«العمانية»: يمضي حمود بن سالم السيابي في توثيق الذاكرة العمانية من خلال إبحاره في الطرقات القديمة للأمكنة والوجوه عبر الذاكرة التي خبرت عقودا من الحياة المكتوبة بعرق الجباه، فيقدم السيابي لقارئه كتابه الجديد «أغاريد لمسقط ومطرح» موثقا جانبا من سيرة الحياة في هاتين المدينتين المهمتين في المسار العماني قديما وحديثا بلغة أقرب للشعر تتجلّى عذوبة في وصف أدبي مشحون بحالة عشق خاصة ووجْد بالمكان يحوله إلى أيقونة من ضوء.
يقدم المؤلف إهداء /هذه الأغاريد/ إلى الجص الذي ينبض في حيطان بيوت مسقط ومطرح، وإلى الطلاء الذي يكتب قصيدة وجعة، إلى كل الذين عبروا هذه السطور فكانت أسماؤهم عطر الكلمات، وإلى كل الذين سيقرأون هذه الشخابيط ويتذكرونني بعد غياب، مشيرا في مقدمته إلى أن مسقط ومطرح بهما الكثير من الأمكنة المهمة التي لم أقترب منها رغم استحقاقها المكاني، وعذري في ذلك أنني لم أدخلها ولم أرتبط بوشائج مع المكان، منوها أيضا إلى أن في هاتين المدينتين مفردات إنسانية عرفها عن بعد فكان الحديث عنها يظلمها ويظلمني فهي تستحق حروفا تليق بها من أقلام غمست في محاور الوشائج معها.
ومع ذلك يؤكد المؤلف أنه بهذا الإصدار لا يوثق مرحلة ولا يكتب تاريخا لمرحلة، ولا يكتب عن مرحلة، بل وحسب قوله «أستعيد بعثرة خطوات مشيتها في مساحة من المكان، والتقيت بمحض الصدفة بأشخاص في المكان، ووضعت الأقدار في طريقي بعض الأشخاص بحكم الجوار أو زمالة الدراسة أو العمل تحت سقف مكتب واحد»، ليؤكد أن شهادات العشاق «مجروحة كقلوبهم ورؤى الهائمين مشوشة كعيونهم الباكية».
ووضع السيابي مدخلا شعريا للكتاب، ليكون أيضا بصمة الغلاف الأخير، قال فيه:
هنا لعب الحواليس يوما
ووازنت بين الحصى
وهنا خاتلت والخصم
أنّى دنا أو قصا
وهنا أناخ الزمان
المطايا السبوق
وألقى العصا.
ويتضمن الكتاب الصادر عن مؤسسة بيت الغشام للصحافة والنشر والإعلان مجموعة كبيرة من المقالات نشر بعضها في أعداد مجلة التكوين الصادرة عن المؤسسة، قسّمها المؤلف إلى قسمين مع ملحق للصور، قسم لأغاريده عن المكان، وآخر عن «جواهر المكان»، في الفصل الأول نقرأ نقشه الأدبي عن الأمكنة، متحدثا عن تباطؤ المعوشري ولدغات عقارب الوقت عند فرضة الوطية والشوق إلى مطرح الخرافية، والسلطان تيمور أول العابرين لنهر الإسمنت وإطلالة لسحر المكان من عقبة ريام، ومن داخل قصر العلم القديم أستعيد الأمكنة والأزمنة والوجوه وأنا أردد هنا كان أبي، وفي بيت السيد أحمد بن إبراهيم حيث تشرب عمان القهوة المشعشعة بالهيبة والهيل، ومعهد مسجد الخور مئذنة من نور لا تزال تشع في حياة الكثيرين، وفي مكتب الجمادار لشكران بمسقط نستأذنه كعمانيين لزيارة ولاياتنا، وفي سوق الداخل بمسقط واستحقاقات الباب الصغير، وفي بيت البرزة أستعيد هيبة مطرح وعمائم الرجال، وحارة العرين بمطرح استعادة لعمر سفحناه وحاضر نفتقده.
ومن مدرسة المعلمة عميرة بسمائل إلى السعيدية بمطرح أو الجامعة السلطانية الثالثة، ومن داخل دروازة مطرح حيث البلدة أجمل، وليلة سقوط مروحة مستشفى طومس مطرح تبحث عن أطول النخلات، وسوق البندر غربة المكان وغصص الأسئلة، وجيدان..
هل إلى رجعاك إمكان؟، وعمارة طالب أيقونة الزمن الجميل ومخاوف من اقتراب اختفائها من المشهد المطرحي، وديوانية الدكة على شفير وادي خلفان حيث كبرنا هناك، ومن مسجد الصريبيخ إلى مسجد الإعلام والفرحة بعودة الهامات التي تتكرر وأيام النقاء التي تعود، وسور اللواتيا الذي دخلته والدروب التي تتأرجح على «منز” الحكايات، والأربق النبيلة التي تنازلت عن قلعتها لمستقبل مطرح، وإلى الشطيفي على متن قارب صغير مع أبي والإبحار إلى زمن منسي، وتأملات في لوحات ولجات، وحين تتهجد الريشة والألوان على حيطان وزارة العدل، وفي القطار ومعنا روي ومطبعة جريدة عمان وتساؤلات أما سئمنا ارتحالا، ومسقط المنشغلة بالبناء لا تزال صديقة الشعراء.
أما في الجزء الثاني من الكتاب /أغاريد لجواهر المكان/ فيضم الكتاب مقالات جاءت تحت عناوين /رحل السيد تركي بن محمود: والبناء يبقى وتفنى البُناةُ/، ومع الشيخ سعود الخليلي والحديث عن خواتيم نزوى والعودة المستحقة لمسقط في التاريخ، وعند سلم الجلالي في مغب أسائل الشاعر هلال بن بدر عن القيود التي تليق بالشيخ محمود بن زاهر، ومن خيمة في السيوح السلطانية إلى مكتب في الذرى المسقطية، وفي بيته بالوادي الكبير ما زلت أرجِّحُ فرضية رحيلة مزحة واتسبية”، وفي بيته بالخوير وفي الزوايا بقايا من بقاياه، وعند بيت الزبير أصافح الوزير محمد وأستعيد أيام الأب الوزير الزبير، ومع أول من قال هنا مسقط، والوزير يحيى السليمي العائد إلى العريانة وبيده مفتاح مندوس الذكريات، وعبدالله بن عباس العاشق لمسقط الكبيرة جدا والجميلة جدا، وعلى طاولة سخاء الشاعر الكبير ذياب العامري في أحد مقاهي مسقط في أنبل ثوراته وغضبه، وفي مبنى التايمز أوف عمان أتهجى آخر مقال لرائد الصحافة الإنجليزية عيسى محمد، وعاصمة الجمالية زهرة من جنائن مسقط تذبل خارج مزهريتها، وحسن ماستر صاحب أشهر مدرسة أهلية في مطرح ونجم المقاتل والجلوات في السور، وحسن سالم الفارسي صوت النهضة وحنجرة إذاعية بقياسات البي بي سي، وعبدالله شامريد ابن حارة المدبغة.
كما عرفته وزاملته بجريدة عمان، ومطرح الباقية في لوحات الفنان أنور سونيا وألوانه، وعبد الرحمن الهنائي الخارج من بيت يحرّم تصوير ذوات الروح ليوجد في جمادات مطرح الروح، ومطرح في ذاكرة عاشقها علي بن محمد سلطان، وعند مجلة العقيدة في انتظار الشاعر مبارك العامري، ومنى محفوظ البصمة الصوتية للنهضة، ومن هنا مرت خيول الشرفاء، و روي التي قرأتها في دفتر الأستاذ محمد الوهيبي، و/شيول/ داوود..حنوط الفراق وعطر الانتظار، وأخيرا مقالا بعنوان ديزل..بفتة القلب وياسمين الحكايات.
تاريخ النشر: 18 – 8 – 2018م