محمد بن رضا اللواتي
عندما يدور الحوار بين “لماذا” و “لأن” فمعنى هذا أنّ طبيعته تتعلق ربما بمسؤوليات لم تُنجز، ووعود ربما لم تُنفذ، واستراتيجيات لم تتحقق، بالطبع؛ لأسباب يختلف تقييم المحاورين لها ومقدار استطاعتها تبرير تراجع الإنجاز المنتظر.
يمكن وصف أغلب الحوار الذي أجراه أعضاء مجلس الشورى مع معالي وزير السياحة في الجلسة الاعتيادية التي كان موعدها الأربعاء الفائت أنّ طبيعته كانت التساؤل عمّا كان ينبغي أن يتحقق، لماذا تراجع؟ وكان معاليه بالإضافة إلى “لأن” قد استخدم أيضا “ولكن” منوّها إلى ضرورة النظر بعين الاعتبار إلى المقدار الذي تحقق في ظل الأوضاع الراهنة؛ وبلا شك فإنّ الحق معه، كما تقول الحكمة البلغارية القديمة “إذا ارتفع الدخان في السماء فاشكر الله على وجود ضوء يكشف معالم الطريق”.
ذكرني الحوار بتغريدات قديمة ادعت أنّ معاليه سبق وأن وعد بأنّ وزارته تعمل على جعل السلطنة سياحيا “نرويج الخليج”، إلا أنّ معاليه في الجلسة الحوارية تلك أنكر أنّه كان قد صرّح بذلك، مؤكدا بأنّه يتمنى أن تفوق السلطنة تلك المكانة حتى، وهذا أمر لا شك فيه جزما، فتطلعات وزارة السياحة وكذلك مجلس الشورى هي أن تُصبح السلطنة في مصاف الدول السياحية الكُبرى؛ لا سيما في الخليج، لما تمتلكه من مقومات طبيعية تكاد ألا يكون لها أثر في أي موقع جغرافي آخر قريب.
ففي الوقت الذي تعبر الشاحنات الضخمة في شوارع بعض دول الجوار حاملة صخورا لاستخدامها في مشاريع إنشاء جزر بحرية اصطناعية، وإذا بالبحر يهب السلطنة جزرا مذهلة لا ينقصها إلا أن تصبح متاحة ومؤهلة لزيارة عشاقها من مختلف أطراف العالم. ناهيك عن الطبيعة الصحراوية الفاتنة للبلد والجبلية وغيرها، والتي مع كثرتها فإننا لا نزال بحسب المؤشرات العالمية للسياحة في موقع تسبقنا فيه بعض دول الجوار؛ رغم أنّها لا تمتلك ربع ما نتملكه من مقومات.
مؤخرا استضفنا مفكرا عربيا من لبنان لفعالية ثقافية أقيمت على هامش معرض مسقط الدولي للكتاب، وقبيل عودته أعددنا له جولة في ربوع مسقط وحدها لضيق الوقت. لقد افتتن بجبالها الراسيات، وكان يُعبر عن إعجابه الشديد بهيمنتها العجيبة على الموج القرمزي.
ولنعد إلى حوار أعضاء مجلس الشورى مع معاليه، وتحديدا إلى قلق المجلس من العجز المتكرر في الميزان السياحي للسلطنة، الذي يقيس بين السياحة الوافدة والسياحة المغادرة، إذ من الواضح تماما أنّ المقومات السياحية ليست بالمستوى الذي تجعل من السياحة المغادرة تتراجع، على الأقل، في غير موسم القيظ، وهذا الأمر يكمن في ضعف المرافق السياحية الحيوية التي تستطيع، ليس فحسب، منع تدفق المواطنين خارج بلدهم بأعداد هائلة في غير موسم الصيف، وإنّما تستطيع كذلك إيجاد بيئة نشطة للصرف من قبل السائح الأجنبي الذي، وبحسب المؤشرات الحالية، أغلب صرفه في السكن فحسب.
لقد كان بعض أعضاء المجلس يشيرون إلى غياب حزم متكاملة من الحلول السياحية المتمثلة في مرافق جاهزة في المواقع السياحية الهامة.
أذكر ذات مرة أثناء زيارتي “لعالم فراري” أن التقيت بمجموعة من العائلات العمانية حين الغداء، واتفق الجميع حينها أن خلو البلد من مشاريع سياحية عائلية هو السبب الرئيس في النزيف الذي يقع باستمرار في تعاظم السياحة المحلية المغادرة.
إنّ مشاريع على غرار تلك إن تواجدت قرب بعض المنتجعات الحديثة في بعض المواقع السياحية الهامة حتما لكانت تعمل على إطالة فترات وجود السائح الوافد، فضلا عن السائح المحلي، وغير معروف أسباب خلو البلد تماما من تقديم هذا النوع من الحزم السياحية التي بإمكانها جعل السلطنة الأولى في السياحة العائلية على مستوى الخليج العربي.
مجموعة من السواح الخليجيين في أولى زيارتهم لصلالة في خريفها الفائت والذين كانوا مذهولين من جمال “وادي دربات” وخلوه في نفس الوقت من أيّة مرافق سياحية حيوية، فضلا عن تكاثر “البعوض” إلى الحد الذي كان يعيق السواح عن الاستمتاع بجمال ذلك المكان الخلاب، تساءلوا ما إذا كان هنالك في الجوار “حديقة للحيوانات”، أو “سفاري مفتوح”. لقد أقنعتهم إجابة أنّ ثمة ما يجعل من الحيوانات “تموت” على أرضنا إن وضعناها في حديقة!
وعند مقارنتهم “سهل آتين” بجبل “جاليدرة” المطل على بحيرة في مدينة “مشهد” الايرانية، والتي كثيرا ما يزورونها، كانوا يقولون بأنّ توافد الخليجيين على ذلك الموقع السياحي شديد، فضلا عن منافسة السائح المحلي لهم هناك وبكثرة، رغم أنّ “جاليدرة” لا ينبغي أن تُقارن “بسهل آتين” أبدا في موسم الخريف، إذ تكتسيها الحُلة الخضراء التي لا أثر لها على “الجاليدرة”، فضلا عن الرذاذ والضباب، ولكن الذي يميز “جاليدرة” هي الكراسي الكهربائية المعلقة “التلفريك” التي تعشقه الوفود السياحية، فمن خلالها يقضون وقتا رائعا في رحلة تدوم ساعة فوق الهضبة والبحيرة. تُرى ما كان مقدار العائد من الاستثمار في هكذا أنشطة سياحية لو توفرت، وما أسهل توفيرها، ولكن ومرة أخرى، ليس معلوما على وجه التحديد على ماذا اعتمد الرأي الذي لا يرى لهذه الحزم النشطة من المقومات السياحية ضرورة تقتضي وجودها.
في السلطنة، يحدث ثاني أكبر تجمع للسلاحف في العالم بعد أستراليا، وتتقدم “مصيرة” وحدها على كافة منافسيها في العالم لتغدو الثانية في الاستحواذ على تجمع 55% من إحدى أنواعها، إلا أنّ بقاء السواح لأطول فترة ممكنة بعد تدفقهم، ينبغي أن تتوفر له تلك الحزم التي يقلق المجلس لغيابها بشكل لافت جدا، وتقريبا في كل موقع سياحي لدينا.
****
ختاما، لفتتني تغريدتين غرد بهما مواطنان حول الحوار الذي دار بين مجلس الشورى وبين معالي وزير السياحة، الأولى تقول: “عندما يصفق أعضاء مجلس الشورى للوزير أثناء مساءلته اعلم بأنّ الدرب طويل”، والأخرى تقول: “عندما يحسب الوزير لمراقبة مجلس الشورى ومحاسبته ألف حساب، ويحسب العضو لمراقبة المواطن الناخب ومحاسبته ألف حساب، حينها سنطمئن بأننا على الطريق الصحيح”.
قد يتفق معي القارئ أن ثمة تغريدة ثالثة، لو توفرت بين التغريدتين، لأوجدت انسجاما أكثر بينهما، أترك التفكير في فحواها له!