة أسرته هذه اللحظات القاسية والخطيرة، فللموت تبعات عاطفية ونفسية وحياتية أيضا.